لماذا نؤيد بقوة مقاطعة حركتي “حماس″ و”الجهاد الإسلامي” لاجتماع المجلس المركزي ونتمنى أن تلحق بهما “الجبهة الشعبية”؟
عبد الباري عطوان
مقاطعة حركتي “حماس″ و”الجهاد الإسلامي” اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني المقرر غدا الأحد كان قرارا صائبا، وكنا نتمنى لو أن “الجبهة الشعبية” وفصائل فلسطينية أخرى اتخذت الموقف نفسه، لإيصال رسالة احتجاج قوية إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس بضرورة احترام هذه الفصائل، والشعب الفلسطيني قبلها، واتخاذ قرارات إستراتيجية، تطبق على ارض الواقع، تعيد “الهيبة” إلى القضية الفلسطينية، وترتقي إلى مستوى دماء الشهداء وتضحيات الأسرى في سجون الاحتلال.
بمجرد إصرار الرئيس عباس على عقد هذا الاجتماع في قاعة المقاطعة في رام الله، وعدم الاستجابة لقرارات اللجنة التحضيرية بعقده في بيروت، أو خارج المناطق المحتلة، بات واضحا أنه، أي الاجتماع، لن يكون أفضل حالا من الذي سبقه، وانعقد في آذار (مارس) عام 2015، واتخذ قرارات أبرزها وقف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، والذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية، لم يطبق أي منها، وتبين أن الاجتماع جرى استخدامه لامتصاص حالة الغضب الفلسطينية، وإعطاء السلطة ورقة ضغط على إسرائيل لاستئناف المفاوضات وإطالة عمرها، واستمرار امتيازات رجالاتها.
*
مشاركة حركة مقاومة مثل “حماس″ و”الجهاد الإسلامي” كان مقصود منهما توفير غطاء شرعي مقاوم للسلطة ورئيسها، في مواجهة الضغوط الأمريكية، وتهديدات وقف المساعدات المالية، وربما الانخراط في مفاوضات حول “صفقة القرن”، فالتنسيق الأمني مع إسرائيل مستمر حتى بعد قرار ضم المستوطنات، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وأن كان ذلك يتم في الغرف المغلقة، حسب ما أفادت مصادر عديدة.
كان مطلوبا أن تكون “حماس″ و”الجهاد الإسلامي” بمثابة “المحلل” للزواج المقبل، أو بالأحرى مرحلة المساومات، وتحسين الظروف التفاوضية، فكيف تشارك حماس في المجلس المركزي بينما العقوبات مستمرة على قطاع غزة مثلا، ودون إصلاح منظمة التحرير ومؤسساتها، وكيف يمكن اتخاذ قرارات بسحب الاعتراف بإسرائيل ووقف العمل باتفاقات أوسلو تحت سلطة تأخذ أسباب وجودها من هذه الاتفاقيات، وتستمد شرعيتها واستمرارها من رضا سلطة الاحتلال عليها، وتعاونها الأمني معها، وهو الدور الوظيفي الجوهري في كل الاتفاقات الموقعة، انطلاقا من أوسلو، فمن المستحيل أن يحصل السيد حسين الشيخ، مسؤول التنسيق المدني مع الاحتلال، على تصريح بدخول عضو واحد دون موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
شاركت شخصيا في معظم اجتماعات المجلس الوطني والمجلس المركزي في الفترة الأخيرة، ورحم الله تلك الأيام، التي كان اسم فلسطين، ومنظمة التحرير يهز العالم بأسره، وكان المجلس الوطني ينعقد في الجزائر ويحضره آلاف الصحافيين والمراقبين، والمجلس المركزي في قاعة متواضعة في مدرسة فلسطين في تونس، وتحضر جلساته شخصيات من الوزن الثقيل سياسيا وتنظيما، تمثل مختلف أطياف الشعب الفلسطيني، وتستمر الجلسات الصاخبة حتى الساعات الأولى من الصباح، وحرد الرئيس الشهيد ياسر عرفات أكثر من مرة من شدة الانتقادات، ولا يصدر أي قرار إلا بعد نقاش مستفيض وحاد في معظم الأحيان، وبرفع الأيدي علانية.
معظم أعضاء المجلس الوطني الحالي من الجدد الذين اختارهم الرئيس عباس من “الموالين”، باستثناء بعض ممثلي الفصائل، وغالبية هؤلاء من المتقدمين في السن، والأصوات المعارضة شبه معدومة، وعقد المجلس في رام الله هو من أجل إبعادها، فهل يمكن أن يشارك السيد إسماعيل هنية (حماس)، ورمضان عبد الله شلح، (الجهاد)، وصالح العاروي، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس″ فيها؟ والقائمة تطول.
هناك مثل فلسطيني أثير إلى قلبي اردده دائما، وهو أن “الليلة السعيدة بتبان من العصر”، وآخر “ولو بدها تشتي لغيمت”، بمعنى أن المقدمات التي نراها لا يمكن أن تؤدي إلى النتائج والطموحات المأمولة، فعندما ينعقد المجلس الوطني خارج الأراضي المحتلة، أو في قطاع غزة الذي لا يخضع لسلطة الاحتلال مباشرة، وكذلك المجلس المركزي، وتتم غربلة أسماء الأعضاء، والتدقيق في أهليتها لهذا الاستحقاق، دون أي إقصاء، أو قوائم سوداء يضعها الرئيس والقيادة المحيطة به، وتكون هناك محاسبة حقيقية لأداء السلطة والمنظمة، يمكن في حينها أن نشعر بالحد الأدنى من التفاؤل.
*
نتمنى أن يبدد اجتماع المجلس المركزي تشاؤمنا وخيبة أملنا، ويثبت خطأ وجهة نظرنا وغيرنا، ويتخذ قرارات مفصلية مثل إلغاء اتفاقات أوسلو والتنسيق الأمني، وسحبه الاعتراف بإسرائيل، وحل السلطة، وإعلان انطلاقة الانتفاضة بقيادة حركة التحرر الوطني الفلسطيني “فتح”، ولكن التمني شيء وما يجري على أرض الواقع شيء آخر.
سنتعلق بحبال الأمل، ونراقب اجتماعات المجلس، وأن كنا نعتقد أنه ربما يكون الاجتماع الأخير في رام الله، وفي مقر المقاطعة، لأن نتنياهو عاقد العزم على ضم الضفة الغربية، والبحث عن “روابط قرى” بديلة، والأشرف للرئيس عباس وجماعته أن يتخذ قرار حل السلطة بنفسه، قبل أن يجد نفسه وسلطته في الأردن في أفضل الأحوال.
اللعبة انتهت، واللعبون تعبوا أو أفلسوا، أو “ملدنت”، حسب القول الشهير، ومن يقول بغير ذلك يخدع نفسه قبل أن يخدع الآخرين، والبديل هو المقاومة أو الانتفاضة، فهناك شعب فلسطيني يسطر أروع صفحات البطولة والفداء، وهو في واد وقيادته في رام الله في واد آخر.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/01/14