الرياضي المطارد حكيم العريبي في سجون تايلاند
د. سعيد الشهابي
قصة الرياضي البحريني، حكيم العريبي تحكي الكثير عن معاناة القطاعات المتعددة في البحرين خلال السنوات الثماني الأخيرة، وربما قبلها. شاب في مقتبل العمر، مولع بالرياضة حتى النخاع، أتقن كرة القدم حتى ترقى ليبرز من بين أقرانه عندما كان في بلده. وكغيره من الرياضيين اعتقل وعذب بسبب مشاركته في إحدى ثورات الربيع العربي. بعد لجوئه لأستراليا في 2015 لم يتخل عن هوايته المفضلة، فانتظم في فريق رياضي استرالي بعد أن حصل على حق اللجوء السياسي في القارة الخامسة. ولكن، خلافا لكل رياضيي العالم، لم يتمتع بقضاء بالعام الميلادي الجديد مع أهله البعيدين عنه، كلا ولا مع خطيبته التي طار معها إلى نيوزيلاندا لقضاء شهر العسل، بل قضاه في سجن ذلك البلد مهددا بالتسليم إلى حكومة بلده التي سجنته وعذبته وأجبرته على طلب اللجوء في استراليا.
معاناة حكيم العريبي تعيد للذاكرة ما حدث للرياضيين الآخرين بعد اجتياح الجيش السعودي والإماراتي أراضي البحرين في منتصف آذار/مارس 2011، أي بعد شهر واحد من إعلان الثورة التي تتواصل حتى الآن برغم القمع المفرط. ولتوضيح مدى قدرة شعب البحرين على تحدي ظروف القمع يجدر الإشارة إلى عدد من الحقائق: أولا: إن حراكه السياسي ضد حكومته تواصل منذ مائة عام، أي منذ العام 1922 عندما حدث ما أسمته الوثائق البريطانية آنذاك «انتفاضة البحارنة».
ثانيا: إنه لم يمر عقد من الزمان إلا وشهد انتفاضة سياسية بشكل أو آخر ابتداء من عشرينيات القرن الماضي.
ثالثا: إنه حراك شاركت فيه كافة الأطياف السياسية والايديولوجية ومنهم القوميون والبعثيون والشيوعيون والإسلاميون بشيعتهم وسنتهم. كما شارك فيه الرجل والمرأة.
رابعا: إنه حراك قمعته في أغلب الأحيان قوى أجنبية. ففي الخمسينيات والستينيات نزلت القوات البريطانية إلى الشوارع لتقمع التظاهرات والمسيرات وتنفي بعض قادتها إلى أقصى جزر العالم ومنها جزيرة سانت هيلانة وسط المحيط الأطلسي (التي نفي نابليون إليها حتى مات). أما ثورته الأخيرة فقد ساهم في قمعها قوات من دول ست: السعودية والإمارات وباكستان والأردن، بالإضافة للقاعدتين الأمريكية والبريطانية.
خامسا: إن وعي شعب البحرين حماه من الأمراض التي سعت الحكومة لنشرها في أوساطه كالطائفية والمذهبية والصراع الايديولوجي. ففيما نكلت السلطات برموز «شيعية» مثل عبد الوهاب حسين وحسن مشيمع والشيخ علي سلمان، فقد نكلت برموز «سنية» مثل إبراهيم شريف ومحمد بوفلاسة، وكما نكلت بالنساء «الشيعيات» مثل آيات القرمزي وابتسام الصايغ وزينب الخواجة وزهرة الشيخ فقد نكلت بناشطات «سنيات» منهن غادة جمشير. وكما تضم السجون رموزا «شيعية» فإنها تضم كذلك رموزا سنية منهم يوسف خيري وقبله المحامي عيسى بورشيد.
مطلوب تنقية المؤسسات الرياضية الدولية من الفساد بالإضافة لضمان التزام مسؤوليها بمواثيقها وعدم إخضاعها للحسابات السياسية. وفوق ذلك مطلوب أن يكون هناك ميثاق شرف أن يكون العالم الرياضي حاميا لحقوق الإنسان والبيئة والحوار الدولي ونزع السلاح. حين يكون الأمر كذلك فستكون الإنسانية قد قطعت شوطا إلى الإمام
حكيم العريبي رياضي بارز يرزح في سجن تايلاندي منذ وصوله إليها في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لقضاء شهر العسل مع خطيبته التي كانت بصحبته. اعتقل في المطار بدعوى وجود إشارة حمراء صادرة عن جهاز الشرطة الدولية «انتربول». ولكن هذا الجهاز سحب هذه الإشارة بعد يومين من الاعتقال بعد أن اتضح له أن صدورها كان نتيجة معلومات خاطئة قدمتها حكومة البحرين. وتجدر الإشارة إلى وجود الكثير من الإشارات الحمراء ضد النشطاء واللاجئين البحرينيين في الخارج قدمتها حكومة بلدهم بعد ان قدمت معلومات خاطئة ضدهم. وفي ما عدا حالتين تم فيهما تسليم اثنين من اللاجئين البحرينيين (احدهما علي الشويخ الذي سلمته هولندا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وعلي هارون الذي سلمته حكومة تايلاند قبل عامين) فان العديد من البحرينيين الذين اعتقلوا في مطارات الدول بناء على إشارات حمراء من الانتربول، تم الإفراج عنهم بعد أن تأكدت براءتهم. حكيم العريبي لم يطلق سراحه برغم سحب الإشارة الحمراء، بل أصرت حكومة تايلاند على احتجازه استعدادا لتسليمه. وفي الشهر الماضي أصدرت محكمة تايلاندية قرارا بتوقيفه 60 يوما لإعطاء أجهزة الأمن فرصة للتحقيق في الدعاوى المقدمة ضده من حكومة بلده. التهمة الموجهة له مشاركته في إشعال حريق بأحد المحلات التجارية الأمر الذي تفنده وثائق ووقائع عديدة.
وكان حكيم قد اعتقل في العام 2011 مع رياضيين مرموقين كثيرين بسبب مشاركتهم في الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح السياسي في البلاد.
ومن هؤلاء لاعب منتخب البحرين علاء حبيل الذي تعرض لأبشع أصناف التعذيب، ومحمد ميرزا الذي عذب حتى عطبت فقرات ظهره، حكم عشر سنوات وما يزال معتقلا وسواهما. وكانت الحكومة قد اعتقلت مجموعات عديدة تمثل كفاءات مهنية وعلمية مختلفة كالأطباء والممرضين والإعلاميين والمعلمين والحقوقيين بالإضافة للرياضيين. كما شملت الاعتقالات النساء اللاتي لا يزال عشر منهن يرزحن وراء القضبان بتهم ملفقة. وقد تعرضن لمعاملة وحشية وصلت للتحرش الجنسي والاغتصاب. ويكفي الإشارة إلى ما حدث في اليوم الأخير من العام الماضي حيث أمر الحاكم بتثبيت الحكم بسجن الناشط الحقوقي المرموق، نبيل رجب، الذي حكم بالسجن خمس سنوات بسبب انتقاده الحرب التي تقودها السعودية على اليمن. وبرغم الشجب الدولي لتثبيت الحكم والمطالبة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن نبيل رجب إلا أنه ما يزال قابعا في زنزانته. كما بدأ الشيخ علي سلمان فترة حكمه الجديدة (السجن مدى الحياة) التي أصدرتها محاكم النظام ضده بدعوى التخابر مع دولة قطر. وكانت محكمة تابعة للنظام قد أسقطت التهمة عنه في شهر تشرين الثاني/نوفمبر، ولكن توجه الجمعية لمقاطعة الانتخابات الأخيرة اغضب الحاكم فاصدر قرارا بالسجن المؤبد لأمينها العام.
ماذا تعني هذه الإجراءات القمعية؟ ماذا يعني حق اللجوء السياسي؟ وما الحماية التي تقدم للاجئ بعد حصوله ذلك الحق؟ ولماذا يصر حاكم البحرين على مطاردة معارضيه اللاجئين إلى الخارج؟ وإذا كان حريصا على بقاء مواطنيه في ارض الوطن فلماذا يلغي جنسياتهم تعسفا؟ تساؤلات كثيرة يطرحها الناشطون والخبراء ولكنها لا تحظى بإجابات واضحة. ذلك أن القرار لم يعد صادرا عن حكومة البحرين، بل عن جهات أخرى تتحرك بدافع الحفاظ على نظام الحكم الحالي وعدم السماح لأحد بإسقاطه أو النيل من صيته وسمعته. وبرغم أن الرياضي حكيم العريبي ليس رمزا سياسيا مرموقا، إلا أن صفته الرياضية وفرت له سمعة طيبة في أوساط كرة القدم وأصبحت مصدر تهديد لأمنه وحياته. وحيث أنه التحق بفريق رياضي (براسكو فيل) بمدينة فكتوريا، فقد أصبح معروفا لدى قطاع واسع من الرياضيين الاستراليين وسواهم. ولذلك تحركت جهات عديدة من هذا القطاع مطالبة بالإفراج عنه والسماح له بالعودة إلى استراليا التي منحته حق اللجوء. بل أن جهات أخرى طلبت من وزارة الداخلية الاسترالية منحه الجنسية الاسترالية لمنع ترحيله إلى البحرين. وقد تعرض الاتحاد الآسيوي لكرة القدم لضغوط عديدة للتدخل بشكل مباشر والضغط على حكومة تايلاند للإفراج عن العريبي. ولكن ثمة مشكلة كبرى تعترض هذه التحركات، أهمها أن رئيس الاتحاد الآسيوي، سلمان الخليفة، هو أحد أفراد العائلة الحاكمة في البحرين، ولذلك لوحظ تلكؤ الاتحاد عن التدخل المباشر واكتفى بإصدار بيان مقتضب قال فيه انه «يتابع» قضية العريبي الأمر الذي اغضب الكثير من الرياضيين.
مطلوب تنقية المؤسسات الرياضية الدولية من الفساد بالإضافة لضمان التزام مسؤوليها بمواثيقها وعدم إخضاعها للحسابات السياسية. وفوق ذلك مطلوب أن يكون هناك ميثاق شرف بان يكون العالم الرياضي حاميا لحقوق الإنسان والبيئة والحوار الدولي ونزع السلاح. حين يكون الأمر كذلك فستكون الإنسانية قد قطعت شوطا إلى الأمام.
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2019/01/07