ماذا بعد “تحرير” الرمادي؟ ولماذا هدد البغدادي إسرائيل فجأة؟
عبد الباري عطوان
اقتحام وحدات من الجيش العراقي مدعومة من الحشد العشائري، وبغطاء جوي أمريكي، مدينة الرمادي، ورفع العلم العراقي فوق المجمع الحكومي في وسطها، يشكل نكسة كبيرة لـ”الدولة الإسلامية”، وانتصارا أكبر لحكومة السيد حيدر العبادي، هي في حاجة ماسة إليه في وصل المعارضة القوية التي تواجهها حاليا من خصوم من مختلف المذاهب والأعراف (الأكراد).
من الواضح أن هناك اتفاقا بين القوتين العظميين، أمريكا وروسيا، إلى جانب حوالي مئة دولة من الشرق والغرب والشمال والجنوب، على تصفية هذه “الدولة” مع نهاية العام الميلادي الجديد، وقصقصة معظم أجنحتها في العراق وسورية، كمقدمة للقضاء عليها نهائيا، وبدأ تنفيذ هذا الاتفاق في تعزيز الجيش العراقي بالتدريب والتسليح، وتقوية شوكة قوات “البشمرغة” الكردية، مما أدى إلى استعادة جبل سنجار وتكريت وبيجي، وتجفيف منابع الدعم المالي من خلال قصف الشاحنات، وآبار النفط الواقعة تحت سيطرة “الدولة الإسلامية”.
وإذا صحت الإنباء التي تحدثت عن اعتقال أبو عمر الشيشاني القائد العسكري لقوات “الدولة الإسلامية” مع عشرين آخرين من المسؤولين البارزين فيها، أثناء عملية إنزال أمريكي كردي جنوبي كركوك، ومقتل ألف مقاتل في معركة استعادة الرمادي، فأن الهزيمة تبدو باهظة جدا، ولكن من المؤكد أيضا، وفي الوقت نفسه أن عملية التحرير كانت كذلك أيضا، مع أننا لم نسمع حتى الآن، حجم الخسائر في صفوف القوات العراقية، والحشد العشائري المشاركة فيها.
***
الجيش العراقي الذي خاض هذه المعركة سيستعيد الثقة بنفسه، وقدراته، بعد هزيمته أمام بضعة مئات من “الجهاديين” في الموصل والرمادي، وفراره بالآلاف من أمامهم، وتسليم المدينتين دون قتال حقيقي، الأمر الذي عرضه للكثير من الانتقادات، داخل العراق وخارجه، ودفع اشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي إلى “غسل يديه” من هذا الجيش، والقول بأنه لا يملك إرادة القتال.
لا نعرف حجم مساهمة القوات الأمريكية في تحرير مدينة الرمادي من قوات “الدولة الإسلامية”، أو الدور الذي لعبه “المستشارون” الأمريكيون في هذا المضمار، فهناك أكثر من خمسة آلاف من هؤلاء في العراق حاليا، واعترف الرئيس الأمريكي باراك اوباما بإرسال قوات خاصة إلى العراق قبل شهر، والطائرات الحربية الأمريكية هي التي وفرت الغطاء الجوي، فما المانع من وجود قوات تقاتل أو تدير المعارك على الأرض.
التسجيل النادر الذي وجهه السيد أبو بكر البغدادي إلى إسرائيل وتوعدها بهجمات، وقال فيه “ما نسينا إسرائيل لحظة، وبإذن الله لن ننساها.. وقريبا قريبا بإذن الله تسمعون دبيب المجاهدين تحاصركم.. طلائعهم في يوم ترونه بعيدا ونراه قريبا.. وسيكون حسابكم عسيرا”، هذا التسجيل يكشف استشعار زعيم “الدولة الإسلامية” بالخطر وضيق الخناق عليه وعلى قواته.
فهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها السيد البغدادي عن إسرائيل، وتوعدها بحساب عسير، وتجاهله للقضية الفلسطينية طول الأعوام الثلاثة الماضية، وتبرير ذلك بإنشغاله “بالعدو القريب”، وتأجيل مرحلة مواجهة “العدو البعيد” عرضه ودولته للعديد من الاتهامات بموالاة الإسرائيليين والأمريكان من قبل الكثير من الأنظمة وجيوشها الالكترونية المنتشرة بكثرة على وسائط التواصل الاجتماعي، والسعودية منها بالذات.
السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الكثيرين بعد هذا الانتصار الكبير للقوات العراقية في استعادة مدينة الرمادي التي تشكل مفتاح العاصمة بغداد، عما إذا كان بداية النهاية لـ”الدولة الإسلامية” وبدء العد التنازلي لأفول نجمها، وربما زوالها؟
من السابق لأوانه الإغراق في التفاؤل، وان كان من حق المنتصرين أن يرقصوا طربا ونشوة في المجمع الحكومي في الموصل، فهذا الانتصار ربما يتبخر بسرعة إذا ما عم الغرور أصحابه، وأعماهم عن رؤية الأسباب الحقيقية لنمو “الدولة الإسلامية” وإيجاد الحاضنة الشعبية لها، وهي ممارسة سياسة التهميش والإقصاء الطائفي، ولعل منع مشاركة ميليشيات شيعية في عملية تحرير الرمادي، احد المحاولات للاعتراف بهذا الخطأ والعمل على تجنبه، وعدم تكرار التجاوزات التي حصلت في تكريت في مناطق أخرى في محافظة صلاح الدين.
انسحاب مقاتلي “الدولة الإسلامية” وتمترسهم في مدينة الموصل، باعتبارها آخر، واهم معاقلهم في العراق، سيجعل من معركة استعادة السيطرة على المدينة، أو “تحريرها”، “أم المعارك”، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ويبدو أن المسألة باتت مسألة أيام معدودة، لكنها لن تكون معركة سهلة، وقد لا تنتهي بالسرعة نفسها التي انتهت بها معركة الرمادي.
السؤال الآخر المهم هو عن “الخطة B” التي توجد في جعبة التحالف الروسي الأمريكي التي ستطبق في حال الانتصار المفترض على “الدولة الإسلامية”، وما هي البدائل لها، وللحاضنة التي تمثلها وتستمد قوتها منها، والسؤال نفسه يمكن أن يتم طرحه بالنسبة إلى “الدولة الإسلامية” نفسها، وعن خططها البديلة، وإذا كانت تملكها، في حال تشديد الخناق عليها والقضاء عليها بالتالي؟
لا نعتقد، ومن خلال متابعتنا لما حدث في ليبيا والعراق واليمن، وأن التحالف الأمريكي يملك أي خطط بديلة لمرحلة ما بعد الاحتلال والدمار والقتل، وتغيير الأنظمة، والشيء نفسه ينطبق على الدول أو الحكومات الدائرة في فلكه.
بدائل “الدولة الإسلامية” معروفة وهي مواصلة أعمال العنف والإرهاب، والعمل تحت الأرض، وتوسيع دائرة الهجمات، والتحول إلى الإعمال والهجمات والتفجيرات الثأرية الانتقامية، وهزيمتها في الرمادي والرقة والموصل في حال حدوثها، وهو أمر قد يحتاج إلى سنوات، قد لا تعني اختفاءها كليا، إذا استمرت الأسباب التي أدت إلى صعودها.
***
صحافي ياباني زارني في لندن لإجراء لقاء معي حول كتابي الجديد Islamic State The Digital caliphate، قال لي لماذا تتعمد أمريكا الإقصاء والتهميش مع العرب والمسلمين، خاصة بعد احتلالها لأرضهم، وتغييرها لأنظمتهم؟ واستطرد قائلا: “أمريكا بعد احتلالها اليابان بعد الحرب العالمية الثانية أعادت بناء اليابان، وأغرقت قوات الجيش الياباني المحلول بالمكافآت المالية والرواتب والتقاعد المريح؟ فلماذا لم تفعل ذلك مع العراقيين، وجنود الجيش العراقي الذي احتلته؟”.
أجبته بالقول لأنها تكره العرب والمسلمين وتعتبرهم خطرا عليها، الم يقل الرئيس السابق جورج بوش الابن أنه يشن حربا صليبية على العرب والمسلمين أثناء إرسال قواته لاحتلال العراق؟
دونالد ترامب المرشح الرئاسي الجمهوري للرئاسة عبّر بصوت مرتفع وصريح عن هذه السياسة عندما طالب بمنع المسلمين من دخول أمريكا، وتقدمه الكبير في استطلاعات الرأي على اقرب منافسيه، خير دليل على ذلك.. وما خفي كان، وسيكون أعظم.
رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2015/12/30