هل تستعد أمريكا لضربة عسكرية جديدة في سورية...؟
عبد الباري عطوان
القاعدة الذهبية التي بتنا نحفظها عن ظهر قلب منذ أن بدأت الأزمة قبل سبع سنوات تقول بأنه كلما شعرت الولايات المتحدة الأمريكية بتعاظم هزيمة مشروعها في سورية تلجأ إلى ورقة الأسلحة الكيماوية كذريعة لشن هجوم على أهداف للجيش العربي السوري.
اليوم الجمعة، أعلن وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس للصحافيين أن بلاده تخشى أن يكون غاز السارين جرى استخدامه في الآونة الأخيرة في سورية.. وقال “لقد جرى استخدام هذا الغاز مرات عدة في هجمات في سورية، ولا توجد أي أدلة في الوقت الراهن تثبت هذه الفرضية”.
قبل تصريحات وزير الدفاع هذه، أعلن مسؤول أمريكي لم يرغب في ذكر اسمه، “أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وتنظيم “الدولة الإسلامية” يواصلان استخدام الأسلحة الكيماوية وان الرئيس دونالد ترامب لا يستبعد أي خيار.. وأن استخدام القوة العسكرية يتم بحثه على الدوام”.
خطورة هذه التصريحات أنها تضع السلطة السورية وتنظيم “الدولة الإسلامية” في كفة واحدة، وتوجه إليهما التهمة نفسها، وتبريء جميع الفصائل الأخرى منها، ناهيك عن استخدام هذه الأسلحة.
*
لا نعتقد أن البحث عن أدلة سيطول، لسبب بسيط وهو أننا تعودنا دائما أن توجه الإدارة الأمريكية الاتهامات ثم “تفبرك” الأدلة الجاهزة في جعبتها، ومعها شهادات الخبراء “الدوليين”، ونحن لا نتحدث هنا عن سورية وحدها وإنما عن العراق أيضا، والأمثلة عديدة، ولا نريد إضاعة الوقت في تكرار سردها.
الولايات المتحدة تبنت “سيناريو” مماثلا في ابريل (نيسان) الماضي عندما قصفت مطار الشعيرات العسكري قرب حمص بـ 59 صاروخ توماهوك، ردا على ما زعمته حول قصف طائرة تابعة لسلاح الجو السوري مدينة شيخون بقنابل تحتوي غاز السارين، مما أدى إلى مقتل مئة شخص، ولا نستبعد أن يتكرر السيناريو نفسه في أي مكان آخر حددته القيادة العسكرية الأمريكية مسبقا.
في المرة السابقة كانت مدينة شيخون، وهذه المرة يجري الحديث عن الغوطة الشرقية التي تسيطر على أنحاء عديدة منها فصائل مسلحة تتقاتل فيما بينها على مراكز النفوذ، وتستخدمها بين الحين والآخر كمنصة لإطلاق صواريخ وقذائف مدفعية على العاصمة دمشق.
السؤال المطروح هو حول الأسباب التي تدفع القوات السورية لاستخدام أسلحة كيماوية في هذه المنطقة، وهي تعرف جيدا أن هذا الاستخدام ربما يؤدي إلى رد فعل انتقامي أمريكي، وفي مثل هذا التوقيت الذي تسير فيه الأمور في معظم جبهات القتال لصالح الحكومة السورية وحلفائها، وتقترب سورية كدولة من التعافي وتسير في خطوات ثابتة نحو الاستقرار وإعادة الإعمار.
فإذا كان المصدر الأمريكي قد اعترف بأن “الدولة الإسلامية” تستخدم الأسلحة الكيماوية أيضا، فلماذا لا تكون فصائل مسلحة معارضة “صغيرة” مثلا، تملك مخزونا منها، وتستخدمها في الغوطة الشرقية بإيعاز أمريكي لتوفير الذرائع لهجمات انتقامية ضد أهداف عسكرية تابعة للسلطة في دمشق؟
*
أمريكا التي تملك أجهزة استخبارات ذائعة السيط مثل الـ”سي أي ايه”، تحتل المرتبة الأولى في التآمر على مستوى العالم بأسره، ومشهورة بغرفها السوداء التي تطبخ هذه المؤامرات بشكل محكم ضد سورية والعراق وليبيا، وأي دولة عربية تخرج عن طوعها، ألم “تفبرك” الثورة الليبية، وندم الرئيس السابق باراك أوباما على هذه الخطيئة علنا؟ ألم تبدأ التحضيرات لتفجير الأوضاع في سورية قبل ثلاثة أعوام، سياسيا وإعلاميا وعسكريا، وهو ما اعترف به عدد من سفرائها وحلفائها في المنطقة؟ ألم تفبرك أكذوبة أسلحة الدمار الشامل في العراق، ودست رجال مخابراتها وسط المفتشين الدوليين، وسكوت ريترر الدليل الأكبر؟
في ظل الهزائم التي مني بها المشروع الأمريكي في سورية لصالح “الغريم” الروسي نحن في انتظار ضربة أمريكية صاروخية يائسة في “مكان ما” على الأرض السورية في الأيام أو الأسابيع المقبلة، وتحديدا فور “تجهيز″ الأدلة، وهي عملية سهلة ومضمونة على أي حال، والمتطوعون كثر.
أمريكا حاولت “تخريب” مؤتمر سوتشي للحوار الشعبي السوري وفشلت، وبذلت جهودا كبيرة لمنع تقدم قوات الجيش السوري في إدلب، وفشلت، وحاولت أن تمنع الصدام بين حليفها التركي القديم، والكردي الجديد وفشلت، ولم يبق أمامها غير أن تحاول إثبات وجودها، وتحويل الأنظار عن هزائمها السياسية والعسكرية بضربة جديدة في “مكان ما” في سورية” وستفشل أيضا.. والأيام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/02/03