أن يَهتف مُشيّعو “شهيد السّفارة” بـ”الموت لإسرائيل”.. المُصاب كبير.. لماذا خَرج نتنياهو الفائز الأكبر من الجريمة؟
عبد الباري عطوان
سواء جاء القرار الإسرائيلي بإزالة البوابّات الإلكترونية من مداخل المسجد الأقصى في إطار صفقة مع الأردن عجّلت بها جريمة اغتيال الشهيدين الأردنيين محمد الجواودة (16 عامًا)، وبشار الحمارنة، من قبل حارس الأمن في السفارة الإسرائيلية بعمّان، أو رُضوخًا إسرائيليًا مُهينًا لمطالب المُرابطين المُنتفضين، ودماء شهدائهم، فإن الكاسب الأكبر هو بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لأن هذه الجريمة وفّرت له المخرج للخُروج من أزمته، وأنقذت ماء وجهه.
الأردن كحُكومة، كانت الخاسر الأكبر في هذه الأزمة، لأن طريقة إدارتها لها كانت مُرتبكة، وتتّسم بالعَجز، وتفتقر إلى الحَزم، والارتقاء إلى مَستوى الغضب الجماهيري، والمشاعر الوطنية المُشرّفة التي تُسيطر على الشّارع الأردني تضامنًا مع الأقصى الجريح، وتعاطفًا مع شُهدائه وجَرحاه، وبُطولات المُرابطين المُدافعين عنه.
السيّد أيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني قال خلال مؤتمر صحافي عقده اليوم بمُشاركة الدكتور محمد المومني، وزير الإعلام، أن “لا صفقات ولا مُفاوضات فيما يتعلّق بالحادث المُؤسف والمُوجع، لكن هناك إجراءات تم اتخاذها لضمان تحقيق العدالة”، وقال “الحُكومة تمسّكت بعدم مُغادرة الدبلوماسي الذي ارتكب الجُرم إلا بعد سماع إفادته”، ومع احترامنا لهذا الكلام وصاحبه، فإنه لن يُشفي غليل غالبية الأردنيين الذين شعروا بالإهانة من جرّاء هذا الاستفزاز الإسرائيلي الصّادم.
***
الحُكومة الأردنية تقول أنّها بهذا السلوك التزمت بنُصوص مُعاهدة فيينا الدوليّة التي تحكم العمل الدبلوماسي، ولكن اللّافت أن جميع مُوظّفي السّفارة الإسرائيليّة غادروا بعد ساعات من وُقوع الجريمة، دون عوائق، بما في ذلك الحارس المُجرم الذي ارتكب جريمة قتل في حق مُواطنين أردنيين وبدمٍ بارد، ولا نَعرف كيف تم هذا “الهُروب” تحت جُنح الليل، وهل بعلم الحُكومة والتنسيق معها؟
نسأل: لماذا سَمحت الحُكومة الأردنية لهذا القاتل وزملائه المُجرمين بمُغادرة السفارة، في الوقت الذي كان يُهدّد وزير الداخلية السيّد غالب القاضي الذي استقبل أهالي الشهيد الجواودة بأن دَمه في رقبته، وتعهّد بتطبيق العدالة على القاتل، وربّما دون أن يَعرف، أن القَتلة غادروا الأردن، وحظوا باستقبال الأبطال من قبل رئيس الوزراء نتنياهو، في إمعان لافتٍ في إهانة الأردن، حُكومةً وشعبًا.
الشّعب الأردني قدّم آلاف الشهداء انتصارًا لتحرير فلسطين ومُقدّساتها، ولن يتردّد لحظةً في تقديم المزيد، والشعب الفِلسطيني والأمّة العربية بأسرها، لا يُمكن أن ينسى معركة الكرامة التي خاضها الجيش الأردني بقيادة الجنرال مشهور حديثة الجازي، وكانت ضوءًا مُبهرًا في نفق هزيمة حزيران عام 1967، وأعادت الأمل بالنّصر على هذا العدو الغاشم، ولكن هذه الجريمة، وفي قلب عمّان، وعلى يد حارس إسرائيلي إرهابي، تُلقي بظِلال سوداء على هذه المواقف البطوليّة.
عندما يَخرج آلاف الأردنيين المُشاركين في جنازة “شهيد السفارة” الجواودة، ويَهتفون “الموت لإسرائيل”، ويُطالبون بإغلاق السفارة الإسرائيليّة وإلغاء مُعاهدة وادي عربة، ويَجدون المُساندة والدّعم من أكثرية أعضاء البرلمان الأردني ورئيسه، فإن هذا يُؤكّد أن جُذور الوطنية والكرامة الأردنيّة تزداد تجذّرًا ووهجًا، في التّربة الأردنية الخَصبة المِعطاءة، مَنبت الشّهداء والبررة.
قاتل الشهيدين ما كان يجب أن “يتسلّل هاربًا” بهذه الطريقة، وبهذه السرعة، ودون أن يَمْثل أمام المَحاكم كمُجرم، ودون أن تدفع حُكومته ثمنًا باهظًا تعويضًا عن جريمته هذه، ولماذا لم يتم احتجازه داخل سفارته لعدّة أيّام إذا لم يكن للتحقيق معه، فتحت ذريعة أخرى، مثل “حمايته” من غضب الأردنيين؟ هُناك طُرق عدّة لإطالة مُعاناة هؤلاء، وخَوفهم وحَرجهم، إذا كانت هُناك رغبة بذلك.
***
حتى لو صحّت الروايّة الإسرائيليّة التي تَزعم أن الشاب الشهيد هدّد الحارس المُجرم بطعنه بمفك كان يحمله، وهي رواية مَشكوكٌ فيها، فإن إقدامه على إطلاق النّار جاء بهدف القتل، وليس الدّفاع عن النفس، لأنه يَحتقر العرب ويتعاطى معهم بغطرسة، ويعرف جيّدًا أنه لن يُمس، تمامًا مثل كل أقرانه الذين يرتكبون المجازر ضد العرب الفِلسطينيين في الأرض المُحتلّة.
نعم صَدق المُشيّعون، وصدقت حناجرهم القويّة، عندما قالوا في هتافاتهم “عالقدس رايحين.. شُهداء بالملايين”، فهذا اليوم، يوم الزّحف، سيأتي حتمًا، وستسرّع بقُدومه هذه الأعمال الإسرائيليّة الاستفزازيّة والمُهينة للأردن وشعبه وحُكومته.
السيّادة الأردنية أُهينت وسيأتي الرّد على هذه الإهانة بكل الطّرق والوسائل المَشروعة، بما يَحفظ الكرامة الوطنية الأردنية، ونحن على ثقةٍ بأن هذا الرّد قادمٌ ولن يتأخر.. والأيام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/07/26