القوة المالية الناعمة انتصرت وأعادت “صنافير” و”تيران” إلى السيادة السعودية..
عبد الباري عطوان
إقرار البرلمان المصري اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية وبما يؤكد تنازل مصر عن السيادة الكاملة على جزيرتي “تيران” و”صنافير” في مدخل خليج العقبة، يؤكد أن الحكومات العربية باتت تستطيع أن تفرض ما تشاء من قرارات ومواقف على شعوبها بكل الطرق والوسائل القانونية أو غير القانونية.
نحن لا نناقش في هذا الحيز حقوق الملكية لهذه الجزر، ووثائق كل طرف التي تؤكد وجهة نظره، وإنما الطريقة التي جرى من خلالها “تمرير” هذا القرار في البرلمان المصري، وهو برلمان مشكوك في الأساس في شرعية تمثيله للشعب المصري، وجرى اختيار معظم أعضائه بطريقة تضمن الولاء للحكومة ومواقفها، بغض النظر عما إذا كانت صائبة أم لا.
كان واضحا منذ توقيع الاتفاقية أن الحكومة المصرية تركت للشعب المصري، والمعارضين لها يصرخون مثلما شاءوا، وأن يستنفذوا كل الإجراءات القضائية، وصبرت على كل الآراء المعارضة لأنها كانت تخطط لتمريرها في نهاية المطاف في مجلس الشعب البرلمان، رضوخا للإملاءات السعودية التي استغلت الأزمة الاقتصادية المصرية الطاحنة للحصول على ما تريد، وكان لها ما أرادت.
***
قبل ستة أشهر اتصلت بالزميل مصطفى بكري، عضو مجلس الشعب، باعتباره من المقربين من دائرة صنع القرار لاستطلاع وجهة نظره، والنظام بالتالي، حول هذه المسألة، بعد إصدار المحكمة الإدارية العليا، وهي أعلى سلطة قضائية في الدولة، وأحكامها نهائية غير قابلة للطعن، في إطار التحضير لكتابة مقال في هذه الصحيفة، فأكد لي أن كل هذه “الشوشرة” لا قيمة لها، وأن البرلمان، صاحب الكلمة النهائية، سيقر هذه الاتفاقية دون أي عوائق، والمسألة مسألة وقت لا أكثر ولا أقل، وهذا ما حصل فعلا.
لم يعد هناك أي رأي للمواطن العربي، ولم تعد هناك أي قيمة لمؤسساته الصورية، منتخبة كانت أم معينة، فالحاكم هو صاحب القرار، وما على الرعية إلا السمع والطاعة، فإذا كانت تغريدة على “التويتر” تبدي وجهة نظر متعاطفة، مع دول قطر، أو تنتقد النظام السياسي، وبرفق شديد، تؤدي بصاحبها إلى السجن لعشر سنوات، أو أكثر، ومنع من السفر مدى الحياة، وغرامة تتدرج لتصل إلى أكثر من مليون دولار، فأن الصورة تبدو قاتمة وسوداوية.
الغريب أن هذه الدول التي تسجن أبناءها بسبب “تغريدة” أو قصيدة، هي التي تنفق عشرات المليارات من الدولارات، وآلاف الأطنان من الأسلحة، في سورية واليمن من أجل نشر قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والقضاء العادل وحقوق الإنسان.
“تيران” و”صنافير” جزيرتان عربيتان، ونأمل أن تظلا كذلك، ولا يهمنا لمن تكون السيادة عليهما، طالما أنها سيادة عربية، لكن ما نخشاه في ظل هذا الاندفاع لحسم مسألة السيادة هذه، أن يكون هناك مخططا، جرى طبخ تفاصيله في الغرف المغلقة، لتوظيفهما، وخليج العقبة برمته، لخدمة أهداف إسرائيلية، اقتصادية وعسكرية.
فماذا يضير بالسعودية التي تملك آلاف الجزر في البحر الأحمر والخليج العربي، لو بقيت الجزيرتان تحت السيادة المصرية، خاصة أنها صخرية وغير مأهولة، إلا من الطيور البحرية، ولا توجد أي دراسة تؤكد أن في جوفها بترول أو غاز، أو أي نوع آخر من المعادن؟
***
لا نعرف كيف سيكون رد فعل الشعب المصري، أو القطاع العريض منه الذي يتمسك بمصرية الجزيرتين، ولكن ما نعرفه أن مصر التي تعاني من أزمات عديدة، وتخوض حربا دموية في سيناء للحفاظ على هيبتها وسيادتها، ليست بحاجة إلى مشاكل واضطرابات إضافية، وكان يجب على السعودية أن تراعي هذه المسألة، ولا تمارس ضغوطا عليها من أجل استعادة الجزيرتين، وتأجيل هذه المسألة لظرف آخر أكثر ملائمة، فقد تكون كسبت الجزيرتين، ولكنها خسرت قطاعا عريضا من الشعب المصري الشقيق، وبذرت بذور عداء وتوتر قد يستمران لعقود.
الحكومة المصرية الحالية، تنتهج النهج نفسه الذي انتهجته جميع الحكومات التي سبقتها، ويتلخص في القول “دعهم يصرخون ويولولون مثلما شاءوا.. فنحن نقرر ما نريد في نهاية المطاف”، ولكن ربما يغيب عن ذهنها أن صاحب هذه المقولة الأشهر، الرئيس حسني مبارك جرى إخراجه من الحكم بشكل مهين، ومن خلال ثورة شعبية سلمية لم تستغرق أكثر من عشرين يوما، والباقي متروك لفهمكم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/06/15