لماذا رفع بنس الراية البيضاء وألغى زيارته إلى مصر وفلسطين المحتلة؟
عبد الباري عطوان
عندما يبدي العرب، او بعضهم شيئا من الحد الأدنى من الشجاعة، والشهامة، ويرفضون الاملاءات الأمريكية، فرادى أو مجتمعين، فإنهم يفرضون هيبتهم، ويظهرون استعدادهم للتحدي وقول “لا” كبيرة لواشنطن، ورئيسها دونالد ترامب، والمجموعة العنصرية المحيطة به، في مواجهة انحيازها للعنصريين الإسرائيليين وتهويدها للمدينة المقدسة.
انحدار العرب نحو القاع بدأ عندما تبنى الرئيس المصري محمد أنور السادات المقولة الانهزامية التي تؤكد أن 99 بالمئة من أوراق اللعبة في يد أمريكا، وليس أمام العرب من خيارات غير الارتماء في أحضانها، ومن المؤسف أن كثيرين تبنوها، وبدأوا يرسمون سياساتهم ومواقفهم على أساسها.
اليوم الاثنين أعلن مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية أن مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي قرر تأجيل زيارته إلى منطقة الشرق الأوسط، وكان من المقرر أن تشمل مصر وفلسطين المحتلة ورام الله إلى أجل غير مسمى.
*
هذا التأجيل تم لأن الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، وتواضروس الثاني بابا الأقباط، علاوة على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قرروا عدم استقباله، ورفض الطلبات التي تقدمت بها السفارة الأمريكية في القاهرة وتل أبيب لترتيب هذه اللقاءات احتجاجا على القرار الأمريكي بالاعتراف بتهويد القدس المحتلة، ونقل السفارة الأمريكية إليها.
الازدراء، والاحتقار، والتمسك بالحد الأدنى من الكرامة هي أبرز أبجديات اللغة الوحيدة التي تستحقها الإدارات الأمريكية كوسيلة تخاطب، أما التذلل، والخوف، والرضوخ لإملاءاتها فيزيدها تجبرا وابتزازا واستكبارا.
عندما تحدى العرب الرئيس ترامب، وذهبوا إلى الجمعية العامة إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار يدين قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، حظوا باحترام العالم بأسره، وكان من بين المؤيدين حلفاء واشنطن الأوروبيون، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
يحتاج “الزعماء” العرب، أو معظمهم، إلى دورات في كيفية التعاطي مع أمريكا في أكاديمية رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون في بيونغ يانغ، فهذا الرجل استطاع أن يمرمغ أنف ترامب في التراب، لأنه تعاطى مع تهديداته بالسخرية التي تستحقها، ورد عليها عمليا بأكثر من 16 تجربة صاروخية باليستية في العام الماضي، وتجربة نووية أخيرة أدخلت بلاده النادي النووي من أوسع أبوابه، وحققت لها الحماية والندية في مواجهة تهديدات القوة الأعظم في العالم.
هديته إلى الرئيس الأمريكي في العام الجديد رسالة واضحة تقول أن “الزر النووي” يتربع بقوة على مكتبه، وينتقل معه إلى غرفة نومه، والرد على أي عدوان أمريكي على بلاده، لا يتطلب أكثر من ضغطه خفيفة لتنطلق بعدها الصواريخ العابرة للقارات إلى العمق الأمريكي.
كوريا الشمالية التي لا تملك نفطا ولا غازا استطاعت في سنوات معدودة أن تحقق الردع النووي، وتطور الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية، بينما نحن العرب الذين دخل خزائننا، تريليونات الدولارات من العوائد النفطية، لم نطور غير لغة السباب والشتائم ضد بعضنا البعض، ولم نتنافس إلا في شراء القصور الطائرة المذهبة مقاعد حماماتها وصنابيرها، واليخوت الفاخرة، والجزر في بحور الآخرين، وليس في بحورنا التي لا نعرف عدد جزرها ومكانها.
*
العرب، أو الشرفاء منهم، يجب أن يتعلموا من هذا الانتصار الرمزي الذي أجبر نائب الرئيس الأمريكي على إلغاء زيارته إلى المنطقة لأنه أدرك أنه شخص منبوذ غير مرحب به، وأن يتخذوا قرارا جماعيا بعدم استقبال رئيسه ترامب، أو أي مسؤول أمريكي آخر، بما في ذلك سفراء أمريكا في العواصم العربية إلا إذا تراجعوا عن قرار نقل السفارة، واعتذروا للعرب والمسلمين كخطوة أولى تكون مقدمة لخطوات أكثر قوة وصلابة، وهذا أضعف الإيمان في ظل رفضهم إغلاق السفارات الأمريكية والإسرائيلية.
شكرا للبابا تواضروس، والشكر موصول أيضا لشيخ الأزهر، والرئيس محمود عباس، ونأمل أن يتمسك بموقفه، ولن يرضخ بالتالي للضغوط الأمريكية والإسرائيلية وبعض العربية.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/01/02