الفينال «الليبي» الأميركّي على مشارف سرت والحكم الروسيّ!
محمد صادق الحسيني
لا ينفك العدوّان اللدودان أميركا وروسيا عن خوض الصراع على القرار وامتداداً على مصادر الطاقة وموارد القوة والنفوذ على امتداد السواحل والشطآن والأقطار والبلدان في شرق المتوسط… وآخر مشهد لهذا المعترك هو ليبيا العربية الأفريقية حيث تقاطع المصالح وتشابكها على أشده في هذه اللحظة التاريخية…!
وبين مدّ وجزر طال أمده بين «إمارة» طرابلس الغرب و«إمارة «بنغازي الشرق، حيث ظهرت قوتان ليبيتان متصارعتان منذ إسقاط القذافي واحدة بقيادة السراج مدعومة من تركيا وقطر المدعومتين من جزء من حلف الأطلسي والأخرى بقيادة حفتر المدعوم من تحالف السعودية والإمارات والعمق المصري المدعومين بدورهم في الظاهر من روسيا، ولكن أيضاً بدعم خفيّ من واشنطن، والحرب بينهما ظلت سجالاً!
الجنرال حفتر الذي ظهر في الشرق الليبي بمثابة حصان محلي ليبي حاول الروس ترويضه ليخرج من عباءة واشنطن، فيما استقر السراج كحصان ليبي آخر حاولت تركيا بدعم أطلسي خفي ان تربح الرهان الكلي الليبي من بوابته على حساب مصر وفي مغالبة خفية مع الروس!
وظلت الأمور بين شدّ وجذب الى ان وصل الطرفان الى محطة الهلال النفطي عند مدينة سرت حيث تجمد السباق لفترة بسبب ظهور معادلة ردع متبادل، كادت أن تطيح بحفتر سريعاً وتعلن انتصار السراج سريعاً، لكن الروسي الذي خبر لعبة الأمم انطلاقاً من المخاض السوري سرعان ما عاد ليخلط الأوراق من جديد…
وفجأة يظهر حفتر مجدّداً بصوت عالٍ وكأنه استعاد أنفاسه من جديد…
فماذا وراء هذا الظهور بعد ضمور؟
وتعليقاً على هذا الظهور الجديد وتصريحات الجنرال حفتر الأخيرة، التي اتصفت بسقف عالٍ جداً من التحدّي، علق أحد الخبراء العسكريين الغربيين، المتابعين للشأن الليبي، قائلاً:
1 ـ انّ صعود نجم عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق، عربياً ودولياً، هو أحد أهمّ أسباب قيام الجنرال حفتر بجولة على مواقع قواته، في أماكن مختلفة من ليبيا، وإدلائه بتصريحاته النارية الأخيرة.
ولكن المهمّ أن يتمّ تمحيص محتوى هذه التصريحات، التي أرى فيها بأنها رسالة الى عقيلة صالح، والدول التي زادت من دعمها له، أكثر من كونها تهديداً لتركيا وحكومة السراج المدعومة منها. وهو يريد، بهذه التصريحات، ان يقول لهم إنه لا زال موجوداً وفاعلاً ومن الصعب إلغاء دوره او إخراجه من المشهد.
2 ـ من هنا، فإنه قد قرّر القيام بمغامرة عسكريةٍ جديدة، في قاطع سرت/ أبو قرين على ساحل المتوسط، خاصةً انّ جميع داعميه، وبلا استثناء ليس لديهم ايّ مانعٍ من تنفيذه مغامرة كهذه، وذلك لأنهم «ليس لديهم من طريقةٍ لإزاحته من المشهد سوى الزجّ به في معركة خسارتها واردة».
اذ انّ داعمي حفتر يعتقدون بأنّ خسارته لمعركة سرت عسكرياً سوف يمهّد المسرح او المشهد لصالح قوىً سياسيةً أخرى، في المنطقة الشرقية، تملأ الحيِّز الذي يشغله حفتر حالياً، مما يخلق ظروفاً محلية، الى جانب الإقليمية والدولية، مناسبة لبدء عمليةٍ سياسية تؤدي الى إنهاء الحرب في ليبيا واعادة بناء الدولة الليبية الموحّدة على أسس جديدة، ترتكز الى خلق توازن في الحقوق والواجبات بين مواطني شرق ليبيا وغربها.
3 ـ وهذا، حسب تقديرنا، يؤكد ما كان لدينا من معلومات، حول إجماع دولي، على إنهاء دور حفتر في ليبيا. وما يضاعف تأكيد انتهاء دوره هي التحضيرات الجارية في الولايات المتحدة لفرض عقوبات، على حفتر شخصياً، ومصادرة أملاكه، المنقولة وغير المنقولة، في الولايات المتحدة.
بعد فشله في تأدية الدور، أيّ السيطرة على ليبيا، وتحويلها الى قاعدة للأنشطة الأميركية الهدامة، في كلّ أفريقيا وليس في ليبيا فقط، ما جعل الولايات المتحدة تحيل المهمة الى المجذوب التركي، خاصة انّ له أطماعاً كبرى، سياسية واقتصادية وعسكرية، في كلّ المغرب العربي وليس فقط في ليبيا.
اي ان الأميركي قد توصل الى قناعة بان دور الذيل التركي، عضو حلف شمال الاطلسي القوي عسكرياً والطموح عثمانياً، سوف يكون أكثر قدرةً لتأدية المهمة المطلوبة أميركياً. وهو الامر الذي نعيش مشاهده منذ عام ونيِّف تقريباً، اي منذ بدء هجوم حفتر على طرابلس الغرب، الذي استجلب التدخل العسكري التركي. وهو التدخل الذي بدا، نتيجة للمخطط المسبق والذي أُعد بعناية، وكأنه تحرك طبيعي من قبل اردوغان، الرئيس الاسلامي الذي يقدم المساعدة لحكومة اسلامية في ليبيا. لكن حقيقة الأمر هي كما أوضحنا اعلاه… ايّ انّ ما يحدث هو حلقات في مسلسل محكم الإعداد، يهدف في نهاية المطاف، الى تحويل ليبيا الى منصة لحلف الناتو والولايات المتحدة الأميركية، يتم فيها توطين قيادة أفريقيا في الجيش الأميركي، المسماة أفريكوم ( Africom )، التي ستشرف على مواصلة المناورة بفلول داعش وبوكو حرام وغيرهما من المسميات، في دول الساحل الأفريقية، من نيجيريا غرباً وحتى السودان شرقاً، وذلك بهدف :
أولاً : فرض السيطرة العسكرية الأميركية على كامل شمال أفريقيا، من بور سعيد شرقاً وحتى طنجه غرباً. وهذا يعني إطباق سيطرتها على شواطئ المتوسط الجنوبية، وذلك استكمالاً لسيطرتها على سواحله الشمالية، بدءاً من الاسكندرون السوري المحتل شرقاً، مروراً بمضائق الدردنيل والبوسفور على مداخل بحر مرمرة، ثم بحر ايجه لنصل الى محيط جزيرة كريت، التي تضم قواعد عسكرية أميركية بحرية وجوية، لنصل في ما بعد الى سواحل ايطاليا وفرنسا والبرتغال، حيث مضيق جبل طارق، الذي يفضي الى المحيط الاطلسي.
وهنا يجب ان نتذكر ان، هذه المناورة الاستراتيجية الواسعة، لا تهدف فقط للسيطرة على ثروات البلدان العربية الواقعة على الساحل الجنوبي للمتوسط، وانما هي تهدف ايضاً الى الإطباق الاستراتيجي على طرق إمداد الاسطول البحري الروسي في شرق المتوسط وقطع إمدادته المقبلة من روسيا، في حال حدوث اي مواجهة عسكرية استراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا او بينها وبين روسيا والصين على الجانب الآخر.
ثانياً: وكما اسلفنا أعلاه فإن الهدف هو تحويل ليبيا الى منصة إدارة حروب وتوترات وصراعات، لا نهاية لها في القارة الأفريقيّة، بهدف خلق حالة فوضى شاملة في كل انحاء القارة، تؤدي الى حالة انعدام للاستقرار السياسي في كل دول القارة، الأمر الذي سيقود بالضرورة الى الحاق اضرار بالغةٍ باقتصاديات دول القارة الأفريقية، العربية منها وغير العربية، ويجعل من دخول الاستثمارات الأجنبية الى هذه الدول أمراً بالغ الصعوبة، بسبب الأخطار الأمنية وحالة عدم الاستقرار السياسي في هذه الدول.
واذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان جمهورية الصين الشعبية لها من الاستثمارات، في مشاريع البنى التحتية على وجه الخصوص، في العديد من الدول الأفريقية، تزيد قيمتها الإجمالية على ثلاثمئة مليار دولار، وان لروسيا العديد من المشاريع الاستراتيجية في الاقتصاد والبنى العسكرية في دول أفريقية عدة، وأن روسيا لديها تفويض من مجلس الامن الدولي بإعادة هيكلة القوات المسلحة لأكثر من دولة أفريقية، في إطار جهود مكافحة الارهاب، فيصبح من السهل، على المتابعين فهم الأهداف الاستراتيجية، للولايات المتحدة الأميركية في ليبيا.
ثالثاً: تلك الاهداف، التي يمكن اختصارها في النقاط التالية :
أ) وقف مشاريع التعاون الاقتصادي الصيني مع الدول الأفريقية، الأمر الذي سيلحق ضرراً كبيراً بمشروع الصين العملاق، طريق واحد وحزام واحد، وبالتالي إلحاق اضرار كبرى بالاقتصاد الصيني، في محاولة لمنع تبوئها قيادة العالم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً خلال أعوام قليلة.
ب) خلق تهديد استراتيجي بحري، للأسطول الروسي في المتوسط، وما سينجم عن ذلك من أضرار على المصالح الروسية في الشرق الاوسط وأفريقيا، وما سيلحقه ذلك من تهديد لمشاريع التعاون الاقتصادي الروسي، سواءٌ مع دول شمال أفريقيا العربية او مع بقية الدول الأفريقية، ونخص من اوجه هذا التعاون بالذكر تعاون روسيا مع دول أفريقيا السمراء في مجالي التعدين والطاقة، النفط والغاز.
وختاماً، ومن اجل الموضوعية بشكل أساسي، فان من الواجب الإشارة الى ان حفتر والسراج وجهان لعملةٍ أميركية واحدة، وان انتصار احدهما على الآخر لا يعني انتصاراً للشعب الليبي وانما انتصار للبيت الابيض الأميركي ولساكن البيت الفلسطيني المقدسي المحتل، في حي الطالبية في القدس الغربية. الذي تسميه بلدية الاحتلال شارع بلفور، بنيامين نتن ياهو، الذي يدير قسماً من العمليات العسكرية في ليبيا عبر غرفة عمليات اسرائيلية في تشاد.
ليبيا على مفترق طرق ضمن لعبة الأمم بين موارد نفط وغاز واخرى قوة ونفوذ، لا حل لها الا على يد ليبيين من جنس جديد لا يعملون بمثابة حصان عند القوى والدول العظمى وانما رجال عاهدوا الله على خدمة شعبهم وأهلهم وخلاصه من دائرة نفوذ الأطلسي والاستكبار العالمي الطامع بثروات بلدهم!
بعدنا طيبين قولوا الله…
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/08/04