سقوط «العقيدة العسكرية الإسرائيلية»!
محمد صادق الحسيني
هل تحطمت أسلحة الحرب «الإسرائيلية» التقليدية التفوّقية التي قامت عليها الدولة العبرية!؟
ماذا فعل حزب الله والفلسطينيون وسورية وإيران بالبنية الدفاعية الإسرائيلية بعد حروب الدفاع الاستراتيجي التي خاضوها ضد العدوان في العقود الثلاثة الأخيرة؟
ماذا يجري في أروقة وزارة الحرب «الإسرائيلية» وردهات مطابخ صنع القرار الصهيوني في الآونة الأخيرة ونحن نقترب من هزيمة سيّدهم الأميركي؟
على الرغم من تتابع مسلسل الفشل الذي مُنيت به المشاريع «الإسرائيلية»، المرتكزة او المعتمدة على التفوق الجوي «الإسرائيلي» إلى جانب الإمكانيات العسكرية الأخرى التي يتمتع بها الجيش «الإسرائيلي»، ومنذ زرع هذا الكيان حتى الآن، فإنّ مشاريع وحملات «إسرائيل» العسكرية سنة 1956/ 1967 / 1973 / 1978 / 1982 فشلت جميعها في القضاء على روح المقاومة لدى الجماهير العربية وبالتالي عجزت تماماً عن تصفية القضية الفلسطينية وفرض هيمنتها، كوكيل للقوى الاستعمارية الغربية، على منطقة غرب آسيا بأكملها.
نقول إنه وبالرغم من مسلسل الفشل هذا إلا أنّ «إسرائيل» لم تعلن يوماً، بشكل واضح لا مواربة فيه، عن فشل عقيدتها العسكرية المقتبسة عن النظرية العسكرية النازية الهتلرية – تلك النظرية التي كانت تنطلق من مبدأ الحرب الخاطفة المعتمدة على ثنائي الطائرة والدبابة، والتي طبّقها النظام النازي في اجتياحه بولندا في أيلول 1939، ثم اجتياحه فرنسا في شهر أيار 1940، وهجومه المباغت على الاتحاد السوفياتي في شهر حزيران 1941، حيث حقق نجاحات عسكرية سريعة ومبهرة.
بل إنّ الدولة العبرية التي اعتمدت في حروبها الاحتلالية والعدوانية ضدّنا على مبدأ التفوّق الجوّي الآنف الذكر، مدعوماً بقوة الدبابة الاجتياحية منذ قيامها في حرب 1948 وحتى آخر معاركها ضدّنا، ظلت تكابر حتى جاء يوم الاثنين 3/9/2018 الذي يمكننا أن نسمّيه «يوم الإعلان عن سقوط هذه العقيدة» وعدم جدواها، كما ورد على لسان وزير الحرب «الإسرائيلي»، أفيغدور ليبرمان، الذي أعلن وبعد نقاشات طويلة جداً في أوساط وزارة الدفاع «الإسرائيلية» دامت لسنوات، ما يلي
أولاً: تشكيل سلاح جديد في الجيش «الإسرائيلي» يطلق عليه اسم: سلاح الصواريخ ـ Missile corps على أن يلحق ميدانياً بسلاح المشاة في الجيش .
ثانياً: والسبب المعلن هو أنّ التغيير الذي طرأ على طبيعة أعداء «إسرائيل» قد جعل التفوّق الجوّي غير كافٍ للدفاع عن «إسرائيل»، حيث أننا الجيش الإسرائيلي في مواجهة عدو، مثل حزب الله وحماس، في غاية المرونة وسريع الحركة والاختفاء ولا يقاتل من قواعد ثابتة يسهل على سلاح الجو المتفوّق تدميرها .
والدليل على ذلك والكلام للوزير ليبرمان أننا أطلقنا أكثر من مئة وسبعين ألف قذيفة مدفعية وآلاف الغارات الجوية على لبنان ولم نتمكّن من إنهاء وجود حزب الله.
ثالثاً: أما السبب الثاني الذي يجعل إنشاء هذا السلاح ضرورياً وممكناً فهو توفر التكنولوجيا اللازمة، لدى شركة الصناعات العسكرية «الإسرائيلية» لإنتاج ما يحتاجه الجيش من هذه الصواريخ المختلفة المديات، بالإضافة إلى التطوّر الكبير الذي يشهده قطاع الاتصالات في الجيش، بما في ذلك إدخال أو دمج نظام إدارة المعارك وتنسيق النيران في الميدان، المسمّى تزايد Tzayad ، إلى الخدمة في الجيش حديثاً. هذا النظام الذي يسمح لوحدات الجيش في ميدان المعركة أن ترى بعضها بعضاً، عبر شاشات الكمبيوتر، وان تحدّد مواقع العدو وتهاجمها عن بعد .
رابعاً: كما أعلن ليبرمان أيضاً أنّ وزارته قد وقعت عقداً مع شركات الصناعات العسكرية «الإسرائيلية» Israel Military Industries IMI لشراء صواريخ أرض أرض قادرة على ضرب أهداف على بعد حتى مئة وخمسين كيلومتراً. وانّ توريد هذه الصواريخ سيبدأ خلال بضعة أعوام .
في حين تشير معلومات خاصة انّ تسليم الدفعة الأولى من هذه الصواريخ، لوحدات سلاح الصواريخ الحديث المنشأ، سيبدأ أواخر سنة 2020.
خامساً: قامت أوساط وزارة الدفاع «الإسرائيلية» بتسريب معلومات، إلى الصحافة «الإسرائيلية»، مفادها أنّ وزارة الدفاع ستواصل اعتمادها على ما هو متوفر من المدفعية الصاروخية، المسماة بالانجليزية Extended Range Artillery EXTRA ، والتي يبلغ ثمن الصاروخ الواحد منها ثلاثمئة ألف دولار، ويبلغ مداه مائتين وخمسين كيلومتراً.
علماً أنّ هذا النوع من الذخيرة الصاروخية هو من صناعة شركات الصناعات العسكرية الإسرائيلية.
وقد استخدمه الجيش الإسرائيلي سابقاً، في قصف أهداف للجيش العربي السوري في الكسوة وغيرها من المواقع في أرياف دمشق الغربية والشمالية الغربية، والتي كان يتمّ إطلاقها من عربات أو راجمات صواريخ من طراز لينيكس Lynex ،
كما أنّ وزارة الحرب «الإسرائيلية» قد باعت كلاً من فيتنام وأذربيجان عدداً من وحدات هذا النوع من المدفعية سنة 2013. وقد أكدت فيتنام شراءها عشرين راجمة صواريخ «إسرائيلية» من هذا الطراز في وقت لاحق لموعد تسلمها .واستخدمت كذلك في الغارة الأخيرة الفاشلة على مطار دمشق الدولي!
الخلاصة إذن… إعلان مدوٍّ عن فشل سلاح الجو «الإسرائيلي» في تحقيق أيّ نجاح يُذكر، على مدى عقود من الزمن!
ولكن إعلان ليبرمان عن إنشاء سلاح الصواريخ، الذي يأمل قادة الجيش «الإسرائيلي» في أن يسدّ عجز سلاح الجو عن تحقيق أهدافه، لن يمثل حلاً سحرياً كما يظنّون للمأزق الاستراتيجي «الإسرائيلي» بنظر خبراء متابعين وذلك للأسباب التالية:
1 ـ أنّ المهمة الأساسية لسلاح الجو كانت عبر التاريخ، وكما أوجدها أو صاغها الجنرال الايطالي جوليو دوهيت Giulio Douhet سنة 1900، كانت تتمثل في نقل المعركة إلى داخل عمق أراضي العدو وعدم حصرها في جبهات القتال على الحدود .
ولكن دور سلاح الجو قد بدأ بالتراجع مع نهايات الحرب العالمية الثانية حين بدأت الجيوش السوفياتية باستخدام راجمات صواريخ الكاتيوشا، التي كانت تسمّى «أورغ ستالين» في الغرب الأورغ هو آلة موسيقية متعددة الأنابيب ، على نطاق واسع ولَم تعد الطائرة الألمانية قادرة على تأمين الحماية للجنود الألمان على الأرض مما أدّى إلى تتابع هزائمهم، انطلاقاً من ستالينغراد وحتى احتلال الجيوش السوفياتية لبرلين الواقعة على بعد آلاف الكيلومترات عن ستالينغراد.
2 ـ إنّ ذلك يعني أنّ الجيش «الإسرائيلي» واصل تطبيق نظريات عسكرية، أكل عليها الدهر وشرب وأصبحت عديمة الفعالية، خاصة بعد ظهور الثورة الفلسطينية والمقاومة الإسلامية اللبنانية لاحقاً واعتمادهما أسلوب حرب العصابات أو الحرب المتحركة التي تحدّت جبروت سلاح الجو «الإسرائيلي» بنجاح.
3 ـ أنّ الثورة الفلسطينية، في سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي، والمقاومة الإسلامية اللبنانية بشكل أكبر منذ نشأتهما استطاعتا نقل المعركة إلى داخل الكيان «الإسرائيلي»، وبالتالي نجحتا في منع «إسرائيل» من تحقيق أيّ من أهدافها، رغم تفوّقها التسليحي الكبير.
4 ـ وعلى العكس مما يتمناه قادة الجيش «الإسرائيلي»، من أنّ إنشاء سلاح الصواريخ الجديد هذا سيحدث ثورة في أداء الجيش الإسرائيلي، فإنّ الخبراء يجزمون بأنّ أيّ شيء من هذا لن يحدث كما نبشرهم بأنّ ما فشلت في تحقيقه طائراتهم لن تنجح في تحقيقه صواريخهم.
إذ إنّ مأزق ما تبقى من هيبة الجيش الذي لا يُقهر لا يتمثل في نوعية السلاح المستخدم من قبله وإنما في انكشافه استراتيجياً وتكتيكياً!
فعلى الصعيد الاستراتيجي هو جزء من المعسكر المهزوم في الصراع الدولي الجاري حالياً، بينما يفتقد داخل الكيان للعمق من الناحية التكتيكية العملياتية، الأمر الذي جعل جبهته الداخلية جزءاً من الخط الأمامي المكشوف تماماً وعرضة لخسائر فادحة في أيّ حرب مع قوات حلف المقاومة التي تتمتع بعمق استراتيجي كبير جداً يسمح لها بالمناورة الفعّالة خلال العمليات العسكرية .
5 ـ أنّ قيادة الجيش «الإسرائيلي» باتت عاجزة تماماً عن فهم استراتيجية حلف المقاومة وقواته، والمتمثلة في إعداد الخطط الهجومية وليس الدفاعية، ما يعني بأنّ المأزق الإسرائيلي لم يعد يتمثل في ضرب أهداف لقوات حلف المقاومة على بعد مئات الكيلومترات، وإنما في كيفية مواجهة قوات المقاومة في الجليل الفلسطيني وفِي الضفة الغربية المحتلة واستحالة ذلك في ظلّ الانهيار المعنوي والنفسي والقنوط العام الذي يعاني منه الجنود «الإسرائيليون»، لا بل «المجتمع الاستيطاني الإسرائيلي» بأكمله.
وهذا يعني أنّ سلاح الصواريخ الجديد الذي تقرّر إنشاؤه لن يكون أحسن حظاً من سلاح الجو الموجود منذ ما يزيد على سبعين عاماً والذي يمتلك أحدث الطائرات القتالية في العالم.
الأمر الذي يؤكد لنا وللعالم أجمع حتمية سقوط، ليس فقط العقيدة القتالية «الإسرائيلية» الجديدة أيضاً، بل وقرب زوال الكيان «الإسرائيلي» من أرض فلسطين في الأفق المنظور…
مَن يعتقد أننا نبالغ في الأمر فليعِد قراءة التقارير والتحقيقات الإسرائيلية الداخلية التي تجمع على أنّ خيارات المواجهة وتحقيق الانتصارات بدأت تضيق على ما تبقى من زعامات «إسرائيلية» إن بقي لهم زعامات أصلاً!
يدنا هي العليا والحرب سجال.
بعدنا طيبين قولوا الله…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/09/18