أردوغان يهدد “بوأد” القوات الكردية التي تعكف أمريكا على تشكيلها وتسليحها شمال سورية..
عبد الباري عطوان
مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية بفاعلية في حرب القضاء على “الدولة الإسلامية” في غرب العراق وشرق سورية لم يكن بالدرجة الأولى من أجل مكافحة الإرهاب، مثلما أكد المتحدثون باسمها طوال السنوات الثلاث الماضية، وإنما لإقامة دولة كردية في منطقة التقاء الحدود التركية السورية العراقية، تكون قاعدة عسكرية أمريكية دائمة كبديل لقاعدة أنجرليك الجوية التركية القريبة، وبالتنسيق مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ملامح هذا المخطط الأمريكي بدأت تتبلور فور هزيمة “الدولة الإسلامية” في الموصل، وإخراجها من عاصمتها الرقة شرق سورية بمساعدة قوات سورية الديمقراطية، فقد أعلن العقيد ريان ديلون، المتحدث باسم التحالف الأمريكي أمس الأحد لوكالة الصحافة الفرنسية عزم بلاده تشكيل قوة حماية الحدود في الحزام الأمني الذي يمتد من أربيل وحتى البحر المتوسط على طول الحدود السورية التركية، تحت ذريعة منع أي عودة لـ”الدولة الإسلامية” أو “داعش”، وهي ذريعة مكشوفة وغير مقنعة.
العمود الفقري لهذه القوة التي يقدر تعدادها بثلاثين ألف جندي نصفهم من قوات سورية الديمقراطية الكردية، والنصف الآخر من مجندين أكراد يعكف خبراء أمريكيين على تدريبهم حاليا، أي أن هذه القوات ستكون مقتصرة على العرق الكردي فقط، ومن المقرر أن تكون جيش “الدولة الكردية” التي تعتزم الولايات المتحدة تأسيسها ورعايتها ودعمها في المستقبل المنظور.
*
من الواضح أن الولايات المتحدة، وبعد سبع سنوات من التورط في سورية، وإنفاق سبعة مليارات دولار على تمويل وتسليح وتدريب قوات المعارضة السورية فقدت الثقة بالعرب كحلفاء يمكن الاعتماد عليهم في جبهات القتال، ولهذا قررت الاتجاه نحو الأكراد، أو معظم سياسييهم بالأصح، لأنهم في حال عداء لكل القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل، ابتداء من إيران، ومرورا بسورية والعراق وانتهاء بتركيا، أي الترك والعرب والفرس، السنة الشيعة، مضافا إلى ذلك أن الأكراد كانوا المقاتلين الوحيدين تقريبا الذين انخرطوا في القتال بحماس ضد “الدولة الإسلامية” في سورية كليا، والعراق جزئيا على الأقل.
هذه الخطوة الأمريكية أغضبت جميع الأطراف على الساحة السورية، ومن غير المستبعد أن توحدها في جبهة واحدة ضدها، فالرئيس رجب طيب أردوغان هدد “بوأد” هذه القوات في مهدها، وأكد أن الجيش التركي على أهبة الاستعداد لعملية عسكرية كبرى ضدها، وقد تبدأ في عفرين ومنبج شمال سورية، أما وزارة الخارجية السورية فأصدرت بيانا شديد اللهجة قالت فيه “إن كل مواطن يشارك في هذه القوات برعاية أمريكية سيعتبر خائنا للشعب والوطن وسيتم التعامل معه على هذا الأساس″، أما سيرغي لافروف، وزير خارجية روسيا فقد حذر من “أن إقامة منطقة يسيطر عليها مقاتلون تدعمهم الولايات المتحدة في سورية قد يؤدي إلى تقسيمها”، وطالب واشنطن بتوضيح.
إقامة كيان كردي مستقل بدعم أمريكي هو المكافأة التي تقدمها أمريكا لتركيا وقيادتها، مقابل كل ما قدمته على مدى خمسين عاما من خدمات استراتيجية لها، سواء في إطار عضويتها في حلف الناتو، أو دورها في الانخراط في المشروع الأمريكي لتفتيت سورية ومحاولة تغيير النظام فيها.
إقدام الجيش التركي على قصف القوات الكردية المدعومة أمريكيا سيشكل استفزازا للولايات المتحدة التي لديها أكثر من 2000 جندي على الأراضي السورية، الأمر الذي قد يتطور إلى مواجهة تركية أمريكية، ويبدو أن المعارضة التركية بقيادة الحزب الجمهوري على درجة عالية من الوعي بهذا الخطر، ولهذا سارعت بدعم الرئيس أردوغان دون تحفظ.
الرئيس أردوغان لا يستطيع مواجهة المشروع الأمريكي الكردي وحده، بدون دعم القوى الكبرى مثل روسيا وإيران وسورية والعراق التي تعارض بقوة هذا المشروع وتعتبره خطرا عليها، ولكن المشكلة تكمن في كونه، أي الرئيس التركي، يقدم على خطوات “تستفز″ هؤلاء الحلفاء المفترضين بين الحين والآخر، مثل غض النظر عن انطلاق الطائرات “المسيرة” التي هاجمت القواعد الروسية في حميميم وطرطوس انطلاقا من إدلب، والإدلاء بتصريحات في تونس هاجم فيها الرئيس السوري بشار الأسد بشراسة ووصفه بالإرهابي، وجدد المطالبة بالإطاحة به وحكمه، دون سابق إنذار وبعد صمت طويل، الأمر الذي جاء خارجا عن النص، وتحديا لكل من روسيا وإيران، الحليفين الرئيسيين للرئيس الأسد في سورية والمنطقة.
الرئيس أردوغان سارع بتطويق أزمة الطائرات المسيرة مع روسيا عندما بادر بالاتصال بالرئيس فلاديمير بوتين مؤكدا أن فصيلا سوريا متواجدا في إدلب ومواليا لأمريكا هو الذي أطلق هذه الطائرات بدون علمه، وقدم معلومات كاملة تؤكد وجهة نظره هذه، ربما ساعدت في قصف موقع هذا التنظيم وتدميره ومخزونه من الطائرات والأسلحة، وحصل، أي الرئيس أردوغان، على “صك براءة” من الرئيس بوتين، ولكنه لا يريد أن يفعل الشيء نفسه مع الحكومة السورية التي تشاركه القلق نفسه من الكيان الكردي المنتظر، رغم أنه تحدث أكثر من مرة، قبل تصريحاته في تونس عن أهمية التقارب مع سورية، بل والتعاون مع حكومتها، ولم يستبعد اللقاء مع الرئيس الأسد نفسه مثلما قال في تصريحات لصحافيين أتراك كانوا يرافقونه على متن طائرة في رحلة العودة من قمة سوتشي الثلاثية مع الرئيسين الروسي بوتين والإيراني حسن روحاني.
*
سيف الخطر القادم من سورية بات يقترب من عنق الرئيس أردوغان وحكومته، ويهدد بتقسيم تركيا في حال نجاحه في تقسيم سورية على أسس عرقية وطائفية وفق المخطط الأمريكي، وإذا كان الرئيس التركي يضع مصلحة تركيا فوق كل اعتبار، ونحن لا نشك في ذلك، فإن عليه أن يبادر في إطلاق مشروع إقليمي مضاد يضم بلاده وسورية وإيران والعراق بزعامة روسيا.
ربما يتهمنا البعض بأننا لا نعرف الرئيس أردوغان وسرعة تغييره لتحالفاته، ومواقفه بطرق مفاجئة وغير متوقعة أحيانا، والحقيقة مغايرة لذلك فنحن نعرف الكثير، وليس كل شيء في هذا المضمار بطبيعة الحال، ولكن خطر المشروع الأمريكي على تركيا أكبر من خطره على الدول الأخرى بكثير في الحالتين، حالة التدخل العسكري التركي وحده، ودون مظلة روسية إقليمية، أو حالة اختيار الصمت وعدم التحرك، الأمر الذي يجعلنا نرجح الخيار الأول.. والله أعلم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/01/16