استراتيجيات الخليج المشروخة بلا رأس مال وطني – وحدوي..
خالد فارس
ينطلق رأس المال العربي والخليجي, من كونه طبقة اقتصادية, وبلغة البعض كتلة اقتصادية. في كل الأحوال, في جوهره يبقى جُزْءاً من المجتمع, مهما كَبُرَ حَجْمَهُ. يتحرك رأس المال بِسَيْرورة الجزء, في محاولة لأن ينوب عن الكل. ولكن رأس المال هذا, عَجِزَ عن أن يكون في يوم, سَبباً أو جُزءاً من أي مشروع وحدة, أو أنه حال مجتمعية, وحدوية, كلية, لا تجزيئية.
تاريخيا ارتبط رأس المال العربي عموماً, و الخليجي خصوصاً, إما بالاستقطاب السياسي (على أساس لون ورائحة و “دين-مذهب” المُسْتَقْطَبْ), أو الاستثمار المالي المربح والخاسر, أو بلا هوية له, بالأحرى تغييب هويته الحقيقية, بِلُغَةٍ أخرى خلق حالة من التعمية حتى لا يَتَسَنى معرفة وِجْهَتَهُ, عندما يُدَبِّرُ أَمْراً في لَيْل.
جاء مجلس التعاون الخليجي لكي يُعَبر عن عُقَدْ التعاون والوِحْدة, التي تسكن الطبقات الرأسمالية الخليجية: “خليجنا واحد, ورأسمالنا غير واحد”!. خليجنا واحد ورأسمالنا استقطابي, يبحث عن حيز خاص به, وليس للخليج ككل.
لذلك تَشَكّلَ مجلس التعاون الخليجي على أسسٍ غير وحدوية, آل مجلساً لا وحدوياً, ليس للتعاون, بل في حقيقة الأمر, صار مجلس “اداروى-من ادارى”, همهم الأكبر تنسيق البيروقراطيات الرأسمالية, وحل معضلات متأصلة في الخليج, التي تتوالد من كَوْنْ كل رأس مال, يعتبر نفسه رأس مال الكل, أو هو المجتمع الخليجي, أو المجتمع عموماً.
كُلْ رأس مال في أي دول خليجية, لايقبل بأن يكون الجزء, فهو الكل بالكل, وهذا ما يجعله في تناقض مع جوهره. كما يسمى في الفلسفة, التناقض بين الجوهر والمظهر, الشرخ المادي الذي يَقْسِمْ ظهر أي إستراتيجية خليجية تجاه القضايا الخليجية-الخليجية, والعربية.
فإذا كان مجلس التعاون الخليجي يريد أن يكون تعبيراً عن إستراتيجية الوحدة والتعاون, عليه أن يتبنى إستراتيجية وحدة عناصر المجتمع الخليجي. وأول شرط, هو أن يضع رأس المال في خدمة المجتمع الخليجي, أي الجزء في خدمة الكل, وليس العكس. ولكن الدور الذي لعبه رأس المال الخليجي سواء في الخليج أو في الوطن العربي هو إخضاع كل شيء, إخضاع المجموع إلى الجزء, فآل في دوره تقسيميا وتجزيئياً.
أنتقل دواء رأس المال غلى الوطن العربي, فأصبح داءً لتعميق الاستقطابات والانشقاقات. تحول الوطن العربي إلى مشروع لإدارة الأجزاء المستقطبة. تارة من خلال مشاريع مالية اقتصادية لدعم فريق, وتارة تمويل مباشر, وتارة من خلال مشاريع ذات واجهات ثقافية إعلامية.
القضية الفلسطينية تم تحويلها إلى أجزاء, بل أصبح شروط رأس المال في أن تتحول القضية الفلسطينية برمتها إلى أجزاء أو هي بذاتها تصبح جزء, على أن يسعى هذا الجزء للهيمنة والسيطرة على القضية الفلسطينية. في سوريا ولبنان وليبيا واليمن وغيرها, تم إنتاج حروب أهلية, جذرها معادلات الأجزاء الرأسمالية, أو رأسمالية أجزاء المجتمع, بلا رحمة.
في كافة قضايا المنطقة يمارس رأس المال استراتيجيا انتقاء الجزء (الاصطفاء العنصري), المرغوب به, ثم تعميقه وبلورته لكي يصبح البديل عن المجتمع-الكل, أو هو المجتمع بعد أن يتم اختزال الآخر. لقد فقد المجتمع العربي كينونته الكلية, وتحول إلى عناصر مفككة, تتمكن برأس المال. في رأينا من هنا يتأسس الاستبداد والديكتاتورية.
فَشِل مشروع الانقسام الذي أداره رأس المال الخليجي. فلم يعد من الممكن أحداث مزيداً من التجزئة في المجتمع العربي. لم يبقى رصيد تجزئة في رأس المال.
يشير بيان الأطراف الأربعة التي تقف ضد قطر (مصر, السعودية, البحرين, الإمارات) إلى النقاط التالية: التطرف والإرهاب, التحريض والحض على الكراهية, اتفاق الرياض والالتزام به بالكامل في إطار مجلس التعاون, الالتزام بكافة مخرجات القمة العربية الأمريكية التي عقدت في الرياض في مايو 2017 الرياض, عدم التدخل في شؤون الدول.
التطرف والإرهاب: هل يوجد إرهاب بدون رأس مال ضخم يُوَظّفْ لتدعيم فرق مذهبية عابرة للمجتمع-تتغول عليه. التحريض والحض على الكراهية: هل يوجد إعلام لديه القدرة على التحريض بدون رأسمال. اتفاق الرياض: مجلس التعاون الخليجي ينطلق كما ذكرنا من وصاية الجزء على الكل وفى هذه الحالة وصاية السعودية على الخليج. القمة العربية الأمريكية: إعادة توزيع وهيكلة رأس المال الخليجي.
لم يرغب أو لم يدرك صانع الإستراتيجيا في الخليج, أن الوطن العربي, بالأحرى مشروع النهضة العربي, بحاجة إلى رأس مال وطني, يصنع وحدة مجتمع وليس فُرْقَتِهِ, ولا ينخرط في تعميق استقطابات الأجزاء (حرب الجزء على الجزء). العرب بحاجة إلى إستراتيجية استقطاب مشاريع وحدوية, تجمع بين الفرقاء, تصنع لهم قاعدة مادية, تُمَكّنْ توحيد الجهود.
هكذا إستراتيجية غائبة, بل من المحرمات, يُوَظّفَ ْالدين أحيانا و الأفكار الليبرالية والعَلْمانية في تعميق التجزئة. من المؤسف أن نشاهد كبار المثقفين يقدمون النصح والإرشاد لأنظمة الخليج بدعم فريق على حساب فريق. عجباً لهؤلاء الذين يتحدثون عن الوحدة, ويصنعون قاعدة مادية للتجزئة.
(على الأقل), لماذا لايكون هناك صندوق رأسمال وطني وحدوي, يدعم وحدة المجتمع العربي (تمكين وحدة أجزاء النهضة العربية), دعم مشاريع لإنشاء قاعدة مادية اقتصادية مُنْتِجَة (غير مشروطة سياسياً), بغض النظر عن لون ودين ورائحة الجزء؟
ألم يحن الوقت لانعطافة إستراتيجية, تضعنا أمام إستراتيجية وحدوية؟ أم أنها أمل إبليس بالجنة؟
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/07