مظلة نووية روسية من قزوين إلى المتوسط: ماذا بعدها؟
د. عصام نعمان
الحرب الباردة صناعة وممارسة لا يتقنها إلاّ الكبار في العالم،هم خمسة أو ستة متفوقون أيضاً في الصناعة النووية، لاسيما في إنتاجها الحربي. اثنان بين هؤلاء الكبار متفوقان أكثر من غيرهم: أمريكا وروسيا.
أمريكا كرّست تفوقها كونها أُولى صانعي القنبلة النووية، وأُولى مستعمليها في الحرب ضد اليابان سنة 1945. روسيا كانت الثانية في صناعتها، لكنها لم تستعمل السلاح النووي بعد. هل تفعل؟
فلاديمير بوتين أوحى بذلك.. متى؟ الجواب: «في حال الاعتداء علينا بأسلحة نووية، أو تقليدية». ماذا يعني بكلمة «علينا»؟ الجواب: «ردّ فوري قوي على أي ضربة نووية ضد روسيا أو حلفائها». هذا الجواب يستدعي سؤالاً آخر: مَن هم حلفاء روسيا؟ بوتين لم يذكر أسماءهم خلال خطابه الأخير المدوّي الأخير. قد يفعل لاحقاً وتباعاً خلال سنيّ ولايته التي ستستمر غالباً لغاية 2024.
كي لا يبقى ما يقوله كلاماً فضفاضاً، أضفى بوتين عليه صدقّية جدّية بتوفير معلومات دقيقة ولافتة. فقد خصّص نحو ساعة من خطابه أمام مجلسيّ الدوما (البرلمان) لعرض أسلحة «جديدة رائعة» رداً على نشر الولايات المتحدة أنظمة للدفاع الصاروخي، وعلى إستراتيجيتها النووية الجديدة، معتبراً أن انسحابها سنة 2002 من معاهدة الحدّ من الأسلحة الهجومية الإستراتيجية، هو ما اضطر بلاده إلى «تطوير أسلحة حديثة لا نظير لها، ولا بمقدور أي أسلحة اعتراضها»، أبرزها:
– منظومة صاروخية عابرة للقارات «غير محدودة المدى»، وزن الصاروخ الواحد منها أكثر من 200 طن، قادر على المناورة وتجاوز الرادارات ومنظومات الدرع الصاروخي.
– صاروخ أسرع بنحو 20 مرة من سرعة الصوت باسم «كينجال» (الخنجر).
– صاروخ مجنّح لا مثيل له قادر على الوصول إلى أي مكان في العالم ولا يمكن اعتراضه.
– غواصة ذاتية التوجيه تعمل بالدفع النووي، قادرة على حمل صواريخ تقليدية، أو نووية وإطلاقها من أعماق المحيطات.
لكن مَن هم، تخميناً، الحلفاء الذين يعتزم بوتين حمايتهم بمظلته النووية؟
من استقراء مواقف وتحركات روسيا، سياسياً واستراتيجياً، خلال السنوات الخمس الماضية يمكن الاستنتاج أن ثمة حليفين أكيدين لها وثالثاً مرجَّحاً. الأوّلان إيران وسوريا والثالث العراق. لماذا إيران وسوريا؟ لأن مع الأولى، كما مع الثانية، تتلاقى مصالح روسيا النفطية والغازية، ولاسيما خطوط نقل الصادرات إلى أوروبا خصوصاً، والعالم عموماً. كما لأن المصالح السياسية والأمنية الروسية تتلاقى معهما في وجه الولايات المتحدة، وسياستها الهجومية في غرب آسيا، ولاسيما في سوراقيا. ثم إن روسيا مضطرة إلى الدفاع عن سوريا، كون الأخيرة تحتضن قاعدة بحرية روسية في طرطوس، وأخرى جوية في حميميم، قرب اللاذقية. أما العراق فإن موسكو لن تتردد في وضعه تحت مظلتها النووية أيضاً، خاصةً في حال نجحت القوى السياسية العراقية المناهضة للولايات المتحدة في خوض معركة إجلاء قواتها المرابطة في أنحاء مختلفة من بلاد الرافدين، ما يؤدي إلى تكامل خطط بغداد الدفاعية مع خطط دمشق وطهران.
إلى ذلك فإن تطورات مهمة ومتوقعة قد تنشأ عن وضع المنطقة الممتدة بين بحر قزوين والبحر المتوسط في حمى مظلة روسيا النووية، لعل أبرزها ثلاثة في المدى المتوسط:
– عزوف إيران (وربما العراق وسوريا لاحقاً) عن التخطيط لتصنيع أسلحة نووية لشعورها بالأمان تحت المظلة النووية الروسية.
– اتجاه مصر إلى تطوير صناعتها النووية، وصولاً إلى تصنيع سلاح نووي لحماية أمنها القومي، ودعم سياستها المستقلة (المحتملة) عن الجبارين الأمريكي والروسي.
– قيام الولايات المتحدة، عاجلاً أو آجلاً، بوضع حلفائها في غرب آسيا في حمى مظلتها النووية، على أن تبقى «إسرائيل» المستفيد الأول في هذا المجال.
ماذا عن تطورات المدى القريب؟
تدرك الولايات المتحدة كما «إسرائيل» أن من شأن المظلة النووية الروسية دعم نفوذ إيران في الإقليم وتعزيز طموحاتها، والارتقاء بقدرات بشار الأسد إلى مستوى أعلى وأفضل يمكنه من استعادة وحدة بلاده وسيادتها ومواجهة مخطط تركيا الرامي إلى إقامة حزام أمني داخل شمال سوريا وعلى طول حدودها معها، بدعوى مواجهة جهود الكُرد الانفصالية.
«إسرائيل» تستهول، على ما يبدو، حجم التحديات والمخاطر المشعّة من إيران وقوى المقاومة المدعومة منها. فريق من قيادتها السياسية والعسكرية يلاحظ بغبطة انشغال سوريا بنفسها وبتحركات أمريكا المشبوهة انطلاقاً من قواعدها العسكرية في مناطق الحسكة والرقة والتنف، ومطامع تركيا التوسعية وحروبها ضد الكرد، فيدعو إلى انتهاز الفرصة لمدّ الوجود العسكري الأمريكي، مباشرةً أو مداورةً، إلى غوطة دمشق الشرقية، ولتوسيع دعم «إسرائيل» العسكري لفصائل المعارضة المسلحة في الجنوب على حدود الجولان المحتل. كل ذلك بغية تقويض حكم الأسد في إطار مفاوضات مستأنَفَة في جنيف لصياغة نظام سياسي لسوريا يؤمّن مصالح الغرب الأطلسي وحلفائه الإقليميين. أطرافُ محور المقاومة، مدعومينَ بروسيا المتربصة بأمريكا الترامبية، سيواجهون بالتأكيد وبلا إبطاء مخططات أمريكا و»إسرائيل» وهجماتهما المرتقبة. ذلك سيؤدي، بطبيعة الحال، إلى ردود فعل إسرائيلية وأمريكية متناسبة، أو غير متناسبة مع الفعل. فهل تستعر الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا؟ وهل تتطور سخونتها المتصاعدة إلى حد استعمال الأسلحة النووية التكتيكية (أي المعدّة للمدى القصير وبجرعة مخففة) التي حذّر بوتين أمريكا في خطابه المدوّي من عواقب استعمالها؟
الأجوبة المحتملة شتى ومرعبة…
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2018/03/05