في زمن الأحمق المفيد!…
أسيا العتروس
من شأن الحضور المتدني للدول العربية في مؤتمر المنامة أن يؤكد أن هذه المشاركة لم تكن عن قناعة بأهداف هذا المؤتمر بقدر ما هي نزولا عند ضغوطات معلنة أو خفية للأطراف الراعية له وربما خوفا من ردود فعل أو تهديدات وعقوبات لا تقدر على مواجهتها …أول الملاحظات المرتبطة بهذا الحدث أنه سيكون من الغباء الاعتقاد أن واشنطن التي تعول على هذا المؤتمر ستوفر خمسين مليار دولار لتمويل المشاريع التي تروج لها ..وعلى الدول العربية الحاضنة لهذا المؤتمر أن تستعد من الآن لتوفير ثمن الصفقة المريبة التي تسبق صفقة القرن الموعودة التي لم يقرأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عراب الصفقة حروفها ولم يطلع على تفاصيلها …..
والخوف كل الخوف أن يتحول هذا المؤتمر الذي ينعقد تحت شعار “الازدهار الاقتصادي مقابل السلام “إلى خطوة إضافية لتحويل الوجهة للقضية الفلسطينية وإلغاء الجانب القانوني والسياسي فيها وتحويلها إلى مجرد ملف إنساني يبحث عن توطين اللاجئين في دول اللجوء وإطلاق يد إسرائيل نحو ابتلاع ما بقي من الأرض …
الأحمق المفيد أو المغفل المفيد useful idiot مع أنه لا شيئ يؤكد أن المصطلح أطلقه الزعيم السوفياتي السابق لينين فأننا نستسمحه في استعارة هذا التوصيف الذي يمكن أن يكون عنوانا للمرحلة بل ويمكن أن يختزل المشهد الدولي والعربي بكل ما فيه من عبث حيث يتنافس الكل في تدمير الكل و يسعى الكل إلى تحقير وإهانة الكل …بالعودة إلى جذور المصطلح فإن الأرجح أنه مصطلح سياسي أطلقه لينين في وصف تلك الشريحة التي تتفانى في الترويج لحدث أو فكرة دون معرفة الأطراف الحقيقية والغاية أيضا من ذلك …
استعادة هذا المصطلح يمكن أن يساعد في قراءة الأحداث المتسارعة وما أكثرها في زمن الحمقى المغفلين المفيدين الذين يهيؤون الأرضية للترويج لخيارات وسياسات تذهب ثمارها إلى أطراف لا تريد تصدر المشهد و لكنها تسعى إلى الاستفادة و الاستثمار في حالة الارتباك والخوف والتشكيك وحتى الترهيب …وهو ما ينطبق على مؤتمر المنامة و ما يمكن أن يخفيه في طياته من أهداف وحسابات غير التي باتت واضحة للعيان …
كم بيننا من الحمقى المفيدين الذين يروجون ويعملون لنجاح الآخرين و يساعدون عن وعي أو عن غير وعي في تدمير الحاضر والمستقبل حتى وأن كان ذلك على حسابهم …؟ الأكيد أن وجود هؤلاء مسألة حيوية في لعبة المصالح و هذا ما أدركته واشنطن منذ زمن بعيد و فهمته تل أبيب منذ صدر إعلان ولادتها من رحم الأمم المتحدة بتوقيع القوى الكبرى الذي مهدت له مؤامرات الأطراف العربية.. لسنا بصدد إلغاء المسؤولية عن الفلسطينيين فلهم نصيبهم ودورهم في وقوع النكبة و النكسة و في كل ما يحدث اليوم بسبب قصر النظر و الصراعات العبثية التي سقطوا فيها , ولكن في غياب الفلسطينيين اليوم عن مؤتمر المنامة وحضور الإسرائيليين حتى و أن كان على مستوى منخفض ما يؤكد أن الزمن غير الزمن , وأن لعبة المصالح يقودها خيار التطبيع قبل الكشف نهائيا عن بقية مكونات الصفقة التي يمكن التكهن بها لأنها لا يمكن أن تكون في خدمة الجانب الفلسطيني أو مصلحة الدول العربية أو بدافع الحفاظ على الحق الفلسطيني أو رفع الاحتلال أو استعادة الجولان .. الأرجح أن الكويت ظلت بمنأى عن مؤتمر المنامة و قد دعا مجلس الأمة الكويتي صراحة الحكومة إلى مقاطعة أعمال ورشة المنامة ورفض كل ما تسفر عنه من نتائج، تهدف إلى تكريس الاحتلال وإضفاء الشرعية عليه وتحميل الدول الخليجية والعربية نفقات وأعباء تثبيته” و في ذلك ما يؤكد أيضا أن أحد أهداف هذا المؤتمر مزيد التفتيت و التقسيم و التشتيت ..
المشكلة ليست مع ترامب فقد كان واضحا عندما قرر حضور القمة العربية الأمريكية قبل سنتين في الرياض, وكان واضحا عندما قرر نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة , وكان أكثر وضوحا عندما أغلق السفارة الفلسطينية في واشنطن وتعمد قف التمويلات للسلطة كما لوكالة الاونروا …وسيذهب ترامب إلى أبعد من ذلك وهو يخوض معركته الانتخابية وسيطالب الدول الخليجية الداعمة لمؤتمر المنامة إلى تمويل ما سيتقرر من انجازات أن وجدت ولن يكون أمام هذه الأطراف أن ترفض لأنها وقعت في ورطة و ليس من اليسير أن تخرج منها … لقد ظل ترامب يؤكد ومنذ دخوله البيت الأبيض أنه رجل صفقات بامتياز وأنه قادر على دفع الأطراف المعنية على توقيع ما يريده لتكون بالتالي الأداة المنفذة للصفقة ..المشكلة مع الدول و الأطراف العربية التي قبلت بدور الأحمق المفيد useful idiot الذي يتفانى في الترويج لمصالح الغير و يتجاهل ما يمكن أن تحمله من خراب ودمار على أبناء المنطقة التي هو جزء منها ..
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/06/29