ما هي قيود ترامب في مواجهة الاتفاق النووي مع إيران؟
خالد فارس
الفرق بين الخروج من اتفاق-معاهدة باريس للمناخ والخروج من الاتفاق النوى مع إيران, هو طريق العودة. العودة لاتفاق باريس للمناخ ليس أمامه عوائق, وتداعيات الخروج لاتتعدى مسألة المصداقية في التعددية السياسية في العلاقات الدولية. أما الاتفاق النووي فالخروج منه ينذر بإطلاق مواقف سياسية تشى أما بالصدام السياسي الصلب, وليس الناعم كما هو لغاية الآن, أو أن تعيش المنطقة فراغ سياسي من الصعوبة احتوائه, إلا بالفوضى أو إدارة استدامة الصراع والتناقضات. ويبدوا أن استدامة الصراعات هو قَدَرْ المنطقة منذ سياكس بيكو وانطلاق المشروع الصهيوني.
في معاهدة باريس هناك بنود تمنح الدول حرية اختيار مستوى الالتزام (ضعيف أو شديد). أراد أوباما تثبيت هذا المبدأ لأنه يعكس قوة الشفافية والمشاركة مقابل قوة القانون والفرض. تستطيع أميركا العودة في أي وقت, أو المشاركة في تحديات المناخ ضمن آليات متعددة, وذلك لحماية مصالحها, وسيبقى صوتها مسموعاً. وسيبقى الخبراء الأميركان مشاركين في الاجتماعات الفنية, هناك دور قيادي للأميركان في لجنة الشفافية. وحتى في ظل الخروج, فإن أميركا مستمرة في تقدمها في تكنولوجيا البيئة, والقطاع الخاص الأمريكي له سجل ومستقبل حافل.
تناقلت وكالات الأنباء قبل إعلان الرئيس الأميركى عن موقفه من الاتفاق النووي صوراً له مع هينري كيسنجر. كيسنجر يجلس في البيت الأبيض إلى جانب ترامب, ليس أمراً عابراً, بل يحمل رسالة. من المعروف أن لدى كيسنجر قناعة بأن نجاح أميركا في الشرق الأوسط مرهون بقدرة أميركا على دفع إيران إلى أن تتحول إلى دولة ويستفيليا. وهذا يعنى أن تنشغل إيران في شؤونها الداخلية, وتتحول إلى دولة كلاسيكية لاتتدخل بشؤون الغير.
الرسالة التي أراد ترامب أن يوجهها بصراخه ضد الاتفاق النووي, مازالت ضمن عملية عقر سياسي -(أن يتسبب لها بجرح سياسي يكون المتسبب هو القادر على الإمساك بالضحية), للدولة المركزية الإيرانية. فليس في وارد ترامب القيام بإجراء عسكري, وظهور كيسنجر يرجح تبنى ترامب سياسة التدرج, الخطوة خطوة.
لن تقبل إيران بدور “ويستفيلي” تقليدي أو كلاسيكي, وهذا واضحاً لكل دول العالم, بمن فيهم أميركا. ولكن مبلغ 500 مليار دولار الذي دفعته السعودية, لابد من أن يكون له سوقاً يصَرِّفْ السلعة الكبيرة (إخضاع إيران وحماية الأسرة المالكة من أي خطر على مبايعتها في السعودية وقائداً للعالم الإسلامي), إلى جانب اللوبي الصهيوني العالمي الذي يجد في التوجه السعودي فرصة تاريخية لبناء كتلة سياسية لتعريب المشروع الصهيو-أمريكي في المنطقة.
تعتقد السعودية و”إسرائيل” أن العودة إلى سوريا غير وارد من خلال قواعد المعركة الجارية في الداخل السوري, والحبكة التي يريدون تسويقها أن إيران هي مفتاح لاستعادة ملفات المنطقة.
ضرب إيران يعنى ضرب حزب الله وسوريا وإعادة إنتاج قيادة السعودية للمنطقة والعالم الإسلامي. وثم الانتقال لاحتواء أو ربما “ابتلاع″ تاريخي لبعض دول المنطقة. يتوازى مع ذلك تحويل مصر والعراق وسوريا والأردن إلى دول تبعية لمركز رأسمالي صهيو-عربي الذي سيخوض مواجهة مع رؤوس أموال ذات طابع تحرري أو قومي مثل الإيراني.
تحاول أميركا عقلنة الجموح الصهيوني والسعودي تجاه إيران, ليس لأن أميركا أكثر عقلانية, بل لأن المسألة عند أميركا تتعلق بالتقسيم السياسي العالمي للسياسة والاقتصاد, وليس فقط الوطن العربي. إضافة أن التقسيم السياسي داخل أميركا ليس في أحسن أحواله, خصوصاً مع تنامي الشعبوية.
تفكر أميركا بإخضاع إيران عن طريق إستراتيجية (إستراتيجية ترامب التي أَعَدّها), مراحل أو خطوة خطوة, وليس حرب أو ضربة عسكرية كبرى أو محاكاة غزو العراق كما تريد السعودية “وإسرائيل”. المجال الحيوي لإخضاع إيران هو المشكلة. إيران لن تقبل تغيير في إستراتجيتها, وهى التي أطلقت العنان لقواها المجتمعية, قوى شابة صاعدة, متعلمة فنية مهنية, وتمتلك طاقات راكمت قدرات كبيرة تحولت إلى مؤسسات تقود العملية مثل الحرس الثوري, ولن تستطيع كبحها إلا مقابل ثمن.
يعلم ترامب هذه الحقائق, ويعلم أيضاً أن تهديداته لن تحقق له مايريد, على الأقل بحاجة إلى تقديم إثبات للسعودية, التي تقول له أين التعهدات الأمريكية؟. اتخذت السعودية خطوة للضغط من أجل تسريع الإجراءات الأمريكية, لم تعد تحتمل لا السعودية ولا “إسرائيل” أي تأخير, فلجأت السعودية إلى تعزيز الضغوط التكتيكية, عندما أقدمت على توقيع اتفاق شراء منظومة اس 400 من روسيا, وتَحَدّث الإعلام السعودي والروسي عن اتفاقيات كبرى يجرى التفاوض عليها.
ولكن ترامب مُقَيّد, فما هي قيود ترامب؟
عندما قرر جورج بوش الابن الحرب على العراق, استطاع أن يشكل جبهة تحالف عالمي. كان عراب هذه الجبهة توني بلير رئيس وزراء بريطانيا.
تونى بلير فتح ذراعيه لأميركا, وتبنى كل السياسات الأمريكية تجاه الشرق الأوسط (أفغانستان) وفى الوطن العربي (العراق وفلسطين). انخرطت بريطانيا بقيادة أميركا في عملية قتل مئات الآلاف من العراقيين, وتدمير العراق, وفرض “جمهورية بريمير” على الشعب العراقي التي تحاول إيران أن تبنى “جمهورية ولاية فقيه نقيض للبريمرية السياسية”.
أما اليوم, لن تستطيع تيريزا ماي أن تلعب الدور الذي لعبه توني بلير. صحيح أن بريطانيا بحاجة إلى أميركا لإنجاح مشروع خروجها من أوروبا, واستبداله باتفاقيات ثنائية مع أميركا, ولكنها أيضا بحاجة إلى أوروبا, لأنها لم تنتهي بعد من مفاوضات الخروج. هذا إلى جانب أن بريطانيا, تخشى من العزلة لأنها تعيش مرحلة انتقالية, ثم أنها لاتريد أن تنغمس في مشروع ترامب في الوطن العربي حتى لا يشغلها عن مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي.
لذلك فان بريطانيا اليوم تريد أن تتموضع على رأس مثلث زاويته الأولى أميركا الاطلنطى التي تريد علاقة ثنائية قوية مع بريطانيا لمواجهة أوروبا وروسيا, وزاويته الثانية أوروبا القلقة من جنوح ترامب ومن مشاكل انفصال كاتالونيا والعلاقة مع روسيا من جهة أخرى.
تنظر أوروبا إلى سياسات ترامب بتوجس, ترامب يريد فتح الطريق أمام الشعبوية الأوروبية. يرى ترامب في أوروبا موحدة + روسيا متحالفة مع الصين وتنضم إيران إلى هذا التحالف في سوريا, هو المشكلة بذاتها, أميركا ترامب تريد عالماً تحكمه علاقات ثنائية أو عقد صفقات منفصلة بين أميركا وكل دولة على حدة, وليس علاقات بين جبهات متحالفة أو كتل سياسية بينها تحالف.
إلى جانب ذلك فأن أوروبا تعتقد أن ترامب يريد توريطها اقتصاديا وسياسياً. فالمواجهة مع إيران تنقل العبء إلى الناتو والمؤسسات الأوروبية. أوروبا تعتبر أن أميركا ترامب تقوم بهذه العملية لأنها قبضت ثمن ذلك من السعودية, فهي تريد أن تحقق مكاسب إضافية دون أن يكون هناك أي مردود اقتصاد-سياسي لأوروبا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/10/21