استراتيجية واشنطن الجديدة في شرق البحر المتوسط
د. شهاب المكاحله
يبدو أن واشنطن اليوم بصدد مراجعة استراتيجيتها في شرق البحر المتوسط لأنه وفق عدد من المسؤولين الأميركيين لم تعد تلك السياسات التي كانت سائدة أيام الاتحاد السوفيتي صالحة اليوم لذلك لا بد من إعادة النظر في هيكلية جديدة للتحالف بقيادة واشنطن للحفاظ على مكانتها الدولية لا الشرق أوسطية فقط في ظل تنافس حقيقي من التنين الصيني والدب الروسي.
في العقد الماضي وحده ، تسببت الصراعات الإقليمية وتفكك عدد من دول الشرق الأوسط إلى هروب الملايين من المهاجرين والنازحين من منازلهم ، مما خلق واحدة من أكبر أزمات الهجرة منذ الحرب العالمية الثانية. لكن ما هو السبب الحقيقي لإعادة هيكلة استراتيجية جديدة لواشنطن في شرق البحر المتوسط؟
يعود السبب إلى الاحتياطي الضخم من الموارد الطبيعية ومنه الغاز في شرق البحر المتوسط وتحديدا قبالة قبرص والسواحل السورية مع وجود كميات كبيرة في سواحل اليونان ومصر وإسرائيل. وهذا يعني أن اللعبة الجيوسياسة ولعبة الطاقة انتقلت من مربح الدول المنتجة للنفط إلى الدول المنتجة للغاز باعتباره مصدر الطاقة المستقبلي جنبا إلى جنب مع مصادر الطاقة المتجددة.
كيف يمكن لشرق المتوسط أن يتحكم بالعالم؟
في الماضي كانت دول الخليج تتحكم بالعالم لأنها مصدر مهم للطاقة الهيدروكربونية. واليوم، ومع استثمار حقول الغاز في شرق المتوسط فإن ذلك يعني استبدال مصادر الطاقة التقليدية بغيرها وبالتالي استبدال التحالفات القديمة المبنية عل النفط بأخرى.
بدأت حرب الغاز تأخذ منحى جديدا مع ظهور كميات كبيرة من هذا المصدر في المنطقة، فتحت شعار محاربة القمع والدكتاتورية تحول صراع الطاقة وتحديدا الغاز إلى صراع مصالح بين الدول المعنية. في دراسة جيولوجية أميركية حديثة، تبين أن هناك ما يقارب من 122 تريليون قدم مكعب من الغاز في شرق المتوسط، معظمها في السواحل السورية.
فسوريا لن تكون عدوا لأميركا أو لأوروبا طالما استفادت تلك الدول من مشروع الغاز في سواحل سوريا. فواشنطن تمارس الضغط كل يوم على الاتحاد الأوروبي الذي يستورد أكثر من 40% من احتياجيات الغاز من روسيا والباقي من دول أخرى. فهو، أي الاتحاد الأوروبي، بين فكي كماشة: روسيا والولايات المتحدة. واليوم ومع وصول روسيا إلى شرق البحر المتوسط، والخليج العربي يبدو أن اللعبة بين المحاور الثلاثة: روسيا والصين والولايات المتحدة هي الصراع على غاز المتوسط. فمن يتحكم في مصادر الغاز هذه يتحكم بالعالم ويتضبط إيقاع سياسة المال والأعمال.
تحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية شاملة ومتكاملة في شرق البحر الأبيض المتوسط من شأنها أن تؤثر على استقرار أوروبا وتحول التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط لصالح واشنطن ما لم تتدخل روسيا والصين لقلب الآية لصالحهما عبر تحالف مع دول شرق المتوسط التي يتموضع الغاز في مياهها.
على الرغم من هذه التغييرات المثيرة، فإن السياسة الأميركية تجاه منطقة شرق المتوسط اليوم هي في الغالب سلسلة من العمليات العسكرية التكتيكية مع تراجع الدبلوماسية الأميركية لحساب الوجود الأمني والاستثمار الاقتصادي وهذا ما ستواجهه دول بينها وبين الولايات المتحدة عداء شديد مثل روسيا والصين وتركيا وإيران.
والسؤال المطروح هل يمكن للولايات المتحدة الحصول على غاز المتوسط إذا حلت المسالة السورية؟ تحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية شاملة ومتكاملة في شرق البحر الأبيض المتوسط لحل الصراع السوري الذي يعد أمرا لا بد منه وتطوير نهج سياسي ملائم تجاه تركيا وإعادة رسم المنطقة. يبدو أن الشرق الأوسط وخصوصا منطقة شرق المتوسط يتغيران بشكل جذري ما قد يعرض المصالح الأميركية إلى الخطر ناهيك بدخول لاعبين آخرين على الساحة: الصين، روسيا والهند. فجميع تلك الدول تريد أن تضع لها موطئ قدم في الشرق الأوسط. فبعد اندلاع الصراع السوري ترسخت علاقة قوية بين إيران وروسيا في المنطقة كما أن روسيا قد سحبت حليفا أساسيا، تركيا، إلى مدارها لتعارض مصالح نظامه مع المصالح العليا الأميركية اليوم.
إن ما تسعى إليه واشنطن هو الحد من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وتقليص دور روسيا في سوريا وغيرها من دول المنطقة وسياسة العصا والجزرة مع تركيا في الوقت الذي تعزز فيه شراكتها الإقليمية مع اليونان وقبرص مع إعطاء دول مثل الأردن دورا أكبر في القضية الفلسطينية والمعضلة السورية لأن الأردن له مصالح وارتباطات مباشرة في كلا الملفين.
لو وافقت القيادة السورية على أن تستغل شركات غربية النفط والغاز في سوريا لما كان هناك حرب في سوريا ولكانت سوريا تعيش سلاما دائما ولكن لأن الرفض كان من نصيب كل الشركات الأجنبية الغربية أطلقت شرارة بدء الصراع السوري لإشغال الدولة والجيش والشعب وتعطيل الحياة الاقتصادية والسماح لغيرها من الدول مثل إسرائيل باستغلال حقول الغاز في المتوسط إلى أبعد مدى ممكن.
باختصار هي حرب ليست للديمقراطية وليست للعدالة الاجتماعية: فالربيع العربي لم يكن أساسا من أجل تغيير إلى الأفضل بل كان من أجل تعطيل تلك الدول التي يعول عليها العرب. في الماضي كنا نقول: لا خير في امة أضاعت العراق وسوريا، واليوم نقول لا خير في أمة أضاعت وأشغلت الجيشين العراقي والسوري في حروب لا طائل منها حتى تنعم هي بالسلام والرفاه والاستقرار. أما آن الأوان أن يفهم العرب أن حربهم تمولها أيديهم ووقودها مواردهم وضحاياها أبناؤهم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/05/31