مفاعيل عملية المقاومة في أفيفيم ونتائجها
العميد د. أمين محمد حطيط
أراد نتنياهو في غمرة التحضير لانتخاباته المبكرة المعادة، أن يجري عرض قوة في الشرق الأوسط يثبت عبره للإسرائيليين بأنه رجل القوة والقرار الجاهز لحمايتهم في وجه المقاومة ومحورها وفصائلها مهما باعدت الجغرافيا بينهم. وتنفيذاً لهذه الرغبة وجّه طائراته المسيّرة إلى العراق ولبنان وصواريخه إلى سورية واستهدف بها مراكز للمقاومة ومحور المقاومة مدّعياً ان «لا حصانة لإيران وأذرعها» ويقصد أن لا حصانة للمقاومة في أيّ مكان.
في لحظة الغرور والعنجهية تلك نسي نتنياهو أو تناسى أو تجاهل انّ هناك قواعد اشتباك تنظم المواجهة مع المقاومة في لبنان، أوّلها قاعدة امتناع «إسرائيل» عن المسّ بأمن لبنان وأمن المقاومين والمناطق الآهلة، مقابل امتناع المقاومة عن القيام بعمليات أو إطلاق نار عبر الحدود مع فلسطين المحتلة. وقد يكون نتنياهو أيضاً أراد إسقاط هذه القواعد ورسم قواعد جديدة تجعل «إسرائيل» في المركز الأعلى وتسقط معادلة الردع المتبادل القائمة منذ العام 2006.
مقابل عدوان «إسرائيل» وخرقها للقواعد الاشتباك ومعادلة الردع وجد حزب الله نفسه ملزماً بعمل عسكري يُعيد الحال إلى استقراره ويفسد على نتنياهو مساعيه، لأنه من دون ذلك يكون قد فرّط بمكتسبات كبرى كان حققها ويكون تجرّع خسارة استراتيجية كبرى لا يمكنه احتمالها، ولذلك قرّر حزب الله وبشكل قاطع وحاسم الردّ على «إسرائيل» بعمل عسكري يشكل فعل تأديب لها على عدوانها ويعيد الاعتبار إلى قواعد الاشتباك ويثبت معادلة الردع، وحتى يكون لعمليته ذاك الأثر كان لا بدّ لها أن تنفذ في ظروف تناسب الهدف المبتغى ولهذا كانت عملية أفيفيم التي نفذت وفقاً لما يلي:
1 ـ مسرح العملية: على أرض فلسطين المحتلة وفي العمق بعيداً عن الحدود ببضعة كيلومترات، في اختيار وجّه رسالة لإسرائيل ولأول مرة انّ هناك عهداً جديداً في المواجهة قد بدأ مضمونه القول انّ حركة العسكريين في الشمال هي تحت نار المقاومة. وهذا الأمر يتخطى أيضاً ولأول مرة ما كانت المقاومة فرضته بالقوة الصاروخية أرض – أرض التي وضعت «إسرائيل» كلها تحت النار.
2 ـ التوقيت: نفذت العملية عصر اليوم الأول من أيلول أيّ بعد أسبوع فقط على وعيد الأمين العام لحزب الله بالردّ التأديبي، وبعد ثمانية أيام فقط على عدوان «إسرائيل». وبعد ان ترك «إسرائيل» ولمدة أسبوع تعيش في حيرة وارتباك وقلق من الردّ الآتي، ومارس بوجهها حرباً نفسية جعلت المعلقين الإسرائيليين يقرّون بطول باع السيّد في الحرب النفسية وقدرته على التحكم بوعي الجماهير.
3 ـ تسمية مجموعة التنفيذ: أسميت مجموعة المقاومة التي نفذت العملية باسم الشهيدين ضاهر وزبيب لتشكل دلالة على انّ العملية تنفذ رداً على العدوان الإسرائيلي الذي أودى بحياة هذين المقاومين في سورية.
4 ـ الهدف والإصابة: استهدفت العملية آلية عسكرية مدرّعة «إسرائيلية» لا تتحرك عادة بأقلّ من ثلاثة جنود على الأقلّ وتتسع ليكون طاقمها العادي من ثمانية، وفي هذا الاختيار إرادة لدى المقاومة بإيقاع خسائر في صفوف العدو تعادل على الأقلّ الخسائر البشرية التي أنزلها بالمقاومين حيث ارتقى شهيدان منهم على أرض سورية.
5 ـ السلاح المستخدم: صواريخ كورنيت، المضادة للدروع ذات السمعة المرموقة في صنفها وذات التاريخ الأسود في الوعي الإسرائيلي لأنها هي التي نفذت مجزرة الميركافا في وادي الحجير وسهل الخيام في العام 2006، وحرمت «إسرائيل» من الوصول إلى الليطاني ومن تحقيق أيّ إنجاز عسكري حتى ولو كان شكليا. مدى الصاروخ الفعّال 5.5، ودقة الإصابة فيه عالية جداً .
6 ـ البيئة الأمنية والعملانية للتنفيذ: نفذت العملية خلال أعلى درجات الاستنفار الاستخباراتي والعملاني الإسرائيلي في شمال فلسطين المحتلة، وبعد أسبوع مارست خلاله المقاومة درجة عالية من الضغط النفسي الذي ألزم العدو بوضع 5 ألوية في الشمال في حالة الاستنفار القصوى مع استنفار القدر اللازم من الطيران الحربي والمسيّر لإسنادهم كما واستنفار ثلث القطع البحرية الإسرائيلية.
في ظلّ هذه الظروف الاستثنائية الخاصة نفذ حزب الله عملية «أفيفيم» ضدّ ناقلة الجند الإسرائيلية فدمّرها وقتل أو أصاب من فيها، وانسحبت المجموعة المقاومة التي نفذت إلى قواعدها سالمة بعد ان حققت الغرض ونفذت وعيد السيّد بالردّ، أما «إسرائيل» فقد لجأت بعد العملية إلى سلوك مزدوج إعلامي وميداني كالتالي:
1 ـ إعلامياً اعترفت «إسرائيل» بالعملية وبإصابة الآلية ولكنها أنكرت أيّ نوع من أنواع الإصابات في صفوف عسكرييها وقعت في تناقض مذهل إذ لم توضح كيف تكون الإصابة في آلية متحركة ولا تكون إصابات رغم أنّ السلاح المستعمل سلاح مدمّر ! لكن الإعلام الإسرائيلي بما في ذلك تلفزيون العدو أقرّ بنقل إصابتين ثم قال أربع إصابات نقلت إلى مستشفيات العدو، وقد شوهدت طائرة مروحية تنفذ عملية الإخلاء كما كانت طواقم الإخلاء تتحرك قرب مكان العملية تحت نظر المقاومين. ثم طوّرت «إسرائيل» إنكارها لتدّعي بانها أوقعت المقاومة في خديعة، وانّ عملية الإخلاء كانت مسرحية لإقناع حزب الله بنجاح عمليته فيتوقف. وبرأينا قامت «إسرائيل» بكلّ ذلك من أجل أن تحفظ ماء وجهها وتحجب خسارتها.
2 ـ ميدانياً: أطلقت «إسرائيل» 40 قذيفة مدفعية على مناطق زراعية او جرداء في جنوب لبنان ولم تتجرأ على المسّ بأيّ منزل او منطقة سكنية لأنها تعلم بأنّ المقاومة جاهزة للردّ أيضاً، وكانت وظيفة تلك القذائف الـ 40 التي ادّعت بأنها 100، كانت بمثابة ردّ فعل روتيني من قبل طرف استُهدف بهجوم وأنزلت فيه إصابات، فأطلق النار الدفاعية وبشكل موضعي لم يتجاوز مسرح العملية ليقطع طريق الانسحاب على المقاومين ويؤكد اليقظة لديه وليمنع استمرار الهجوم عليه.
وفي المحصلة نستطيع القول انّ العملية الهجومية التي نفذتها المقاومة على أرض الجليل الفلسطيني المحتلّ قرب مستعمرة «أفيفيم» التي أقيمت مكان صلحة العربية، هذه العملية جاءت بالقدر المناسب وتعتبر عملية نوعية ناجحة تستجيب لقاعدة التناسب والضرورة المعمول بها في قانون الصراعات والمواجهات العسكرية وأفضت إلى تحقيق النتائج التالية:
أ ـ إعادة الاعتبار إلى قواعد الاشتباك بعد ان أفهمت «إسرائيل» بأنّ خرقها لقاعدة منها سيقابَل بردّ بخرق قاعدة أخرى في مصلحتها، وبالتالي إذا رغبت باستمرار الهدوء جنوبي الحدود فعليها ان تحترم الهدوء في شمالي الحدود وهذا مكسب هامّ جداً حققته المقاومة للبنان منذ العام 2006،
ب ـ أكدت على فعالية معادلة الردع الاستراتيجي، وبهذه المعادلة أمتنعت «إسرائيل» عن الردّ الجدّي الفعّال على عملية المقاومة، وهنا نتذكر كيف كانت قرى الجنوب ومدنه هدفاً لقذائف العدو بمجرد ان يطلق صاروخ كاتيوشا من قربها دون ان يلحق الصاروخ هذا أيّ ضرر بـ «إسرائيل»، أما اليوم فإنّ «إسرائيل» أحجمت قسراً عن المسّ بالمدنيين لأنها تعلم انّ أيّ انتهاك وعدوان جديد سيقابَل بالردّ الموجع وقد تتدحرج الأمور إلى الحرب وهي غير جاهزة لها.
ج ـ وضعت شمال فلسطين المحتلة ولأول مرة تحت نيران صاروخية مضادة للدروع تدار بالمراقبة البصرية المباشرة، وفي ذلك نقلة نوعية تنفذها المقاومة، حيث انه حتى في العام 2006 لم تنفذ عملية مشابهة واقتصر استعمال الصواريخ تلك في لبنان وعلى أرض لبنان فقط. وهنا سيتذكر الإسرائيليون جيداً قول السيد نصرالله بأنه قد يوجّه المقاومين للقتال في الجليل وعلى أرض فلسطين. وبهذا نسفت الى غير رجعة مقولة «إسرائيل» في عقيدتها العسكرية بانّ الحرب تجريها على أرض الخصم.
د ـ أظهرت وهن منظومة الاستعلام والاستخبارات الإسرائيلية التي فشلت في توقع العملية ونوعها وفشلت في عدم تقديم الهدف المناسب للمقاومة. ولا يغيّر في هذه الحقيقة الادّعاء بانّ لا إصابات وقعت وبأنّ عملية الإخلاء مسرحية.
هـ ـ أجبرت «إسرائيل» على اللجوء إلى الكذب وإخفاء الحقيقة من أجل إخفاء الهزيمة، لانّ العملية نفذت في الظروف التي ذكرت، ولن تخفي «إسرائيل» هزيمتها بإنكار الإصابات او بالادّعاء الكاذب وسنقف أكثر على حجم امتثال «إسرائيل» لنتائج العملية واحترامها لقواعد الاشتباك التي أعيد الاعتبار لها، وامتناعها عن القيام بما يستدعي الردود المؤلمة او الذهاب للحرب.
وفي الخلاصة نقول نجحت المقاومة في تنفيذ عملية «أفيفيم» نجاحاً منقطع النظير وأضافت في العملية هذه جديداً على منظومة القواعد التي تحكم المواجهة مع العدو وأثبتت مرة أخرى وهن هذا العدو ومدى الانحدار والتراجع في معنوياته ومدى عجزه لتؤكد مرة جديدة انّ زمن القوة الإسرائيلية القادرة والجيش الذي يفعل ما يشاء ولا يُقهر هو زمن ولى في ظلّ زمن المقاومة القادرة التي كسرت النمط وغيّرت معادلات القوة الإسرائيلية.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2019/09/03