الطريق طويل لتحقيق التوازن في الأسواق
د. نعمت أبو الصوف
تتزايد الأدلة على أن منظمة أوبك وحلفاءها من خارج المنظمة يجدون صعوبة في كفاحهم من أجل خفض مخزونات النفط الكبيرة في العالم. ولكن لا يزال من السابق لأوانه الحكم بشكل كامل وقطعي على مدى فعالية الاتفاق بين المنظمة والـ 11 منتجا من خارجها لتخفيض الإنتاج بمقدار 1.7 مليون برميل يوميا لمدة تسعة أشهر إضافية. حيث من المرجح جدا أن يتسارع معدل انخفاض مخزونات النفط العالمية مع توقع زيادة الطلب العالمي على النفط بمقدار مليوني برميل في اليوم في الربع الثالث من هذا العام. ولكن حركة أسواق النفط العالمية لا يمكن تجاهلها، فهي المعيار الحقيقي لأساسيات العرض والطلب. في الآونة الأخيرة انخفضت أسعار النفط إلى ما دون 45 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ توقيع الاتفاق في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016. إن حالة "الكونتانجو" ـــ Contango، بمعنى أن الأسعار المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية، تزداد حدة. كما أن إنتاج النفط الصخري الأمريكي يعود بوتيرة أسرع من أي وقت مضى، وكذلك الحال في معروض الدول غير المُلزمة باتفاق خفض الإنتاج. تعمل اتفاقية منظمة أوبك وحلفائها من خارج المنظمة بشكل فعال ضمن شروطها الخاصة. حيث إن الامتثال ــــ على طول الخط من جانب تخفيضات إنتاج "أوبك" ـــ لم يكن مشكلة، ما يعكس الجدية في تنفيذ الاتفاق التي يتخذها المشاركون الرئيسون في الصفقة، وفي مقدمتهم السعودية. لقد تمكن المنتجون بالفعل من خفض نحو 1.8 مليون برميل في اليوم، مقارنة بإنتاج خط الأساس في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، ما جعل إجمالي التزامات دول منظمة أوبك والدول غير الأعضاء أعلى من 100 في المائة، ولأول مرة منذ بدء سريان الاتفاق في كانون الثاني (يناير) من هذا العام. غير أن الامتثال أصبح غير ذي أهمية بصورة متزايدة لأن هناك كثيرا من العرض من خارج نطاق الاتفاق. النمو في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة يتسارع. في هذا الجانب، يتوقع تقرير إنتاجية الحفر لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أن يرتفع إنتاج النفط في مناطق النفط الصخري الرئيسة بمقدار 600 ألف برميل في اليوم عما كان عليه قبل عام من الآن. معظم هذا النمو سيأتي من الحوض البيرمي Permian Basin في غرب تكساس. ولكن إنتاج النفط الصخري لحقل إيجل فورد Eagle Ford في جنوب تكساس عاود نموه أيضا، من المتوقع أن يرتفع إنتاجه بأكثر من 150 ألف برميل في اليوم في تموز (يوليو) مقارنة بما كان عليه قبل عام من الآن. كما أن إنتاج دول منظمة أوبك غير المشمولين بالتخفيضات يزداد أيضا. حيث تخطط ليبيا لرفع إنتاجها بما يزيد على 150 ألف برميل في اليوم ليصل إلى مليون برميل في اليوم في نهاية هذا الشهر. والهدف الذي لم يتم التوصل إليه منذ عام 2013 هو أكثر قابلية للتحقيق الآن بعد حل الخلاف بين شركة النفط الوطنية الليبية وشركة وينترسهال Wintershall الألمانية. وفي هذا الشهر، بلغت صادرات النفط النيجيرية نحو 1.83 مليون برميل في اليوم، أي أكثر بنحو 150 ألف برميل في اليوم عما كانت عليه في أيار (مايو). وقد أدت عوامل العرض هذه إلى إبطاء عملية خفض المخزون النفطي العالمي. وكانت مخزونات النفط التجارية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد تجاوزت ثلاثة مليارات برميل في نهاية نيسان (أبريل)، وعلى الأرجح لم تتغير في أيار (مايو)، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. وهذا يضع مستوى المخزون التجاري عند 264 مليون برميل فوق متوسط السنوات الخمس ـــ الذي تستخدمه "أوبك" عادة كمعيار لنجاح اتفاق خفض الإنتاج ــــ في حال ثبت أن أرقام وكالة الطاقة الدولية لأيار (مايو) صحيحة. هذا سيحتاج إلى خفض المخزون بمعدل 900 ألف برميل في اليوم للتخلص من الفائض. ولكن هناك بوادر تظهر تباطؤا في خفض المخزون، وذلك بفضل انخفاض الطلب الصيني على الشحنات الفورية لحوض الأطلسي. كما لا يزال هناك نحو تسعة ملايين برميل في خزانات بحر الشمال العائمة، وتظهر التقارير أن هناك كميات أكبر من تلك موجودة في ناقلات النفط في شرق آسيا. في هذا الصدد، يشير عديد من المحللين إلى أنه لا يزال هناك طريق طويل حتى تعود أسواق النفط إلى حالتها الطبيعية ويتحقق التوازن. ومن المرجح أن تستغرق هذه الرحلة وقتا أطول من الأشهر التسعة الإضافية التي أضافتها "أوبك" والمنتجون غير الأعضاء إلى اتفاقهم في الشهر الماضي. حيث تشير تقديرات لإدارة معلومات الطاقة إلى أن المخزونات التجارية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستبقى عند مستويات 2989 مليون برميل في نهاية عام 2017، أي بزيادة 230 مليون برميل تقريبا عن متوسط نهاية العام للفترة 2012 ـــ 2016. وتتوقع الوكالة أيضا أن ترتفع مخزونات منظمة التعاون والتنمية إلى 3020 مليون برميل في نهاية عام 2018، أي ما يقرب من 260 مليون برميل فوق متوسط السنوات الخمس.
لكن أسعار النفط الطويلة الأجل قد تعطي منتجي النفط بعض الدعم، حيث يبدو أنها مستقرة في مواجهة أسواق النفط الآنية الضعيفة. حيث استقرت أسواق العقود الآجلة للخمس سنوات المقبلة لخام بحر الشمال برنت عند نحو 54 دولارا للبرميل، في حين أن الأسواق الآجلة نفسها لخام غرب تكساس الوسيط وصلت بقوة إلى ما فوق 51 دولارا للبرميل، وهذا يمثل زيادة ما بين سبعة وثمانية دولارات لكلا الخامين بين أسعار الشهر الفوري وأسعار العقود الآجلة لخمس سنوات. ولكن هذا كأنه انتظار قطار لفترة طويلة قد لا يأتي.
صحيفة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/06/28