زيارة خاطفة وحاسمة لأمير الكويت للرياض لإنقاذ القمة الخليجية المقبلة وبذل محاولة أخيرة لحل الأزمة
عبد الباري عطوان
الزيارة الخاطفة التي تردد أن الشيخ صباح الأحمد، أمير دولة الكويت يقوم بها، إلى الرياض “الاثنين” للالتقاء بالعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، قد تحدد مصير مجلس التعاون الخليجي، واستمراره كمنظمة إقليمية، أو تقسيمه، ولو مؤقتا، إلى كتلتين أو أكثر.
من الطبيعي أن تتصدر الأزمة الخليجية المباحثات بين الجانبين، وكيفية التوصل إلى حلول مقبولة لها، ترضي طرفيها، ولكن في ظل حملات التصعيد الإعلامي التي تجاوزت كل الخطوط الحمر، وخاضت في المحرمات، يبدو أن هذه الحلول ستكون صعبة جدا أن لم تكن مستحيلة.
الشيخ صباح الأحمد المعروف بحكمته ودبلوماسيته، ونفسه الطويل، يريد أن يستطلع وجهة النظر السعودية حول الموقف من القمة الخليجية المقبلة التي من المفترض أن تنعقد في الكويت في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، قبل أن تبادر حكومته في توجيه الدعوات للزعماء الخليجيين، وما إذا كان قادة الدول المقاطعة “بكسر الطاء) لدولة قطر سيشاركون فيها في ظل وجود أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
التسريبات المتعمدة التي جرى نشرها في بعض الصحف الخليجية، ووسائل التواصل الاجتماعي، تقول أن الدول الثلاث، أي السعودية والإمارات والبحرين، قد ترفض المشاركة في القمة، في حال وجود الشيخ تميم فيها، والشيء نفسه يقال عن اجتماع وزراء الخارجية الذي سيقوم بالتحضير لانعقادها، ووضع جدول أعمالها، وبيانها الختامي، مثلما جرت العادة، وتتحدث عن احتمال أن تطالب السعودية وحلفاؤها بإعطاء كرسي قطر للشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، الذي تعتبره الأمير “الشرعي”.
وما يرجح هذه التسريبات تصويت الدول الأربع المقاطعة لدولة قطر لصالح المرشحة الفرنسية في انتخابات رئاسة اليونسكو، وبذل بعضها جهودا جبارة لإفشال المرشح القطري الدكتور حمد الكواري، وزير الثقافة السابق، وتنظيم مؤتمرات للمعارضة القطرية في لندن وتوظيف شركات علاقات عامة كبرى في هذا الإطار.
*
الهوة واسعة جدا بين مواقف الدول الأربع والموقف القطري تجاه الأزمة، ولم تطرأ أي ليونه تشير لاستعدادها لتقديم أي تنازلات، فالمعسكر السعودي الإماراتي المصري الخليجي يصر على تنفيذ قطر الحرفي للمطالب الثلاثة عشر كاملة، بينما تتمسك قطر برفض أي مطلب يتعارض مع سيادتها، ويقول مسؤولون فيها أنهم امتصوا أزمة الحصار وتغلبوا على كل آثاره الجانبية.
لا نعرف ما هي المقترحات التي يحملها الشيخ صباح الأحمد أثناء زيارته الخاطفة هذه للرياض، ولكن من غير المستبعد أن يكون من بينها تأجيل انعقاد القمة الخليجية المقبلة في حال تعذر الوصول إلى حلول مقبولة، ومحاولة إعلان هدنة إعلامية وسياسية لبعض الوقت لتهدئة الأجواء، وإعطاء فرصة لجهود المصالحة.
مسارعة السعودية والإمارات بتأييد الإستراتيجية الامريكية الجديدة تجاه إيران، التي كان أبرز عناوينها وضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب بشكل تدريجي، وتكليف وزارة الخزانة بفرض عقوبات على بعض قياداته، وعدم تصديق الرئيس دونالد ترامب على الاتفاق النووي، هذه المسارعة ربما تعكس رغبة البلدين في تصليب موقفهما الرافض للمصالحة مع قطر التي تقيم علاقة تحالفية قوية مع طهران، وكسب الرئيس الأمريكي إلى جانب تحركاتها السياسية، وربما العسكرية في الأزمة.
الأسابيع الستة المقبلة ربما تكون آخر فرصة لإيجاد حلول للأزمة، وبدء أمير دولة قطر اليوم جولة أسيوية تشمل ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة يوحي بأنه لا يوجد تنسيق مباشر بين الوسيط الكويتي والجانب القطري، وينفي احتمالات قيامه بجولات مكوكية بين العواصم الخليجية المعنية في الأسبوعين المقبلين على الأقل.
المعسكر الذي تقوده المملكة العربية السعودية في هذه الأزمة، اتخذ خطوات جدية في إطار مخططات لتغيير النظام في قطر، أبرزها تحضير الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني “كأمير ظل”، وتبني بعض شيوخ القبائل القطرية (قبيلة الغفران) ودعم انشقاقها واستقطاب أفراد من الأسرة القطرية الحاكمة مثل الشيخ سلطان بن سحيم، وعقد مؤتمر في لندن ضم شخصيات وصفت بأنها تمثل المعارضة القطرية، كما جرى ترتيب مؤتمر آخر في جنيف لبحث مسألة حقوق الإنسان في دولة قطر، وقفت خلف تنظيمه كل من السعودية ودولة الإمارات، وحظي بتغطية واسعة في أجهزة الإعلام التابعة لهما.
أبرز النجاحات التي حققتها الوساطة الكويتية تمثلت في منع تدخل عسكري لتغيير النظام في دولة قطر، مثلما كشف الشيخ الأحمد الصباح في مؤتمره الصحافي الذي عقده في واشنطن على هامش زيارته الرسمية في أوائل أيلول (سبتمبر) الماضي، ولكن من الصعب الجزم بأن هذا الحظر لم يعد قائما في ظل الأنباء التي تؤكد أن عدد القوات التركية في قاعدة العيديد التركية القريبة من القاعدة الأمريكية قد ارتفع إلى أكثر من ثلاثين ألفا، وتأكيدات مسؤولين قطريين بأنهم لن يتسامحوا مع أي قلاقل داخلية تقف خلفها الدول المقاطعة، وسيتع
املون معها في إطار القبضة الحديدية، وغموض الموقف الأمريكي تجاه الأزمة منذ فشل مبادرة الرئيس ترامب في ترتيب اتصال هاتفي بين أمير قطر وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل ثلاثة أسابيع، وهي المبادرة التي ينطبق عليها المثل “جاء يكحلها عماها”.
*
ربما يكون من الصعب علينا، أو غيرنا، استشراف ما يحمله المستقبل من مفاجآت على صعيد هذه الأزمة، ولكن من متابعة الحرب الشرسة بين أطرافها، وخاصة محاولات نزع تنظيم نهائيات كأس العالم من دولة قطر، وكذلك امتياز تغطية حصرية لها حصلت عليها قنوات “بي ان” القطرية الرياضية، ورد دولة قطر بتوثيق تحالفاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية مع كل من تركيا وإيران، يمكن القول بأن الصورة ليست وردية على الإطلاق، والأزمة الخليجية مفتوحة على كل الاحتمالات، وأقلها خطرا تأجيل القمة الخليجية المقبلة ومسابقة كأس الخليج الكروية التي ويا للمفارقة، ستستضيفها الدوحة هذا الموسم.. والله أعلم.
أضيف بتاريخ :2017/10/16