قطر على حافة غزو عسكري لتغيير النظام فيها.. والبداية قطع علاقات..
عبد الباري عطوان
لم نبالغ عندما قلنا قبل يومين، وفي هذا المكان، أن الحرب اشتعلت بين قطر من ناحية، وخصومها في الخليج من ناحية أخرى، وها نحن نفوق من نومنا فجر العاشر من رمضان على قرارات غير مسبوقة بقطع العلاقات الدبلوماسية، وإغلاق الحدود، ووقف كل رحلات الطيران، وطرد مواطني دولة قطر، ولم يبق إلا إرسال الطائرات الحربية لقصف القصر الأميري والدبابات لاحتلاله أيضا، وتنصيب أمير جديد.
ما يجري حاليا هو عملية محكمة لخنق دولة قطر اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وعزلها عن العالمين العربي والدولي، وإعلان الحرب الدبلوماسية والاقتصادية عليها كتمهيد للمرحلة الأخيرة وهي الحرب العسكرية.
اتهام حكومة قطر لخصومها الأربعة بأنهم يحاولون “فرض الوصاية” عليها بالقوة، بشقيها الناعم والخشن، اتهام في محله، والمشكلة أن قطر تجد نفسها وحيدة في مواجهة هذا “التسونامي” الذي يهددها من الجهات الأربع، اللهم إلا إذا تغيرت المعادلات في الساعات والأيام المقبلة، وشاهدنا تغيرا في خريطة التحالفات، وأن كل التوقع هذا لا يبدو واردا في ظل غياب أي مؤشرات توحي بعكس ذلك.
***
لا نستبعد أن يكون هذا التحرك المدروس جيدا، والمعد بطريقة محكمة، وفي غرف مظلمة منذ عدة أسابيع وربما أشهر، جاء بمباركة أمريكية، وقبض ثمنه الرئيس دونالد ترامب 460 مليار دولار أثناء زيارته الرياض الشهر الماضي، وتتويجه زعيما على العالمين العربي والإسلامي بحضوره القمم الثلاث والاستقبال غير المسبوق الذي حظي به.
بيان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الذي أصدره أمس، ودعا فيه الدول الخليجية “إلى الحفاظ على وحدتها، والعمل على تسوية الخلافات” يؤكد هذا الضوء الأخضر ويدعمه، فقد جاء هذا البيان “مائعا” ومساندا للتحرك الرباعي، ويذكرنا بنظيره الذي صدر عن السفيرة الأمريكية ابريل غلاسبي ولقائها بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ومهد لغزو الكويت.
لا نعتقد أن الأمور ستتوقف عند هذا الحد، أي قطع العلاقات، وسحب المواطنين من قطر، وإغلاق الحدود، وتعليق الرحلات الجوية، وطرد المواطنين القطريين من الدول الأربع، فمن يتابع قنوات مثل “العربية” السعودية، و”سكاي نيوز″ الإماراتية تقرع طبول الحرب، وتحشد “المحرضين” عليها، من كل الألوان والجنسيات يصل إلى قناعة راسخة بأن القادم أعظم.
سمعنا السيد مصطفى بكري عضو مجلس الشعب المصري، والمقرب جدا من الرئيس عبد الفتاح السيسي والمجلس العسكري، يتحدث علنا، على قناة “العربية”، عن حرب قادمة، وعن تغيير النظام في قطر بالقوة العسكرية، مثلما سمعنا آخرون يؤكدون على ضرورة التسريع في هذه الخطوات لأن قطر تدعم الإرهاب في سيناء وسورية وليبيا، وتمول تنظيمات متطرفة مثل “القاعدة” و”الدولة الإسلامية”.
لم نفاجأ بإعلان فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي الليبي الانضمام إلى التحالف المعادي لدولة قطر، أسوة بالرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور، ويقدم على قطع العلاقات معها، لأننا نعتقد أن هذا التحالف يتبع نظرية الرئيس جورج بوش الشهيرة، التي تقول من “ليس معنا فهو ضدنا” ويطبقها حرفيا، والقيادة السعودية التي حشدت زعماء وممثلي 56 دولة إسلامية للتصفيق للرئيس ترامب، قد تطالب معظم هذه الزعامات، والعربية منها خاصة، في الأردن والمغرب والسودان وربما تونس أيضا، للسير على الطريق نفسه والمشاركة في عملية خنق قطر وتغيير النظام فيها.
مشكلة دولة قطر في نظر خصومها، والسعودية بالذات، اعتقادها بأنها تستطيع إتباع سياسة مستقلة عن سياسات “الشقيقة” الكبرى، وتنفتح على إيران، وتدعم حركة “الإخوان المسلمين” وأذرعها في مصر وليبيا واليمن وقطاع غزة وتركيا، وتوظف ثرواتها المالية الهائلة في هذا المضمار (دخلها السنوي من الغاز والنفط وصل إلى 86 مليار دولار سنويا) في دعم هذه الحركة ومنابرها، وتبين أن هذا الاعتقاد لم يكن في محله، وقد تفاجأ القيادة القطرية بأن قاعدة “العيديد” لم تعد بوليصة تأمين أمريكية لحمايتها من أي تدخل عسكري.
***
غزو قطر ليس مستبعدا في ظل التواطؤ الأمريكي، والصمت التركي، والتجاهل الدولي، وهي أمور، منفردة أو مجتمعه، تثير الاستغراب والقلق في الوقت نفسه، فقد جربت الدول الأربع التدخل العسكري سابقا لإعادة الشيخ خليفة بن حمد جد الأمير الحالي إلى عرشه بعد إطاحته من الحكم على يد ابنه الشيخ حمد في انقلاب أبيض، ودخلت القوات الغازية الأراضي القطرية عام 1996 ولم يفشل هذا التدخل إلا “الفيتو” الأمريكي وقاعدة “العيديد”، ومن هنا تأتي أهمية الضوء الأخضر الأمريكي الذي قد تكون زيارتا “المحمدين” لواشنطن، أي الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، والأمير محمد بن سلمان، ولي ولي عهد السعودية قد أمناه مسبقا.
هناك سيناريوهان مطروحان لعملية التغيير في القيادة القطرية التي يتحدث عنها المحور الرباعي السعودي الإماراتي المصري البحريني:
الأول: حدوث انقلاب داخلي عسكري أو أمني، يقوده أحد أجنحة الأسرة الحاكمة بدعم ضباط كبار، واحتمالات النجاح هنا تبدو ضعيفة لأن الأمير هو وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ومن ناحية أخرى يعتبر وزير الدولة لشؤون الدفاع السيد خالد العطية ابن خال الوالد الأمير حمد بن خليفة، ومن الموالين جدا له ولنجله الأمير تميم، مضافا إلى ذلك أن الأمير الوالد أشرف بنفسه على تركيبة الجيش بحيث يكون مواليا له.
الثاني: ترتيب غزو خارجي تشارك فيه قوات برية إماراتية سعودية مصرية بغطاء جوي سعودي إماراتي، وتوجد قوات ودبابات مصرية في الإمارات، مثلما أفاد مصدر مصري موثوق، والسيناريو الثاني هو الأكثر ترجيحا في حال اللجوء لقرار التدخل العسكري.
التحضيرات ربما اكتملت لتهيئة البديل، والصحف المصرية احتفلت بالشيخ الدكتور سعود بن ناصر آل ثاني المرشح الأبرز لخلافة الأمير تميم الذي تعتبره مصر والسعودية والإمارات الوريث “الشرعي” للشيخ أحمد بن علي أول أمير لقطر بعد استقلال عام 1971، وأطيح به بانقلاب أبيض على يد جد الأمير الحالي الشيخ تميم بن حمد عندما كان في زيارة إلى طهران.
ومثلما فوجئنا فجر اليوم الاثنين بهذه الخطوات الحاسمة، لن نستغرب أن نصحوا فجر يوم رمضاني آخر، وربما قبل عيد الفطر، على أنباء عن تدخل عسكري جوي وأرضي وبحري يطيح بالأمير الحالي، ويأتي بمن يخلفه على ظهر دبابات سعودية مصرية إماراتية بحرينية، فمن سيمنع هذه الخطوة؟ الأمم المتحدة؟.. تركيا صامتة.. إيران (أصدرت بيانا فاترا وغامضا وحمّال عدة أوجه)، وهل ستتحرك روسيا التي زارها الأمير بن سلمان قبل أيام ووقع معها اتفاقات سرية وعلنية؟
جميع هذه الأطراف، ومنهم حلفاء أقوياء لقطر، تدير وجهها إلى الناحية الأخرى، أو تدس رأسها في الرمال، ولا تريد أن تعرف لأنها لا تريد أن تتدخل، حتى الآن على الأقل.
الدور القطري الذي نعرفه ربما يكون أشرف على نهايته، أن لم يكن قد انتهى فعلا.. والله أعلم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/06/06