لماذا تتصاعد التحذيرات الروسية الإيرانية لدول الخليج من إرسال قوات إلى شرق الفرات وتسمية قطر بالذات؟
عبد الباري عطوان
التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء مؤتمره الصحافي الذي عقده مع الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، وركز فيها على دول الخليج ومستقبل قواته المتواجدة في سورية كانت بمثابة خريطة طريق، ومنهاج عمل، ورسالة على درجة كبيرة من الخطورة لدول المنطقة.
هناك 3 نقاط هامة وردت فيها يمكن التوقف عندها، والتعاطي معها، بعين الباحث والمحلل لأنها تلخص ما ذكرناه آنفا:
ـ الأولى: تأكيد الرئيس ترامب أن الدول الخليجية لم تصبح غنية إلا بفضل الحماية الأمريكية، ولا يمكن أن نستمر في دفع التكلفة المرتفعة لتواجدها العسكري في المنطقة فقد دفعنا 7 تريليونات دولار ولم نحصل على أي شيء في المقابل، وهذا يعني أن ما استطاع جباته من مئات المليارات من الدولارات لم تشبع جشعه، ويطالب بالمزيد.
ـ الثانية: تركيزه على أن بعض دول الشرق الأوسط لن تصمد أسبوعا دون الحماية الأمريكية، ورغم انه لم يذكر أي من هذه الدول بالاسم، إلا أنه يقصد ثلاث دول هي السعودية وقطر والإمارات، وهذا “ترهيب” واضح وصريح، وتلويح بالعصا الغليظة.
ـ الثالثة: تشديده في القول: لا نريد أن نعطي إيران فرصة للوصول إلى البحر المتوسط، وتنامي قواتها ونفوذها في سورية، وهذا يعني أن حديثه عن سحب القوات الأمريكية ليس دقيقا، وأن هذا الانسحاب إذا حدث سيكون جزئيا، مضافا إلى كل ذلك أنه يتبنى الإستراتيجية التحريضية الإسرائيلية ضد إيران بحذافيرها، ويريد انخراط العرب عمليا وليس ماليا فقط فيها.
*
تهديد الرئيس ترامب للدول الخليجية بأن أنظمة الحكم فيها لن تصمد أسبوعا دون الحماية الأمريكية جاء في اعتقادنا بهدف تحذيرها من رفض خطته الجديدة التي تطالبها بإرسال قوات إلى شرق الفرات في سورية، وتغطية نفقات القوات الأمريكية الرمزية التي ستبقى هناك، وكذلك الطائرات الأمريكية التي ستواصل تواجدها في إطار التحالف الدولي لقتال “الدولة الإسلامية” أو “داعش”.
السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي لم يجانب الحقيقة عندما قال “إنه يجب على قطر أن تدفع ثمن وجود القوات الأمريكية في سورية، وان تبادر بإرسال قواتها إلى هناك، لأنه يعلم جيدا أن الرئيس ترامب طالبها، أي قطر، بفعل ذلك، ولكنه، أي ترامب، كان يقصد المملكة العربية السعودية والإمارات أيضا، ولكن وجود القاعدة الأمريكية في قطر يجعلها ورقة مساومة قوية في يد أمريكا للضغط على حكومتها، خاصة في ظل الأزمة الخليجية الحالية.
مسؤولون روس على اطلاع على الخطة الأمريكية التي توشك على دخول مرحلة التنفيذ، أن لم تكن قد دخلتها فعلا، وعمودها الفقري إرسال قوات قطرية وسعودية وإماراتية ومصرية إلى شرق الفرات، ويتضح هذا الأمر بجلاء من خلال تحذير يوري شفيتكين، نائب رئيس لجنة مجلس الدوما لشؤون الدفاع اليوم، من أن “إدخال قوات قطرية إلى سورية سيكون انتهاكا صارخا للقانون الدولي، وعدوانا قد يؤدي إلى اشتباكات عسكرية خطيرة”، بينما عبر السيناتور الروسي فرانس كلينتسيفتش عن اعتقاده “بأن إرسال قوات قطرية إلى سورية سيتسبب بظهور فوضى إضافية ووقوع ضحايا جدد”، وأشار إلى “أن السعودية تتحدث على الأرجح عن مشاركة قطرية في العملية العسكرية في سورية إلى جانب القوات الأمريكية وليس بدلا منها”.
التركيز الروسي والإيراني على رفض وجود قوات عربية، وقطرية بالذات، شرق الفرات في المناطق التي تسيطر عليها القوات الأمريكية وحلفاؤها الأكراد يوحي بأن القرار القطري بإرسال هذه القوات قد صدر، وأن وصولها إلى الرقة أو الحسكة بات مسألة وقت، فلم يصدر أي رفض من الحكومة القطرية لهذه التسريبات، كما أن السيد الجبير أكد موافقة السعودية على إرسال قوات أيضا، والدولة الوحيدة التي تحفظت هي مصر.
دخول أي قوات عربية إلى شرق الفرات للقتال جنبا إلى جنب مع القوات الأمريكية يعني اعترافا بشرعية إقامة كيان كردي شمال شرق سورية، والتنسيق مع قوات سورية الديمقراطية باعتبارها الجيش الرسمي لهذا الكيان الجديد، ووضعها وجها لوجه أمام القوات السورية، والتركية والإيرانية و”حزب الله” والميليشيات المدعومة من إيران، وربما قوات روسية أيضا.
وصول أول جندي قطري إلى شرق الفرات سيعني حدوث تغيير جذري في خريطة التحالفات القطرية الراهنة، ومع تركيا وإيران على وجه الخصوص، حيث اعتبر حسين شيخ الإسلام، مستشار وزير الخارجية الإيراني، أن إرسال قوات قطرية إلى سورية “عمل خاطىء” هدفه تعقيد الأزمة السورية” مؤكدا “رفض إيران لهذا الأمر”، أما تركيا المشغول رئيسها أردوغان بمعضلة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة فقد التزمت بفضيلة الصمت حتى الآن، ولكنه صمت لن يطول حتما.
*
الرئيس ترامب، وباختصار شديد يتعامل مع الدول العربية الحليفة، والخليجية منها بالذات كـ”محميات أمريكية” لا يجب أن تدفع ثمن حمايتها فقط، وإنما تنفيذ المطالب الأمريكية في إرسال قواتها إلى جبهات القتال التي تختارها حكومته.
بمعنى آخر، أن اكتفاء الدول الخليجية الغنية بخوض حروب بـ”الإنابة” في سورية أو اليمن، أو ليبيا، مثلما يحدث حاليا زمن انقضى ولن يعود، والشيء نفسه يقال أيضا بالقتال بـ”المليارات” لتعويض إرسال الرجال أيضا.
هذه الإملاءات الأمريكية الابتزازية، ماديا وبشريا، ستؤدي في نهاية المطاف إلى إفلاس هذه الدول أولا، ورهن ثرواتها لعقود، ربما لقرون قادمة، وانهيار “الدولة الريعية” التي حققت لها الاستقرار داخليا، وإحراج أنظمتها أمام شعوبها.
الحماية الأمريكية التي يتحدث عنها الرئيس ترامب قد تعطي نتائج عكسية تماما، وترتد سلبا على معظم دول الخليج، وستكون الفوائد في اتجاه واحد، أي إلى الخزانة الأمريكية، وإذا تبقى بعض المال فسيكون الفتات فقط.
هل تستطيع القوات الخليجية قتال تركيا وسورية وإيران وروسيا وميليشيات من الطائفيتين السنية والشيعية في الوقت نفسه ومن اجل تقسيم سوريا، وإقامة كيانات عرقية، أو طائفية على أرضها.. وتقدم دماء خيرة أبنائها وأرواحهم في خدمة هذا المخطط؟
نترك الإجابة لتطورات الأسابيع والأشهر المقبلة، وستكون خطيرة بكل تأكيد.. والأيام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/04/26