عملية أمنية إسرائيلية “فاشلة” في قطاع غزة
عمر الردّاد
على غرار العمليات الاستخبارية الأمريكية،التي تظهر فيها صورة أحد الأهداف من الخصوم بعد إلقاء القبض عليه،في عملية أمنية معقدة ،كما يشار إليها بالعادة ،لإثبات كفاءة الأجهزة الأمنية والعسكرية التي نفذت العملية،والإعلان عن ذلك في وسائل الإعلام، وخاصة الفضائيات من خلال مؤتمرات صحفية،كانت الخطة الإسرائيلية تهدف ل”اختطاف” نور الدين بركة وهو أحد قادة كتائب القسام ،المعروفة بالجناح العسكري لحركة حماس،ارتباطا بالمسؤوليات التي يتولاها “بركة”وهي مرتبطة بالإنفاق العسكرية،التي أنشأتها حركة حماس والتي كانت أحد أبرز أساليب المقاومة التي كشفت “فشل” الاحتياطات الإسرائيلية وخططها العسكرية،خاصة وأن بعض تلك الإنفاق تصل إلى عدة كيلو مترات داخل العمق الإسرائيلي.
ورغم أن العملية انتهت ب”بتصفية” القائد الحمساوي “بركة” وعدد من كوادر الجناح العسكري،إلا أنها بالنسبة لإسرائيل، عكست فشلا”عسكريا وأمنيا”حيث تم بالمقابل “تصفية”قائد المجموعة المهاجمة ،وهو برتبة مقدم ،إضافة لعدد من عناصر تنفيذ المهمة من الجنود،وتردد أنه لولا الغطاء الجوي الكثيف وقذاف المدفعية الإسرائيلية ،التي شكلت طوق حماية حول منطقة الهجوم ،لتم القضاء على كامل مجموعة التنفيذ أو وقوعهم بالأسر،وهو ما أجبر رئيس الحكومة الإسرائيلية على قطع زيارته والعودة من باريس على عجل.
العملية الإسرائيلية تتناقض مع السياقات العامة ومناخات التهدئة التي يجري الحديث عنها بين إسرائيل وحماس،والتي تتواصل عبر وساطات قطرية وأخرى مصرية منفصلة،بمشاركة عواصم أوروبية واطلاع أمريكي عليها أولا بأول ،وكانت التسريبات حولها تشير إلى أن “انجازات وتوافقات” قد تحققت،وصلت لدرجة قبول إسرائيل بان تقوم حماس ب”تجميد”استخدام أسلحتها،بما فيها ترسانتها الصاروخية،في خطوة تم التعامل معها باعتبارها تنازلا من القيادة الإسرائيلية،كما تتزامن مع “فشل” جهود المصالحة بين حماس وفتح ،وأجواء الانقسام الفلسطيني،واتهامات متبادلة بين الجانبين بتحميل كل طرف الطرف الأخر مسؤولية “إفشال” المصالحة،في انعكاس للصراعات الإقليمية والعربية والإسلامية وخضوع فتح وحماس لمخرجات هذه الصراعات،وهو ما يطرح تساؤلات حول قيمة الإنسان الفلسطيني بالنسبة لقياداته، خاصة في ظل ما تطرحه أرقام منظمات دولية وأممية حول مستويات الفقر والجوع والخدمات الصحية في قطاع غزة،والتي تم تجاوزها حتى في أكثر مناطق العالم فقرا،بما فيها بعض الدول الإفريقية.
تزامن العملية مع بدء دخول المساعدات القطرية العينية”شحنات النفط” والمالية”حيث تم توزيع مبلغ 15 مليون دولار رواتب موظفي قطاع غزة الموقوفة،يطرح تساؤلات هذا التزامن،إضافة لسياقات أخرى مرتبطة بالتطبيع الإسرائيلي الخليجي، والذي شكلت زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى سلطنة عمان ابرز مظاهر هذا التطبيع، إضافة لتصريحات واستقبال وفود رياضية وثقافية بالدوحة وأبو ظبي ،وتصريحات سياسية خليجية حول القبول بإسرائيل والتطبيع معها، وهو ما تم اعتباره إضعافا للموقف الفلسطيني والعربي في مواجهة “صفقة القرن” وأن هذا التطبيع ربما “أوحى” لإسرائيل أن بإمكانها القيام بمثل هذه العملية ،بظروف اقل نقدا من أوساط عربية.
حسابات إسرائيلية داخلية هي التي تقف وراء عملية بهذا الحجم،مرتبطة ببحث رئيس الحكومة الإسرائيلية والأحزاب اليمينية المتحالفة معه، لتعزيز أوراقه في الانتخابات الإسرائيلية القادمة ،خاصة بعد الترويج إسرائيليا و”بكثافة” لما يوصف بالتطبيع الإسرائيلي مع دول الخليج ،باعتباره اختراقا غير مسبوق،وانه “دفن”ما جاءت به مبادرة السلام العربية التي تبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002،خاصة وأن عنوان مواجهة إيران يتم التعامل معه والترويج له إسرائيليا باعتباره قاسما مشتركا مع دول الخليج.
تداعيات العملية باتجاه تصعيد واسع″حرب” بين إسرائيل وحماس في غزة تبدو ضعيفة،رغم رد فعل حماس بإطلاق رشقات صواريخ عديدة على جنوب إسرائيل،والغارات الإسرائيلية على القطاع ،خاصة وان الجانب الأمريكي على أبواب طرح صفقة القرن خلال فترة قريبة، والتي يتوقع أن يكون جوهرها مشاريع انتعاش اقتصادي في قطاع غزة ،بعودة معلنة لأحد أبرز الأسس التي قامت عليها عملية السلام على المسار الإسرائيلي- الفلسطيني”غزة أولا”،وأن الدولة الفلسطينية في غزة ،فيما ما تبقى من الضفة الغربية يلحق بها، بالإضافة لتشكيل لجان تحقيق في إسرائيل ومن قبل حركة حماس لتقييم “الفشل” بالنسبة لإسرائيل،والتي ستنعكس سلبا على نتنياهو،ومواطن الاختراق الإسرائيلي بوصول المجموعة الإسرائيلية لمنزل “نور بركة” وبحدود ثلاث كيلو مترات داخل قطاع غزة.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2018/11/14