من الذي يحتاج الى معاهدات “عدم اعتداء” إسرائيل ام دول الخليج العربية؟
عبد الباري عطوان
يركز بنيامين نتنياهو ووزراء في حكومته المستقيلة بكثرة هذه الأيام على عملية التطبيع مع بعض، وليس كل، دول الخليج العربية من خلال حملات تضليل متعمدة تحاول طمأنة الرأي العام الإسرائيلي في ظل حالة القلق المتزايدة من جراء تراجع تفوق القوة العسكرية الإسرائيلية في مقابل صعود نظيرتها الإيرانية والاذرع المتحالفة معها على طول المنطقة وعرضها.
“فزاعة” مواجهة الخطر الايراني ونفوذه المتزايد في المنطقة التي تستند اليها هذه الحملة الإعلامية المكثفة لم تعد مقنعة وتجاوزتها التطورات السياسية المتسارعة في المنطقة، سواء في سورية او حرب اليمن، والعلاقات الخليجية الإيرانية المتنامية هذه الأيام.
***
نبدأ بهذه المقدمة التي نراها ضرورية، بعد التسريبات التي وردت على حساب “تويتر” الشخصي ليسرائيل كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلي، وتضمنت عرضه “مبادرة” على نظرائه الخليجيين في سلسلة اجتماعات عقدها معهم على هامش المشاركة في اجتماعات الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتسوق لتوقيع اتفاقات “عدم اعتداء” مع هذه الدول.
وضع جميع الخليجيين في سلة واحدة خطأ تعميمي ساذج، فالكويت على سبيل المثال ترفض التطبيع، ولم تستقبل مسؤولا او فريقا رياضيا واحدا، ويلتقي على ارضية هذا الموقف الشعب والحكومة وجلس النواب، ولهذا لا يمكن ان تقبل توقيع أي اتفاق تجاري او رياضي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ناهيك عن توقيع اتفاقية “عدم اعتداء”، وفوق هذا وذاك ان علاقاتها، ودولتين خليجيتين اخرييين هما سلطنة عمان وقطر مع ايران جيدة، رغم ان الأخيرتين (قطر وعُمان) منخرطتان في بعض الخطوات التطبيعية إعلاميا وسياسيا ورياضيا.
نقطة أخرى لا بد من التوقف عندها، وهي جوهر اتفاقية عدم الاعتداء هذه التي يطرحها نتنياهو ووزير خارجيته، ونسأل: متى كانت هناك حرب بين دولة الاحتلال والدول الخليجية حتى يتم طرح مثل هذه الأفكار، خاصة ان قواعد أمريكية وفرنسية وبريطانية تتواجد فيها جميعا دون أي استثناء، بمقتضى معاهدات دفاع مشترك.
ربما لم يقرأ المسؤولون الإسرائيليون في ظل حالة الرعب التي يعيشون فيها هذه الأيام بسبب تعاظم قوة ايران العسكرية وحلفائها، التطورات الأخيرة في المنطقة، وابرزها ما ورد على لسان العميد قاسم رضائي، قائد قوات حرس الحدود من تصريحات قال فيها ان علاقات بلاده مع دول الخليج جيدة جدا، وخاصة الامارات وقطر والكويت وسلطنة عُمان، وجرى عقد العديد من الاجتماعات تمخضت عن اتفاقات جيدة للغاية على المستويين الوطني والإقليمي.
اذا كان الوزير كاتس يشكك في مصداقية هذه التصريحات الجازمة، نحيله الى ما دعا اليه الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة الاماراتي للشؤون الخارجية، في مداخلته في ملتقى ابو ظبي الاستراتيجي “بضرورة اللجوء الى الحلول الدبلوماسية وعدم التصعيد مع ايران”، وقال ان الحوثيين (المدعومين من ايران) هم جزء من المجتمع اليمني وسيكون لهم دور في مستقبله”.
دول الخليج، او معظمها على الاصح، بدأت تخرج من مصيدة الفزاعة الإيرانية التي تستخدمها إسرائيل والولايات المتحدة لإرهابها، وحلب أموالها، وتفتح قنوات الحور مع ايران لحل جميع القضايا الخلافية سلميا، وهذا عين العقل والحكمة، فحتى السعودية التي تشهر سيف العداء مع ايران بدأت تتراجع عن هذه السياسة التي ثبت فشلها، وترسل الوسطاء الى طهران لفتح قنوات الحوار معها، وتتفاوض حاليا سرا في مسقط مع حركة “انصار الله” الحوثية اليمنية التي اثبتت انها الرقم الأصعب في المنطقة بعد قصفها لمنشآت أرامكو في ابقيق وخريس، وقبلهما حقل الشيبة، ومضخات النفط غرب الرياض بصواريخ كروز وطائرات مسيّرة اصابت أهدافها بدقة متناهية.
إسرائيل هي التي باتت اكبر بحاجة الى معاهدات “عدم اعتداء” ليس من دول الخليج، وانما من ايران ومحور المقاومة الذي تتزعمه، ولعل ما قاله سفيرها السابق في واشنطن مايكل اورن في مقاله في مجلة “اتلانتيك” من انها عقدت اجتماعين مغلقين لمجلس وزراء الحرب فيها الأسبوع الماضي لبحث كيفية مواجهة تهديدات الصواريخ الإيرانية واللبنانية (حزب الله) والسورية والفلسطينية (الجهاد وحماس)، والعراقية (الحشد الشعبي) التي قد يصل عددها الى حوالي 4000 صاروخ يوميا ستفشل القبب الحديدية في اعتراضها، وستدمر كل المطارات ومحطات الماء والكهرباء ومخازن غاز الامونيا الكيماوي في حيفا.
عندما تستطيع دولة الاحتلال الإسرائيلي حماية نفسها، وهي التي خسرت جميع حروبها مع العرب منذ هزيمة حزيران عام 1967، ففي هذه الحالة يمكن ان تعرض خدماتها بحماية الآخرين، وعدم الاعتداء عليهم.
***
التقرب من إسرائيل، والتطبيع معها بات هو الخطر الأكبر الذي يواجه دول الخليج في الأشهر والسنوات المقبلة بعد التغيير الجذري في معادلات القوى في المنطقة، وننصح دولة الامارات العربية المتحدة بعدم دعواتها للمشاركة في معرض “اكسبو” الدولي في تشرين اول (أكتوبر) المقبل، لان وجودها قد يكون مصدر خطر على امنها وامن المعرض، ولعل الكويت وقطر وسلطنة عُمان قد احسنت صنعا بعدم الانضمام الى الحلف الأمريكي الجديد لحماية الملاحة البحرية في الخليج، خاصة ان ثلاث دول أعضاء في حلف “الناتو” (بريطانيا وأستراليا وامريكا) من ست دول هي التي وافقت على المشاركة.
رحم الله أيام التحالفات الستينية والاربعينية والثلاثينية التي كانت تشكلها أمريكا بإشارة اصبع، لخوض الحروب ضد العراق او أفغانستان او ليبيا او سورية.
فعندما تتخلى أمريكا عن حلفائها الاكراد وتتركهم يواجهون مصيرهم وحدهم، وترفض خوض حروب للدفاع عن السعودية، او حتى الرد على اسقاط طائراتها على يد الصواريخ الإيرانية فوق مضيق هرمز، فان على إسرائيل ان تتحسس راسها.. والله اعلم.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2019/11/10