لماذا رفض الأمير تميم دعوة ترامب والذهاب إلى واشنطن؟
عبد الباري عطوان
من تابع تقاطيع وجه الشيخ صباح الأحمد الجابر أمير دولة الكويت، وحالة الإحباط واليأس الغالبة في جميع لقاءاته التي أجراها خلال رحلاته المكوكية مع المسؤولين في السعودية والإمارات ودولة قطر، يدرك دون أدنى عناء أن وساطته لم تحقق أي نجاح، وأن الأمور ذاهبة إلى التصعيد على الصعد كافة، السياسية والاقتصادية، وربما العسكرية أيضا.
مرة أخرى نقول “إنها الحرب”، وإنها ستنزلق إلى مزالق “قذرة” و”غير مسبوقة”، لأن كل طرف متمسك بمواقفه، ويرفض التنازل عنها، فالمعسكر السعودي الإماراتي المصري يريد التزاما كاملا وسريعا من قطر بتطبيق “الإملاءات” العشر، وقطر تتحدى وترفض تنفيذ أي منها، وتعلن حالة التأهب في صفوف قواتها تحسبا للأسوأ.
الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر كان محقا في رأينا عندما أعلن أنه لن يقبل دعوة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحضور قمة لبحث الأزمة في واشنطن طالما الحصار مستمر على قطر، لأنه يدرك جيدا أنه إذا غادر بلاده قد لا يعود إليها، استيعابا لدروس جده الشيخ خليفة بن حمد الذي أطاح به ابنه الشيخ حمد بن خليفة (والد تميم)، أثناء زيارة له للقاهرة عام 2015، أو ابن عم جده الشيخ حمد بن علي، أول أمير لدولة قطر منذ استقلالها عام 1971، الذي غادر في زيارة رسمية من قطر ولم يعد منها إلى الدوحة.
***
أربعة تطورات خطيرة وقعت خلال الـ 24 ساعة الماضية يمكن من خلال رصدها قراءة ملامح المآلات التي يمكن أن تنجر إليها الأزمة:
أولا: دخول مصر إلى الساحة بقوة، ودعوة كبير وفدها الدبلوماسي في نيويورك، السيد إيهاب مصطفى، مجلس الأمن الدولي بإجراء تحقيق محايد حول اتهامات بإقدام قطر على دفع مليار دولار نقدا (كاش) كفدية لمنظمة إرهابية في العراق، وأخرى في سورية من أجل إطلاق سراح 26 من أعضاء في الأسرة الحاكمة كانوا مختطفين في العراق، وأكد أنه إذا ثبت صحة هذه الاتهامات فأنها ستشكل آثارا سلبية على جهود مكافحة الإرهاب.
الثانية: تصريحات خطيرة وردت على لسان وزراء إماراتيين، الأول هو السيد أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، وصف فيها تصرفات قطر بـ”المربكة” و”المرتبكة”، والثاني هو الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الدولة أيضا الذي قال “إن الكيل قد طفح”، وأضاف “أن قطر مستمرة في دعم منظمات إرهابية مثل “حماس″ و”القاعدة” وحركة “الإخوان المسلمين”، إلى جانب أخرى (أنصار الشريعة) في ليبيا، إلى جانب دعمها نظاما (إيران) يدعم الإرهاب في مختلف إنحاء العالم”.
الثالثة: إعلان شبكة “الجزيرة” القطرية أن موقعها وحساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي تتعرض لهجوم معلوماتي ولمحاولة اختراق ممنهجة ومستمرة، كما تعرض التلفزيون الرسمي القطري لمحاولة قرصنة، بعد أسبوعين من اختراق موقع وكالة أنباء “قنا” الرسمية.
الرابعة: موافقة البرلمان التركي على إرسال خمسة آلاف جندي لتعزيز القاعدة التركية العسكرية في قطر، وتوارد تقارير إخبارية عن وصول وحدات من الحرس الثوري الإيراني أيضا على شكل “مستشارين” و”مدربين”، ولكن لم يصدر أي تأكيد رسمي قطري أو إيراني لها.
إصرار المربع السعودي الإماراتي البحريني المصري على تنفيذ قطر للشروط العشرة، وعدم إبداء أي مرونة تجاوبا مع وساطة أمير قطر، والرفض القطري “الصارم” والمتحدي لها في المقابل، الذي ورد على لسان وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي أكد أن بلاده لن تسمح لأحد بالتدخل في سياستها الخارجية، يعني أن الأزمة تزحف بسرعة نحو المزيد من التصعيد بشقيه الاقتصادي والعسكري.
خروج الأزمة من نطاقها الخليجي، إلى نظيره الإقليمي، ربما يدفع بها تجاه المواجهة العسكرية، وهناك مؤشرات كثيرة تفيد بأن التدخل العسكري لتغيير النظام جرى الاتفاق عليه، ووضع خططه منذ فترة طويلة، وان الغارات الجوية تنتظر إشارة الانطلاق.
أفقنا يوم الاثنين الماضي على أنباء قطع العلاقات الدبلوماسية، وإغلاق الأجواء والمعابر البرية والبحرية، وفرض حصار خانق، ولا نستبعد أن تفوق من النوم صباح يوم غد أو بعد غد على أنباء الغارات الجوية، وزحف القوات البرية باتجاه الدوحة.
من أطلق “عاصفة الحزم” للعدوان على اليمن (بمشاركة قطر) لن يتردد في توجيه طائرات هذه العاصفة نحو قطر الصغيرة التي لا تزيد مساحتها عن 11 كيلومتر مربع فقط، خاصة أن تلك الطائرات باتت عاطلة عن العمل ولم تعد تجد أي أهداف لضربها في اليمن.
***
نحن نقف على حافة هاوية أزمة إقليمية خرجت عن إطار الوساطات وسياسات “تبويس اللحى”، والأحاديث الممجوجة عن “الأخوة الخليجية”، إنها “حرب إقليمية” على وشك الاندلاع، ولكن بطائرات حديثة أمريكية هي الأحدث في العالم، وليس بالسيوف والرماح وظهور الخيول.
إرسال تركيا لقوات إلى الدوحة خطوة تضامنية جيدة، ولكنها قد تعطي نتائج عكسية، ليس لأن تركيا بعيدة، وإنما أيضا لأنها قد توفر الذريعة للغزو العسكري لقطر أيضا.
قاعدة العيديد ربما لن توفر الحماية لقطر، وقد يكون دورها حيادي الطابع، وإلا لما كانت هناك حاجة في الأساس لوجود قاعدة تركية موازية وإرسال قوات لتعزيزها بموافقة برلمانية.
أمريكا تريد الحلول العسكرية، وقد لا تقف على الحياد، وإذا انحازت فستنحاز للمعسكر السعودي الإماراتي، ليس لأنها قبضت الثمن مقدما (500 مليار دولار)، وإنما لأنها تريد وضع كل منطقة الخليج تحت انتدابها رسميا.
الوساطة الكويتية فشلت لأنه أريد لها ذلك، ولم تكن أمامها أي فرصة للنجاح في الأساس، وهذا الفشل كان مقصودا لتمهيد الطريق للخيار العسكري.. إنها الحرب إذا، وهي حرب ستجر الجميع إلى أتونها، ولن تكون قطر هي الخاسر الوحيد.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/06/08