الاستقبال الحافل لمُقتدى الصّدر هل يُشكّل انقلابًا في السياسة السعودية الطائفيّة المُعادية للشّيعة..؟
عبد الباري عطوان
فاجأت الزيارة التي يقوم بها حاليا السيد مقتدى الصدر للمملكة العربية السعودية الكثيرين في منطقة الشرق الأوسط، والعراق والسعودية إيران تحديدا، بسبب توقيتها أولا، وانعكاساتها المتوقعة، سلبا أو إيجابا، على العلاقات السعودية الإيرانية التي تمر حاليا بحالة من التوتر غير مسبوقة.
أهمية هذه الزيارة تأتي من كونها جاءت بدعوة من الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، وفي إطار توجه انفتاحي من المملكة على القوى السياسية والدينية الشيعية العراقية، بهدف تقليص النفوذ الإيراني في العراق، وتحقيق التوازن معه على الأقل.
كتلة السيد الصدر في البرلمان العراقي تحظى بحوالي 34 مقعدا، وتملك فصيلا مسلحا تحت اسم “سرايا السلام” يضم أكثر من 60 ألف مسلح، وكان يشكل فصيلا أساسيا في الحشد الشعبي العراقي الذي خاض معركة الموصل، إلى جانب قوات مكافحة الإرهاب العراقية في الجيش الرسمي، وقوبل بحملات سعودية إعلامية رسمية، وشبه رسمية، تركز على ما ارتكبه من تجاوزات في حق أبناء السنة في العراق، ومن منطلقات طائفية محضة.
*
السعودية استقبلت قبل أيام السيد قاسم الأعرجي، وزير الداخلية العراقي، وقبله السيد حيدر العبادي، رئيس الوزراء، ومن المتوقع أن يزورها في الأيام المقبلة السيد إياد علاوي، رئيس الوزراء الأسبق، وسياسيون عراقيون آخرون في إطار انفتاحها الجديد على العراق ونخبته السياسية.
القاسم المشترك بين زوار المملكة هؤلاء، وربما باستثناء السيد الأعرجي، أنهم ليسوا على وفاق كامل مع إيران، ويعارضون “هيمنتها” على العراق، الأمر الذي يجعلهم هدفا للتوجه السعودي الذي يريد إبعاد بغداد عن طهران بقدر الإمكان، وإعادتها إلى الحاضنة العربية، وبعد أن تخلصت من تهديد “الدولة الإسلامية” أو “داعش”، واستعادة عاصمتها العراقية في الموصل.
زيارة السيد الصدر للمملكة السعودية، والحفاوة اللافتة التي حظي بها، عرضته لحملة انتقادات شرسة من قبل مسؤولين وسياسيين عراقيين، وكذلك من قبل بعض الكتاب في الصحف الإيرانية، وجرى الحديث بكثافة عن تزامنها مع حملات القمع التي تشنها السلطات السعودية ضد أبناء الطائفة الشيعية في المنطقة الشرقية (الأحساء)، وإعدام العديد منهم، ومقتل خمسة برصاص قوات الأمن في العوامية، في منطقة القطيف قبل بضعة أيام.
المؤيدون لزيارة السيد الصدر يقولون بأنه يعارض تدخل السعودية في الشأن الداخلي العراقي، ويرفض في الوقت نفسه الوصاية الإيرانية على العراق، ويمكن بالتالي أن يكون وسيطا ملائما للتوسط في الأزمة السعودية الإيرانية المتفاقمة بين الطرفين، ومحاولة بناء جسور تقارب بين البلدين، وربما يقوم بدور الوساطة نفسه بين السلطات السعودية وقادة المعارضة الشيعية في القطيف، بينما يرى المعارضون في إيران والعراق أن هذه الزيارة ربما تؤدي إلى توسيع دائرة الانقسامات وحالة الاستقطاب المتفاقمة في العراق، مما يعرقل عملية تعافيه ووحدته الوطنية في مرحلة إعادة البناء المادي والبشري والسياسي المقبلة.
الأمير محمد بن سلمان يعزف على الوتر العربي القومي في العراق، في مواجهة التركيز الإيراني على الهوية الشيعية الطائفية، ويحاول كل طرف تجنيد أو جذب من يتوافقون مع طرحه إلى معسكره، وهذا توجه سعودي جديد مفاجئ، وربما يتناغم مع طروحات بدأ يطرحها السيد يوسف العتيبة، سفير الأمارات في واشنطن، الذي يتحدث عن توجهات علمانية للدول الأربع المقاطعة لقطر.
المعضلة الرئيسية التي تواجه الأمير محمد بن سلمان في محاولة “انتزاع″ العراق من دائرة النفوذ الإيراني، على حد وصف المقربين منه، أن خطابه السياسي في هذا الإطار كان طائفيا معاديا للشيعة، كمذهب سواء في العراق أو اليمن أو إيران أو سورية، ولهذا فأن فرص النجاح ليست كبيرة، وأن كانت ليست مستحيلة، فالطائفية والدولة المدنية العابرة للطوائف، مثل الزيت والماء لا يمكن خلطهما.
معظم الإعلام السعودي، وغالبية الدعاة البارزين في المملكة ظلوا لسنوات عديدة يكفرون أبناء الطائفة الشيعية ويشطنونهم، باعتبارهم أعداء السنة، ويصفونهم بالمرتدين، والرافضة، وعبدة النار، وأبناء المتعة، والآن تفرش حكومتهم السجاد الأحمر لرموزهم في العراق، الأمر الذي يعكس تناقضا كبيرا وقصور نظر سياسي موغل في السذاجة والطائفية، فالانتقال من السياسات الطائفية إلى تلك التسامحية بين المذاهب والأديان والأعراق ليست مسألة مزاجية تتحقق “بدعسة زر”.
الآن مطلوب من المواطنين السعوديين والخليجيين أيضا، أن يسقطوا كل هذه التهم والتوصيفات عن القادة الشيعة العراقيين، ويتقبلونهم كحلفاء وأشقاء وإخوة في العقيدة، ويمكن التعايش معهم بسلام، ووقف كل حروب المملكة المشتعلة في سورية والعراق واليمن التي خاضتها من منطلقات طائفية، واستثمرت فيها مليارات الدولارات، والبدء في حوارات سياسية وفكرية معمقة للوصول إلى حلول وتسويات تقود إلى مرحلة جديدة من الوفاق والتعايش، أو الحد الأدنى منهما على الأقل.
*
ربما يجادل البعض بأن القادة في السعودية ينطلقون من منطلقات حقيقية التي تحتم تغيير السياسات والحلفاء، ولكن الذكاء السياسي يتطلب إستراتيجية ثابتة بعيدة المدى، ولا ترتكز على المزاجية وردود الأفعال النزقة والانفعالية، والرغبة في الثأر والانتقام.
نحن كنا دائما مع التعايش بين الطوائف والأعراق على أسس المساواة والاحترام المتبادل، وعارضنا الطائفية بكل أنواعها، وطالنا الكثير، ومن السعودية خاصة، بسبب هذه المواقف، وها هي المملكة تصحح مسيرتها، أو هكذا نأمل، وتفتح أبوابها على مصراعيها أمام الأشقاء من قيادات الطائفة الشيعية الكريمة في العراق، وإصلاح مواقفها وسياساتها الطائفية ابتداء من العراق، ونتطلع أن تتوسع دائرة الاتصالات هذه، وتفتح الحوار نفسه مع خصومها في اليمن والعراق وإيران وسورية، وبما يؤدي إلى حقن الدماء، وإنهاء الحروب الدموية التي تخوضها المملكة مباشرة، مثلما هو الحال في اليمن، أو بالنيابة، مثلما هو الحال في سورية.
المنطقة العربية تقف على حافة الإفلاس والانهيار، إذا لم تكن انهارت فعلا، بسبب مخططات التفتيت والتقسيم والحروب الطائفية التي بذرت بذورها المميتة والمسمومة التدخلات العسكرية الأمريكية في المنطقة طوال الخمسين عاما الماضية، بشكل مباشر أو غير مباشر.
السعودية جربت “عاصفة الحزم” في اليمن وشنت حربا في سورية، ودعمت ثالثة في ليبيا، وأيدت غزو العراق واحتلاله، وجاءت النتائج كارثية عليها والمنطقة، وحان الوقت لتجرب الحوار والتعايش، والتحلي بأكبر قدر من الحكمة والتعقل، ولعل هذا الانفتاح على العراق هو البداية.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/08/01