إنّها “المُواجهة” السوريّة التركيّة المُباشرة في إدلب وللمرّة الأولى مُنذ بداية الأزَمة..
عبد الباري عطوان
إذا صحّت التّقارير التي بثّتها وزارة الدفاع التركيّة وأكّدت فيها أنّها “حيّدت”، أيّ قتلت 101 جندي سوري كردٍّ على مقتل خمسة جُنود أتراك في قصفٍ للجيش العربي السوري لنُقطة مُراقبة تركيّة في ريف إدلب، فإنّ هذا إشعال فتيل حرب سوريّة تركيّة قد يتدخّل الجيش الروسي فيها إلى جانب حُلفائه السوريين.
إنّها أوّل مُواجهة عسكريّة مُباشرة بين الجيشين السوري والتركي مُنذ الأزَمة السوريّة مُنذ تسعة أعوام، ممّا يعني أنّ مُواجهات أخرى، ربّما تكون أوسع نِطاقًا، إذا لم يتم تطويق هذا التّصعيد بتدخّل روسي مُباشر، ومن قبل الرئيس فلاديمير بوتين على وجه التّحديد، وتَفِي تركيا بالتِزاماتها التي تعهّدت بتنفيذها في قمّة سوتشي في أيلول (سبتمبر) عام 2018.
فشل اجتماع اليوم في أنقرة بين وفدٍ عسكريّ روسيّ ونظيره التركيّ في التوصّل إلى اتّفاق يُخفّف من حدّة التوتّر في ريف إدلب النّاجم عن تقدّم الجيش العربي السوري واستِعادة سيطرته على عدّة مُدن ابتداءً من خان شيخون، ومُرورًا بمعرّة النعمان وانتهاءً بسراقب، ربّما أغلق كُل أبواب الحُلول الدبلوماسيّة، لمصلحة تعزيز خِيارات الحل العسكريّ والحرب المُباشِرة.
من الواضح أنّ رفض الوفد الروسيّ لمطالب نظيره التركيّ بانسِحاب الجيش السوري من جميع المُدن والبَلدات والقُرى التي سيطر عليها في ريف إدلب في الأسابيع القليلة الماضية هو الذي أدّى إلى انهيار المُباحثات وحُدوث التّصعيد العسكريّ، فلا يُمكن أن يُقدِم هذا الوفد الذي يحُط الرّحال في أنقرة للمرّة الثّانية في أقل من أسبوع دون أن يَحصُل على تعليماتٍ مُباشرةٍ من قِيادته في موسكو.
***
لا نعتقد أنّ هذا الهُجوم التركيّ على مواقع الجيش العربيّ السوريّ وسُقوط أكثر من مئة جنديّ ضحيّة له، سيَمُر دون رد، خاصّةً إذا وضعنا في اعتِبارنا أنّ هُناك قرارًا من القِيادة السوريّة العُليا صدَر في هذا الخُصوص، بدليل مقتل ثمانية جُنود أتراك قبل يومين وستّة ظهر اليوم.
رفض الوفد الروسيّ للمطالب التركيّة بانسِحاب الجيش السوريّ من المُدن التي استعادها يعني أنّ القِيادة الروسيّة تُؤيّد الموقف السوري وتدعمه، وأنّها هي التي أعطت الضّوء الأخضر لقصف نُقاط المُراقبة التركيّة، ومقتل الجُنود الأتراك، فلا يُمكن أن يُقدِم هذا الجيش على هذه الخطوة، أيّ قصف نُقاط المُراقبة التركيّة، دون التّنسيق مع الحليف الروسيّ.
لا نفهم لماذا يُعارض الجانب التركيّ سيطرة الجيش السوري على هذه المُدن الثّلاث، خان شيخون ومعرّة النعمان وسراقب، وبِما يؤدّي إلى فتح الطّريقين الدوليين بين دِمشق وحلب، وحلب اللاذقيّة، فهذه مُدنٌ سوريّة أوّلًا، وهذه الطّرق رئيسيّة تَربِط أهم مدينتين سوريتين بالعاصمة دِمشق، فهل يقبل الرئيس أردوغان أن تُسيطِر قوّات حزب العمّال الكُردستاني الانفِصالي على مُدنٍ تركيّة، وتقطع طُرق المُواصلات بين شرق تركيا وغربها؟
من غير المُستَبعد أن يكون الرئيس رجب طيّب أردوغان الذي أصدر تعليماته بقصف المواقع السوريّة بعد اجتماع طارئ مع وزير دفاعه خلوصي أكتار اليوم يُراهِن على الدّعم الأمريكيّ لتدخّل قوّاته في إدلب لمنع سُقوطها في يد الجيش العربي السوري، فمندوب الولايات المتحدة إلى جانب مندوبي الدول الغربيّة الأعضاء في حلف “النّاتو” عبّروا أثناء لقائهم على هامِش اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول إدلب أمس عن وقوفهم في خندق تركيا، العُضو في الحِلف، الأمر الذي قد يتطوّر إلى مُواجهةٍ مُباشرةٍ مع روسيا.
حلف النّاتو لم يقف مع تركيا أثناء أزمتها مع روسيا التي تمثّلت في إسقاط طائرة الأخيرة بصاروخ أطلقته طائرة تركيّة من طِراز “إف 16″، كما أنّ أمريكا أثناء إدارة باراك أوباما لم تسمح ببيع تركيا صواريخ “باتريوت” للدّفاع عن أجوائها، فلجأت إلى صواريخ “إس 400” الروسيّة، وإذا صحّت التّقارير حول عزم أمريكا إعادة تفعيل دورها، وحلف النّاتو في سورية، فإنّ هذا الموقف قد يتطوّر إلى صِدامٍ مُباشرٍ مع الرّوس، وجرّ العالم إلى حافّة حربٍ عالميّة ثالثة.
أمريكا وجميع الدول الغربيّة تقريبًا، لا تكُن أيّ ودّ لتركيا، وتُريد تحطيمها كقوّة إقليميّة عُظمى، وتُعارض تدخّلها العسكريّ في الأزَمة الليبيّة، ولا نستبعد أنّ الدول الغربيّة تُريد توريط الرئيس أردوغان في مِصيدة إدلب التي قد يَصعُب عليه الخُروج منها.
***
لم يَصدُر أيّ رد فِعل روسيّ أو سوريّ على هذا التّصعيد التركيّ حتّى كتابة هذه السّطور، ولكنّ هُناك ترجيحات من أكثر من مصدرٍ سوريّ، تُؤكّد أنّ الجيش العربي السوري لن يتراجع، وقد يَقصِف مُعظم، إن لم يَكُن جميع، نُقاط المُراقبة التركيّة في منطقة إدلب، ويتصدّى للتّعزيزات التركيّة التي وصلت حتّى الآن إلى 1500 دبّابة ومُدرّعة وأكثر من 5000 جندي، إلى جانب إعلان حالة التأهّب في صُفوف قوّات المُعارضة السوريّة المسلّحة المُوالية لتركيا.
الجيش العربي السوري يُقاتل على أرضه، ولاستِعادة مُدنه وقُراه الخارجة عن سيطرته، ووجود قوّات تركيّة في إدلب أو أيّ مكانٍ آخَر على الأراضي السوريّة وجودٌ غير مشروع يجب انسِحابها فورًا دون أيّ تردّد.
إدلب مدينة سوريّة يجب أن تعود الى حُضن الدّولة السوريّة مِثلما عادت حلب وحمص وتدمر وحماة ودير الزور وكُل المُدن السوريّة الأُخرى، سِلمًا أو حربًا، نُقطة ونهاية السّطر.. والأيّام بيننا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2020/02/11