هل زار الرئيس السوريّ طِهران دون التّنسيق مع موسكو فِعلًا؟
عبد الباري عطوان
فاجَأنا الرئيس فلاديمير بوتين اليوم الأحد، الكثيرين غيرنا، عندما أطلق تشكيل “آليّة دوليّة” لتطبيع الأوضاع في سورية بعد استِكمال القضاء على تنظيم “الدولة الإسلاميّة” (داعش)، تشمل “مجموعة” عمل لضمان انسحاب القُوّات الأجنبيّة، ووضع ترتيبات تضمن سيطرة الدولة السوريّة على جميع أراضيها، والمُحافظة على وحدَة الأراضي السوريّة.
مصدر المُفاجأة أنّ هذه الآليّة الدوليّة التي تحدّث عنها الرئيس بوتين جاءت بعد ثلاثة أيّام من زيارة بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي لموسكو الأربعاء، وأقل من أُسبوع من زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للعاصمة الإيرانيّة طِهران ولقائِه مع المرشد الأعلى علي خامنئي، والرئيس الإيراني حسن روحاني، وبحُضور اللواء قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، والمسؤول الميدانيّ عن المِلف السوري في القيادة الإيرانيّة.
ما يُثير القلق، قلقنا على الأقل، أنّ بنيامين نِتنياهو كشف في مُستهل حديثه في الاجتماع الأسبوعي لحُكومته بأنّه اتّفق مع الرئيس بوتين على إخراج جميع القوّات الأجنبيّة من سورية (باستثناء الروسيّة)، بِما فيها القُوّات الإيرانيّة، وتشكيل “مجموعة عمل” دوليّة للتّنسيق في هذا الملف، تكون إسرائيل عُضوًا فيها، وقال نِتنياهو “لقد أعلنت بشكلٍ واضحٍ أنّ إسرائيل لن تسمح بأن تتموضع إيران عسكريًّا في سورية، وأنّنا سنُواصل القِيام بإجراءٍ عسكريٍّ ضِدها”.
صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسيّة قالت في عددها يوم الجمعة “إن اتّفاق روسيا وإسرائيل على تشكيل مجموعة العمل هذه جاء ردًّا على الزّيارة “غير المُتّفق عليها” التي قام بها الرئيس الأسد إلى طِهران”، وأضافت في تقريرٍ لها “أنّ إسرائيل تُساعد روسيا في تحرير إجراءات الطّلاق مع إيران”، وأكّدت “أنّ زيارة الأسد إلى طهران شكّلت ضربةً حقيقيّةً للكرملين، لأنّها (أيّ الزيارة) تدل على رغبة (الأسد) في الإبقاء على القُوّات الإيرانيّة في سورية”.
***
هُناك أربع نقاط يُمكِن استخلاصها من كُل ما تقدّم من معلومات، نعتقد أنّها صحيحة، لأنّ الصّحف الروسيّة لا تستطيع نشرها دون أن يكون هُناك ضوء أخضر من السّلطات العُليا، وبهدف إيصال رسائل إلى الجهات المعنيّة، وهِي هُنا سورية وإيران:
الأولى: أن الرئيس الأسد عندما قام بزيارته “السريّة” إلى طِهران التي جرى الإعلان عنها لاحقًا، لم تتم بالتّنسيق مع “الحليف” الروسي، وربّما جاءت لبحث الرّد المُشترك السوريّ الإيرانيّ على التقارب الروسيّ الإسرائيليّ الخارج عن السّياق، والاتّفاق الذي تمخّض عنه باستهداف القُوّات الإيرانيّة في سورية، إذا لم تُقدِم طِهران على سحبها طوعًا.
الثانية: أن أكثر ما يُقلِق نِتنياهو أن تقوم طِهران بفتح جبهة مقاومة ثانية في جنوب سورية بمُوازاة جبهتها (حزب الله) في جنوب لبنان، تُركّز على مُحاصرة دولة الاحتلال الإسرائيليّ أوّلًا، وعلى استِنزاف قوّاتها في هضبة الجولان المُحتل، ولهذا يُصِر (نِتنياهو) على خُروج هذه القُوّات، وكُل الفصائل الأُخرى المُتحالفة معها التي دخلت الأراضي السوريّة بعد الأزَمة عام 2011.
الثالثة: وجود شرخ في العلاقات الإيرانيّة الروسيُة حول المِلف السوريّ تحديدًا، وهذا ما يُفسُر حِرص الرئيس بوتين، في الوقت الراهن على الأقل، في عدم مُمارسة ضغوط سياسيُة أو عسكريّة على الرئيس التركي رجب طيُب أردوغان، لتنفيذ تعهّداته في قمّة سوتشي بالقضاء على وجود هيئة تحرير الشام (النصرة) في إدلب، والشّيء نفسه يُقال عن عدم اتّخاذ روسيا موقفًا حازمًا ضِد المِنطقة الآمنة في شمال سورية مدعومًا بخُطّةٍ عسكريّةٍ تُحافِظ على هُويّتها السوريّة.
الرابعة: حشر إسرائيل في “مجموعة العمل” المُقترحة يجعلها طرفًا رئيسيًّا في المِلف السوري، وهذه خطوة من قبل روسيا ستُثير العديد من علامات الاستفهام، حتى لو جاءت لإرضاء واشنطن وبعض الدول الأوروبيّة، ولن تكون مقبولة إيرانيًّا وسوريًّا.
***
استبعاد السيد محمد جواد ظريف، وزير الخارجيّة الإيراني، من حُضور مُباحثات الرئيس الأسد مع السيد خامنئي، ثم بعد ذلك مع الرئيس روحاني، يُؤكُد الطابع الأمنيّ والعسكريّ الاستراتيجيُ لهذه الزيارة والمُباحثات التي جرَت خلالها، ولا نستبعد تناولها خُططًا عسكريّةً أو أمنيّةً ليس لها علاقة بصلاحيّات الوزير ظريف الدبلوماسيّة الخارجيّة، وربّما تم إقناعه لاحقًا بهذه الحقيقة الأمر الذي دفعه للتُراجع عن استقالته والعودة إلى مُمارسة نشاطه، أو هكذا نقرأها.
كان لافتًا أنّ الجنرال علي شمخاني، أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني، علاوةً على رئيس الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري، أكّدا في أكثر من تصريحٍ في الأيُام القليلة الماضية أنّ الرّد الإيرانيّ على أيّ عُدوان إسرائيليّ على سورية سيكون مُختلفًا في المرُة المُقبلة، ممّا يعني أنّ قرارًا صدر بقصف العُمق الإسرائيليّ إذا لم يتم إسقاط طائرات إسرائيليّة مُغيرة لغِياب الضّوء الأخضر الروسيّ باستخدام منظومات صواريخ “إس 300″، وتزامنت هذه التّهديدات مع مُناورات بحريّة إيرانيّة في مضيق هرمز، والكَشف عن صاروخٍ باليستيٍّ مُتوسّط المدى (1300 كم)، وغوّاصة جديدة مُحمّلة بالصّواريخ.
لا نعرِف ما إذا كانت “مجموعة العمل” الدوليّة التي أطلقها بوتين يوم أمس هي “بالون اختبار” ورسالة غير مُباشرة إلى الجانبين السوري الإيراني وخُططهما بالرّد، أم قناعة راسخة، وخطّة عمل معتمدة، أيًّا كان الحال فإنّها تعكِس تغيّرًا خطيرًا في الموقف الروسي يعكس تبنّيًا لبعض وجهات النظر الإسرائيليّة في المِلف السوري، خاصَّةً الوجود الإيراني.
أن تُعارض القيادة الروسيّة تحويل جنوب سورية إلى قاعدة مُقاومة لتحرير هضبة الجولان ودون مُطالبة إسرائيل بالانسحاب منها، والعودة إلى قرارات الشرعيّة الدوليّة لتحقيق السُلام في فلسطين، أمرٌ يستعصِي على الفهم بالنّسبة إلينا وكل العرب الآخرين الذين يرون في العودة الروسيّة إلى منطقة الشرق الأوسط بارقة أمل بعودة التّوازن، وإنهاء العربدة الإسرائيليّة المدعومة أمريكيًّا.
لن نستبق الأحداث ونُصدِر أحكامًا، أو آراءً مُسبقةً تستند إلى التكهّنات، ونحن في انتظار أن يهدأ غُبار زيارة نِتنياهو إلى موسكو، وتظهر الحقائق واضحة جليّة، والاطّلاع على وجهة النّظر الروسيُة في هذا الصّدد، وليس لدينا أيّ شك بأنّ القِيادة الروسيّة على اطّلاعٍ بالمُلاحقات القضائيُة التي قد تَزُج برئيس الوزراء الإسرائيليّ خلف القُضبان، وليس خارج السّلطة فقط.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/03/04