حروب السعودية "الافتراضية"
ليلى نقولا
في خِضمّ قضية خاشقجي، بدا لافتاً حجم الاستثمار الذي قامت به المملكة العربية السعودية في الفضاء الافتراضي والحروب المُتعدِّدة الاتجاهات التي قامت بها من ضمن حملتها سواء لإسكات المُعارضين لها، أو التسويق لوليّ العهد ورؤيته "الإصلاحية"، ودعمه لتوليّ العرش بعد والده.
حرب المعلومات تعني استخدام التكنولوجيا الحديثة بغية إلحاق الأذى بالخَصْمِ أو لتحقيق التفوّق
وكان لافتاً في هذا الإطار، البيان الذي أصدرته شركة ماكينزي للدراسات والتي أسِفَت لكون تقريرها (الذي أعدّته للحُكم السعودي) قد تمّ استخدامه لاضطهاد المُعارضين. وكانت الشركة قد قامت عام 2015 بإعداد تقرير يقيس استجابة المواطنين السعوديين للتدابير التقشّفية ورأيهم بها، وقد تبيّن أن تويتر كان أكثر تأثيراً من وسائل الإعلام المحلية السعودية، وأن الآراء أتت سلبية وحدّدت ثلاثة أشخاص كان لهم أثر كبير على الرأي العام، ما دفع بالحُكم السعودي لإلقاء القبض على أحدهم، واعتقال إثنين من أخوة الثاني الخ..
ويتبيّن من خلال الاطّلاع على التقارير المنشورة في الغرب أن المملكة قد استفادت بشكلٍ كبيرٍ من التطوّر التكنولوجي ومن الأموال الطائِلة التي تمتلكها لتُحارب "افتراضياً" على مواقع التواصل الاجتماعي، ولتموّل ما يتمّ تسميته اصطلاحاً في العِلم الاستراتيجي بـ "حرب النت"، و"الإرهاب السيبراني"، و "حرب المعلومات".
فما هي هذه الوسائل؟
1- تُمثّل "حرب النت" حرباً حقيقية على الشبكة العنكبوتية، ويمكن بشكلٍ عام، أن تؤدّي إلى نزاعات واسعة النِطاق. وهي تعني محاولة التشويش أو إلحاق الأذى بالخَصْمِ أو العدو بحيث يطال الأذى الحقلين الدبلوماسي والسياسي، وذلك من خلال نشر الشائعات، والحملاتِ النفسية والتخريب السياسي والثقافي، وبثّ الأخبار الكاذِبة، والخِداع والدخول إلى الشبكاتِ المحلّية والتسلّل إلى شبكاتِ المعلوماتية الخ... وهو ما حصل خلال الأزمة مع قطر، حيث دخل القراصنة إلى وكالات الأنباء القطرية الرسمية وبثّوا تصريحاً مُفبركاً لأمير قطر، بدأت بعده الأزمة بين قطر والدول العربية التي تدور في الفلك السعودي.
2- الإرهاب السيبراني هو استخدام التقنيات الرقمية لترهيب وإخضاع الآخرين. ويمكن أن يتطوَّر الإرهاب السيبراني - بحسب القدرة التكنولوجية لمَن يستخدمه- ليصل إلى استخدام الإنترنت كوسيلةٍ يُمكن من خلالها شّن هجوم مُتعدِّد من قِبَل "الهاكرز"، لاختراق شبكات اتصال دولةٍ ما، أو أنظمة الأمن الخاصة بها، لنشر الفيروسات وتدمير الحواسيب.
في الحال السعودية وخاصة في قضية الخاشقجي، يُلاحَظ قيام الجيوش الالكترونية السعودية بالدخول إلى صفحات الذين يُعبِّرون عن رأيهم بالقضية أو ينتقدون المملكة، لممارسة التنمير وتهديدهم وإطلاق أبشع الصفات والنعوت عليهم، بشكلِ منهجي مُركّز، وممارسة الإرهاب عليهم ليحجموا عن القول أو التغريد حول القضية.
وقد قام هذا الجيش بتركيز حملته في الفترة الأولى على خطيبة الخاشقجي، بحيث لم تسلم من المساس بشرفها، وإطلاق الوسوم التي تمسّ بكبريائها كإمرأة والتحدّث عن "قباحتها"، وغير ذلك...
3- حرب المعلومات تعني استخدام التكنولوجيا الحديثة بغية إلحاق الأذى بالخَصْمِ أو لتحقيق التفوّق، وتستخدم الإنترنت كوسيلةٍ للتجسّس على الخصوم، ونشر الدعاية السياسية لتسويقِ فكرةٍ أو الترويج لعقيدةٍ أو لشخص.
وقد وظّف السعوديون الشركات الكبرى الأميركية (ماكينزي وغيرها)، وذلك للتجسّس على المُعارضين السعوديين في الخارج واختراق حواسيبهم، أو للترويج لوليّ العهد وسياسته ورؤيته الاقتصادية، وتسويقه على أنه "صاحب الفكر الإصلاحي" الذي يمكن للغرب التعامُل معه، ويجب عليهم دعمه.
وفي النتيجة، يبدو أن السحر قد انقلب على الساحِر، واستغلّ الديمقراطيون في أميركا والصحافة العالمية قضية الخاشقجي للتصويب على وليّ العهد السعودي ومعه دونالد ترامب. لذا، يبدو أن الأموال الطائِلة التي دفعتها السعودية في إطار استفادتها من حروب العالم الافتراضي التي تخوضها، أو في إطار حملة العلاقات العامة المدفوعة التي صرفت عليها المليارات في أميركا والغرب، لن تفيد السعوديين أو وليّ العهد محمّد بن سلمان من التخلّص من مسؤولية مقتل الخاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول... وسرعان ما سنجد ترامب يتخلّى عن وليّ العهد السعودي فيما لو تبيّن أن التمسّك به سوف يغرقه معه، أو سيجعل موقفه أضعف في الانتخابات النصفية للكونغرس.
لصالح موقع "الميادين نت"
أضيف بتاريخ :2018/10/25