ترامب يعلن هزيمة بلاده من هلسنكي و»إسرائيل» تتجرّع طعمها في الميدان!
محمد صادق الحسيني
لقد أصاب وزير الخارجية الأسبق جون كيري كبد الحقيقة عندما أعلن في تغريدة له نشرت على تويتر عند الساعة 22,56 من مساء 16/7/2018، وأعلن فيها أنّ ترامب «قد استسلم بقدّه وقديده» للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال القمة التي عُقدت بينهما يوم أول أمس الاثنين 16/7/2018.
حيث بدا الرئيس الأميركي في غاية الضعف والوهن، أمام الرئيس الروسي، المسلح بكمّ هائل من الانتصارات العسكرية في الميدان السوري، والتي ليس آخرها الانتصارات المتلاحقة التي يحققها الجيش السوري في ريفي درعا والقنيطرة، بمساعدة الجيش والقوات الجوفضائية الروسية، والتي ستتوّج قريباً، وقبل نهاية هذا الشهر، باستكمال الجيش السوري إعادة تحرير جميع المناطق التي يسيطر عليها المسلحون، بما في ذلك تلك الموجودة داخل ما يُسمّى المنطقة المنزوعة السلاح بين الجولان المحتلّ والمحرّر.
في هذه الأثناء فقد أصدرت وزارة الحرب الأميركية، عبر القيادة المركزية للمنطقة الوسطى والموجودة في الدوحة، أمر عمليات لغرفة العمليات الميدانية الأميركية في قاعدة التنف، نص على ما يلي:
1- يتمّ تسليم كافة أسلحة التنظيمات السورية المسلحة، أسود الشرقية، أحمد العبدو، الموجودة في منطقة التنف، للسلطات العسكرية الأردنية فوراً ودونما إبطاء.
2- يتمّ نقل عناصر هذه التنظيمات إلى مناطق الحسكة وشرق دير الزور فوراً ودمجها مع القوات الكردية التي تقاتل داعش.
علماً أنّ مصدر استخبارات عسكرية أوروبية قد أكد أنّ عمليات إخلاء القوات الأميركية ومعداتها العسكرية من شرق سورية قد كلّفت الخزينة الأميركية 300 مليون دولار حتى الآن!
وهذا يعني في ما يعني أنّ ما على «إسرائيل» إلا أن تبلع لسانها وتقبل بالأمر الواقع والاعتراف بموازين القوى السائدة حالياً في الميدان السوري، خاصة أنها هي التي كانت قد سلمت هذه المنطقة للمسلحين، وبالتالي فهي التي تتحمّل المسؤولية الكاملة عن التغيّرات التي طرأت على الوضع في هذا الشريط!
ونحن نؤكد أنّ قادة «إسرائيل» العسكريين والسياسيين قد ذاقوا طعم كأس الهزيمة المرة، عندما أصدر رئيس الأركان المشتركة للجيوش الأميركية، الجنرال جوزيف دونفورد Joseph Dunford، أوامره لنظيره الإسرائيلي إيزنكوت، خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، بعدم القيام بأية استفزازات عسكرية قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بالتوجّهات الأميركية الخاصة بسورية، أيّ أنه أصدر له أمراً بالتزام ما يصدر له من أوامر أميركية فقط.
من هنا، فإنّ عملية التسلل الجوي، التي نفذها التشكيل الجوي الإسرائيلي عبر الأجواء الأردنية ليلة 16/7/2018، وقام بمحاولة قصف بعض المنشآت العسكرية السورية شمال مطار النيرب، لم تكن إلا محاولة إسرائيلية فاشلة لذرّ الرماد في عيون سكان «إسرائيل» أنفسهم، وذلك لأنّ من أصدر الأوامر بتنفيذ الغارة هو نفسه الذي تسلم أمر العمليات الأميركي بعدم التحرّك ضدّ الجيش السوري، خلال هجومه الحالي في أرياف درعا والقنيطرة والذي سيكون من بين أهدافه السيطرة على معبر القنيطرة بين الجولان المحتلّ والمحرّر، كما أبلغ دانفورد نظيره الإسرائيلي.
لذا، فإنّ الضعف الذي لاحظه المراقبون والمشرّعون الأميركيون، قبل أيّ جهة أخرى، على رئيسهم خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب القمة، لم يأتِ من فراغ وإنما كان نتيجة منطقية لفشل المشروع الأميركي، ليس فقط في سورية وإنما على الصعيد الإقليمي والدولي، والذي شرع الأميركي بالاعتراف به وترجمته إلى وقائع على الأرض حتى قبل انعقاد القمة.
وذلك بعد أن أكملت وزارة الحرب الأميركية سحب قواتها وتجهيزاتها العسكرية من قواعدهم في مناطق شمال شرق سورية، التي يُقال إنها تحت سيطرة الأكراد، والإبقاء على عدد قليل جداً من «المستشارين» الذين سيتمّ سحبهم تدريجياً وفِي تطابق زمني مع عودة سيطرة الدولة السورية على تلك المناطق. وما الاتصالات الدائرة حالياً بين الحكومة السورية وجهات كردية بعينها في شمال شرق البلاد لترتيب عملية إعادة سيطرة الدولة، تدريجياً، على هذه المناطق إلا خير دليل على ذلك.
أيّ أنّ على الطرف الأميركي أن يجد نفسه مرغماً على الاعتراف بهزيمة مشروعه واضطراره إلى وقف عبث كافة أدواته المحلية والإقليمية في الشأن السوري، بما في ذلك الإسرائيلي والأردني والسعودي والخليجي وغيرهم.
فها هو محمد بن سلمان، الذي كان يهدّد بنقل الحرب إلى العمق الإيراني، صامتاً صمت القبور على الرغم من أنّ إيران قد نقلت الحرب إلى العمق «الإسرائيلي» فيما هي تواصل صمودها في وجه التهديدات والحصار الأميركيين.
وها هو ملك الأردن، الذي كان يتبجّح بأنّ جيشه قادر على الوصول إلى دمشق خلال أربع وعشرين ساعة، يهرب إلى واشنطن ويغيب عن السمع والنظر منذ أكثر من شهر، وهو يتفرّج عاجزاً على سيطرة الجيش العربي السوري على الحدود الأردنية السورية، بما فيها معبر نصيب بين البلدين، ويقبر أحلامه المريضة التي كانت تراوده حول إمكانية استعادة «مملكة فيصل الهاشمية» التي أقامها المحتلّ البريطاني الفرنسي في عشرينيات القرن الماضي في سورية.
وها هو أردوغان يرغم على تحويل التفاهمات التي تمّ التوصل إليها في أستانة، مع كلّ من سورية وإيران، إلى اتفاقيات رسمية ودون الإعلان عن ذلك، كما الموافقة على دخول الجيش السوري إلى محافظة إدلب وإعادة انتشاره فيها، بالتزامن مع إعادة سيطرة هذا الجيش المنتصر على المناطق الخاضعة لسيطرة الكرد في شمال شرق سورية، وذلك لضمان ضبط الحدود بين البلدين ومن أجل الحفاظ على مصالح كلّ منهما، طبقاً لاتفاق أضنه، الموقع بين الدولتين عام 1999. ومن نافل القول طبعاً إنّ انسحاب القوات التركية من مناطق شمال غرب سورية لم يعد إلا تحصيل حاصل. وهو الأمر الذي سيتمّ تثبيته وتأكيده في القمة الثلاثية التي ستنعقد في طهران أواخر الشهر الحالي بين رؤساء كلّ من إيران وروسيا وتركيا.
أما «الإسرائيلي» فهو غارق في أزمته الاستراتيجية، الناجمة عن عجزه عن مواجهة قوات حلف المقاومة، على جبهتين في الشمال والجنوب، أيّ على جبهة قطاع غزة وعلى الجبهة السورية اللبنانية، وذلك في أية حرب قد ينزلق إليها إذا ارتكب أيّ حماقة على أيّ من هاتين الجبهتين. وهو العاجز تماماً عن مواجهة طائرات «ف 1» الفلسطينية الطائرات الورقية التي تنطلق من قطاع غزة والتي يطالب بتضمين وقفها في أيّ اتفاق تهدئة يتمّ التوصل إليه مع فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
الأمر لنا من جبل عامل والجولان إلى النقب وتيران.
بعدنا طيّبين قولوا الله.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/07/18