كيف يرى ترامب العالم العربي: تجربة شخصية من قلب واشنطن
د. شهاب المكاحله
يعتقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الأميركيين قد سئموا من العمليات العسكرية الخارجية منذ بدء النشاط العسكري الأميركي في أفغانستان والعراق لكنه على العكس من الرئيس السابق باراك أوباما، لم يذعن لما يريده الأميركيون بل ما يريدون ممولو الإدارة الأميركية من لوبيات الأعمال وصناع السياسيات في واشنطن ممن يؤثرون بكلمة واحدة على مصير دولة لها كيانها وشعبها.
لقد حدثني صديق لي في الخارجية الأميركية عن أن مسؤولا ما، بالطبع ذكر اسمه، يمكنه أن يرفع سماعة الهاتف والاتصال بأي مسؤول عربي، ويهدده بأنه إذا لم تفعل حكومة ذاك البلد ما تريده الإدارة الأميركية فإنه قد أعذر من أنذر. الكلام بالنسبة لي ليس بجديد، لكن الجديد، هو أن مسؤولا في الخارجية وليس وزير الخارجية أو وزير الدفاع أو رئيس الولايات المتحدة. والكلام ليس لي بل لصديقي الأميركي في الإدارة ومن المقربين جدا من الرئيس.
التناقض في السياسة الخارجية الأمريكية منذ أن وصل ترامب إلى السلطة برؤيته السياسية التي حددها “أميركا أولا” بدا واضحا، فلم تعط الولايات المتحدة الشرق الأوسط أولوية كبيرة على الرغم من أن الدور الذي تلعبه واشنطن كقوة عالمية. ومع ذلك، هل سيكون للشرق الأوسط مكان لدى الإدارة الأميركية أم أنها ستتخلى تدريجيا عن مواقعها في المنطقة لصالح دول أخرى؟
تنظر الولايات المتحدة إلى منطقة الشرق الأوسط على أنها منطقة مضطربة وغير مستقرة، في ظل صراعات مفتوحة في ليبيا وسوريا واليمن، وموجات من الهجرة إلى أوروبا وهجمات إرهابية متفرقة في عواصم عربية. واشنطن لا تهتم بالمنطقة ككل بل تهتم فقط بمناطق الموارد الطبيعية التي تحتاجها.
سوف يستمر “التقلب وعدم القدرة على التنبؤ” في تحديد السياسة الخارجية الأمريكية تحت إدارة ترامب. وهنا تبرز قضيتان: الأولى، الدور الذي تريد الولايات المتحدة الأمريكية لعبه في إدارة التحديات العابرة للحدود مثل الهجرات والإرهاب ، والثانية، الاستجابة للتأثير المتنامي لروسيا في المنطقة.
استنادا إلى المعلومات التي يستطيع أي شخص له نفوذ في الولايات المتحدة الحصول عليه ، يمكن التعرف إلى السياسات الأساسية التي يمكن أن تطورها إدارة ترامب من حيث موقفها من الشرق الأوسط من حيث (إستراتيجية الأمن القومي ، العلاقات مع روسيا ، الحرب ضد الإرهاب ، الصراع العربي الإسرائيلي والعلاقات مع إيران). قد تريد واشنطن نفوذا اكبر في الشرق الأوسط لكن الشرق الأوسط ككل ليس على شاشة الرادار لصانعي السياسة في الولايات المتحدة إلا من حيث البعد الاقتصادي. هذا ليس مجرد حكم حول الإدارة الحالية ، لكنه حقيقة وفق ما يقوله العديد من السياسيين الأميركيين. إن الشرق الأوسط ليس سوى بقرة حلوب تدر السمن والعسل. وما أن تهرم البقرة حتى يصار إلى تسليمها للجزار للتخلص منها.
العالم العربي وتحديدا المنطقة الممتدة من بحر العرب إلى شمال سوريا والعراق هي منطقة تجارب للسياسات الأميركية تنتهج خلالها أسلوب العلاقات العامة. بمعنى أن لا مبدأ فيها ثابت والعبرة فقط للتمويل لعملية الترويج لحملة العلاقات العامة تلك تماما كما هو الحال مع الكثير من الدول التي تنظر إلى الشرق الأوسط كمنطقة نفوذ لحماية مصالحها القومية.
فيما يتعلق بمؤسسة الأمن القومي الأميركي تبدو هذه الأيام نشطة للغاية وخصوصا في الملف الإيراني والكوري الشمالي لكنها تغيب عن ملفات أكثر أهمية منها مثل القضية السورية واليمنية والليببية والعراقية والفلسطينية لأن لا فائدة من العلاقات العامة في تلك القضايا أو بالأحرى لا ممول لحملة العلاقات العامة لتلك الدول لذلك يبقى الحال على ما هو عليه أو مكانك راوح.
لا يزال حلف الناتو يشكل ركيزة لمشاركة الولايات المتحدة في حملاتها في منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من تشكيك الرئيس الأميركي في أهميته حاليا كون واشنطن تدفع النصيب الأكبر من ميزانية الحلف. تاريخيا، انصب اهتمام الولايات المتحدة على مثلث اليونان – قبرص – تركيا مع الترويج للاهتمام بقضايا أخرى شرق أوسطية منها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يرواح مكانه منذ اتفاق أوسلو.
لقد استحوذت دول البلقان والمغرب العربي على اهتمام واشنطن من حين لآخر ، ولكن عادة ما كان ينظر إلى تلك الدول باعتبارها أولوية أوروبية أكثر من كونها أميركية. في الوقت الحاضر، ينظر إلى البحر الأبيض المتوسط على أنه منطقة اضطراب وعدم استقرار. المخاوف من حرب إسرائيلية أخرى مع حزب الله أو حتى مع إيران بدأت تزداد في الآونة الأخيرة عقب خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم مع إيران والدول الأخرى وفور تصريحات بومبيو النارية ضد إيران وما يجب علي الحكومة الإيرانية الوفاء به.
لكن كيف يمكن لواشنطن أن تعود بقوة إلى الشرق الأوسط حتى في ظل وجود روسيا والصين في تلك المنطقة الآن؟ هناك عاملان يحددان ذلك: الأول هو التحديات ، من الإرهاب إلى الهجرة، الأمر الذي يتطلب تعاونا دوليا يوفر فرصا لمواصلة الولايات المتحدة المشاركة مع الدول الأوروبية والدول العربية بناء تحالفات والثاني هو وجود روسي صيني مكثف في الشرق الأوسط ما يؤثر على مصالح واشنطن، ما يعني أن تلعب الولايات المتحدة دورا أكبر لاستعادة دورها في الشرق الأوسط والبحث عن نقاط ضعف الخصم واستغلالها.
اليوم نشهد انشغالات داخلية للاتحاد الأوروبي. يمكن لهذا أن يضع أجندة التعاون الأميركي الأوروبي في حلف الناتو على المحك وهذا ما يفسر الضربات الأخيرة على سوريا التي شنتها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لحفظ ماء الوجه وإعادة الحلف إلى الواجهة مجددا.
السياسة الخارجية لإدارة ترامب، الآن في السنة الثانية ولا تزال الإدارة الأميركية تعاني من التخبط والفوضى. ويبدو أن البديل اليوم في الإدارة الأميركية المزيد من العسكرة التي تتطلب تمويلا خارجيا. فمنذ تعيين جون بولتون كمستشار للأمن القومي ا إلى تعيين مايك بومبيو كوزير للخارجية والى جينا هاسيل كمدير للاستخبارات المركزية الأميركية فإننا اليوم نعرف توجه ترامب ومما يريده: العسكرة مقابل المال. وهنا لن تدفع واشنطن شيئا بل ستطلب من الدول التي تريد الولايات المتحدة حمايتها أن تمول تلك الحملات العسكرية مع فارق بسيط بين حملات 2018 عن سابقاتها بأن الجنود الأميركيين لن يكونوا في الصف الأول للدفاع بل متعاقدين إضافة إلى جنود أشبه بجنود الأمم المتحدة لحفظ السلام في المناطق التي تشهد صراعا. ومن يريد الحماية عليه أن يدفع. والعرب عليه أن يدفعوا شرقا وغربا حتى آخر نقطة دم عربية.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/05/26