إيران دولة متوسطية وقوة إقليمية عظمى بشهادة الأطلسي...!
محمد صادق الحسيني
قائد القوات البحرية في الجيش الإيراني الأدميرال حبيب الله سياري في إيطاليا في أول زيارة من نوعها منذ عام 1979.
إنها الزيارة الحاملة كلّ دلالات التحوّل الجيواستراتيجي الذي يتفاعل بشكل متسارع مع إنجازات محور المقاومة في بلاد الشام…
إنها الخطوة التي تؤشر بحصول تحوّل نوعي جيوبوليتيكي لموقع إيران على الخريطة الدولية، لأنها ترسم حضور إيران النوعي واللافت في حوض البحر المتوسط، رغم كونها دولة ليست مشاطئة لهذا البحر الاستراتيجي العالي المستوى. وهذا له دلالة مهمة جداً لأنه يعني في ما يعني أنّ الدول الكبرى باتت تعتبر إيران دولة مركزية في موضوع أمن البحر المتوسط، كما في «الشرق الأوسط» المتكئ على أكتاف أوروبا.
أيّ أنّ هذا يعتبر توجهاً إلى اعتبار إيران من الآن فصاعداً عنصراً فاعلاً في أمن أوروبا أيضاً. وهو ما يمكن اعتباره صفعة لتوجهات ترامب غير المدروسة والبعيدة عن المنطق في ما سمّاه بإستراتيجيته الجديدة تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية..!
هذا الحدث جعلني استحضر كلاماً هاماً للمرحوم محمد حسنين هيكل، عندما قال لي قبل أشهر من وفاته في آخر زيارة له لبيروت:
«لا تتراجعوا عن دعم الأسد أياً كانت التحوّلات والظروف وتمسّكوا بدعمه بالنواجذ، إلى جانب إبقاء تحالفكم مع حزب الله متيناً، لأنكم «الإيرانيون» بما تمثلون من مشروع عالمي متفرّد ومميّز أصبحتم تغسلون أقدامكم في شواطئ المتوسط، ومثل هذا لم يحصل منذ زمن بعيد، وهو ما يشكل تحوّلاً نوعياً في غاية الأهمية لم يحصل منذ قرون..!».
لكن المهم برأيي هو عندما ندرك أهمية وخصوصية دعوة الجنرال الإيراني الكبير لندوة دولية تعقد في قلب منظومة الأطلسي في هذه اللحظة التاريخية بالذات، والتي سيكون من محاورها الأساسية التعاون مع إيران كقوة عالمية فاعلة، ولإدراك أهمية مثل هذا الحدث تعالوا لنطلع سوية على الموضوعات التي ستناقشها الندوة وظروف الدعوة الإيطالية للجنرال سياري:
أولاً: تاريخ الندوة
تأسّست هذه الندوة بموجب قرار اتخذته الندوة الدولية للقوى البحرية الدولية The International Seapower Symposium في دورتها المنعقدة في مدينة نيوبورت New Port في الولايات المتحدة سنة 1995.
وقد تمّ بموجب ذلك القرار تكليف البحرية الإيطالية بالدعوة لعقد ندوة بحرية للدول البحرية في منطقة البحر المتوسط والبحر الأسود. وبالفعل تمّ انعقاد أول دورة لهذه الهيئة سنة 1996، حيث استضافت البحرية الإيطالية هذه الندوة واستمرّت في استضافتها كلّ عامين منذ ذلك التاريخ ويحضرها دورياً خمسون قائداً لأسلحة البحرية في خمسين دولة في العالم، إلى جانب العديد من الوفود منظمات دولية مختلفة ورجال صناعة وتكنولوجيا من اختصاصات مختلفة، وكذلك شخصيات ثقافية وأكاديمية من دول مختلفة في العالم.
ثانياً: الأهداف العامة لهذه الندوة.
تنمية التعاون المشترك بين الدول المشاركة في الندوة لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة.
ثالثاً: أهمية الندوة هذا العام.
تنبع أهمية الندوة هذا العام، خاصة بالنسبة لإيران من خلال…
– مشاركة قائد البحرية الإيرانية، الأدميرال سيّاري فيها بما يعنيه من مسؤول إيراني رفيع.
– خلفية دعوة الأدميرال سيّاري والتي أتت بعد زيارات متبادلة للقطع البحرية الإيطالية والإيرانية، وبشكل خاص الزيارة الإيطالية لميناء بندر عباس.
– اللقاءات الثنائية التي سيجريها الأدميرال سيّاري مع قائد البحرية الحربية الإيطالية وكبار المسؤولين البحريين والصناعيين الإيطاليين، وذلك خلال زيارته التي تستمرّ ثلاثة أيام حتى العشرين من الشهر الحالي.
ومن أهمّ ما سيتمّ بحثه في لقاء قائدي البحرية الإيراني والايطالي هو:
1 ـ مكافحة القرصنة الدولية.
2 ـ تأمين الملاحة في خليج عدن.
أيّ أنّ البحرية الإيطالية، وبالتالي الحكومة الإيطالية، والتي هي جزء من التشكيلات البحرية التابعة لحلف الشمال الأطلسي، لكون إيطاليا عضواً في هذا الحلف، تعترف بالوجود البحري الإيراني وبدوره الإيجابي في خليج عدن. ومن الطبيعي أن تكون هذه الخطوة متفقاً عليها بين الجهات المعنية في ايطاليا والولايات المتحدة، بعكس ما يعلنه ترامب والدعاية البائسة التي تبثها وسائل إعلام أذناب أميركا في «الشرق الأوسط» ضدّ إيران ودورها السلبي في المنطقة.
رابعاً: أما المواضيع المحدّدة التي ستبحثها الندوة في دورتها لهذا العام والمنعقدة في مدينة البندقية الإيطالية، وبمشاركة قادة من خمسين سلاح بحرية من خمسين دولة في العالم، فهي التالية:
1 ـ النشاطات غير الشرعية في البحار التهريب والقرصنة الدولية .
2 ـ تطوير الإمكانيات والقدرات البحرية للدول المشاركة.
3 ـ التحديث والتطوير التكنولوجي في مجال البحرية العسكرية.
4 ـ التعاون في مجال الحراسة البحرية أو الأمن البحري Naval surveillance .
خامساً: إنّ طبيعة المواضيع المُدرجة على جدول الأعمال، ومشاركة قائد سلاح البحرية الإيرانية في مناقشتها، تؤكد الثقة المتزايدة لدى الدول المشاركة في الندوة، وتلك التي تشاركها العضوية في حلف شمال الأطلسي، بالقدرات البحرية الإيرانية أولاً وبدورها الإيجابي والبنّاء في الحفاظ على سلامة الملاحة الدولية، خاصة في أكثر المعابر البحرية حساسية وخطورة في العالم، ألا وهو خليج عدن الذي يفضي الى مضيق باب المندب.
وهنا يجب طرح السؤال المنطقي الملحّ: ما الذي يمنع البحرية السعودية، وبالتالي الحكومة السعودية، كما تفعل عضو الناتو إيطاليا، من التعاون مع إيران في تأمين الملاحة عبر باب المندب، بدلاً من كيل الاتهامات لإيران وتوتير العلاقات معها، خدمة لمصالح السيد الأميركي الذي يسخّرهم للعمل ضدّ العمل العربي والإسلامي المشترك، ويبادر للتعاون مع إيران، وإنْ بشكل غير مباشر، خدمة لمصالحه في المنطقة والعالم؟
لا منطق يحكم تصرفات هؤلاء سوى حقد أسود يقطر من قلوب مليئة بالضغائن والشعور بالدونية، بكلّ أسف.
ألا يحق الآن أن نخلص إلى أنّ إيران التي تقول لا لأميركا وهيمنتها ستكون جزءاً من عالم ينهض، فيما أعداؤها الذين أصابهم العمى باتوا من الماضي وجزءاً من عالم ينهار ويأفل نجمه!؟
بعدنا طيّبين، قولوا الله…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2017/10/18