نحو وساطة روسية للتوفيق بين المتصارعين من شرق الفرات إلى شرق المتوسط
د. عصام نعمان
يحتدم صراع متعدّد الدوافع والمصالح من شرق الفرات إلى شرق المتوسط بين لاعبين إقليميين ودوليين. اللاعبون الناشطون: تركيا وإيران وسورية والعراق. اللاعبون المساندون: أميركا وروسيا وفرنسا و«إسرائيل» واليونان وقبرص. محور الصراع النفط والغاز، تتداخل فيه ومعه صراعات أخرى سياسية واقتصادية، يتوسلها اللاعبون بغية الحصول على مكاسب أو لتفادي خسائر سياسية واقتصادية.
أنشط اللاعبين في ميدان الصراع الممتدّ من أصقاع جبل قنديل في شمال العراق إلى البحر الأبيض المتوسط وصولاً الى سواحل ليبيا هو بلا شك تركيا. ذلك انّ رجب طيب أردوغان، بتطلعاته «العثمانية» الطموحة، يأمل بتحويل تركيا الى كبرى دول الإقليم وأغناها وذلك بالسيطرة على مكامن الغاز والنفط في رقعة جغرافية واسعة تمتدّ من شرق الفرات والبادية السورية إلى الصحاري الليبية مروراً بالجرف القاري لكلّ من تركيا وسورية وقبرص واليونان، فضلاً عن المنطقة الاقتصادية الخاصة لتركيا في البحر الأسود.
الولايات المتحدة محرجة لأنّ كلاًّ من تركيا واليونان عضوان في حلف شمال الاطلسي («الناتو»). روسيا أيضاً محرجة لأنها تحاول اجتذاب تركيا خارج «الناتو» بتزويدها أفعل وسائل الدفاع الجوي (S- 400) لكنها تحاذر إغضاب مصر شريكتها في الحصول على نفط ليبيا وغازها بدعم حليفها خليفة حفتر وحكومته التي تضع يدها على آبار النفط في شرق البلاد.
فرنسا كانت أسهمت في عملية الإطاحة بمعمر القذافي طمعاً بأن تكون لها الحصة الأكبر في نفط ليبيا وغازها. لذا فهي تقف مع اليونان، حليفتها في «الناتو»، التي تشكو من انّ تركيا تقوم بالتنقيب عن النفط والغاز في الجرف القاري العائد لها في البحر الأبيض المتوسط كما في الجرف القاري العائد لقبرص اليونانية.
«إسرائيل» تتوجّس من تركيا بعدما وقّعت مع قبرص واليونان على اتفاقية لمدّ انبوب بحري لنقل المشتقات النفطية من منشآتها البحرية قبالة شواطئ فلسطين المحتلة وصولاً الى أوروبا ما يجعلها منافسة قوية لتركيا بما هي الممرّ الجغرافي الطبيعي للغاز الروسي الى أوروبا.
سورية متضرّرة من تداعيات هذا الصراع المحتدم. فهي تشكو من قيام إدارة ترامب بنشر قوات أميركية في شرق الفرات، من محافظة الحسكة غرباً الى محافظة دير الزور شرقاً، ما يحرم حكومة دمشق الإفادة من آبار النفط القائمة في المحافظتين، كما من مكامن الغاز والنفط في بادية الشام شرق مدينة حمص. فوق ذلك، تقوم أميركا بتسليح فريقٍ من الكرد السوريين المتعاملين معها (قوات «قسد» تحديداً) بقصد تشجيعهم على الانفصال نهائياً عن سورية وإقامة كيان كردي مستقلّ.
إلى ذلك، وقعت إيران مع الصين اتفاقيات متعدّدة بمليارات الدولارات للتنمية الاقتصادية والصناعية والتكنولوجية. والمعروف أنّ للصين مخططاً اقتصادياً استراتيجياً معروفاً بإسم «الحزام والطريق»، يمتدّ من أراضيها في الشرق الاقصى مروراً ببعض دول آسيا الوسطى وصولاً الى إيران، على أن تكون له منافذ بحرية في غرب آسيا أهمها موانئ سورية ولبنان على الساحل الشرقي للمتوسط.
في ضوء هذه الوقائع والحقائق والمصالح والطموحات، قمتُ بعملية عصف فكري مع بعض الكتّاب من ذوي الخبرة في الشؤون الإستراتيجية، استخصلتُ بنتيجتها الأفكار والتوصيات الآتية:
أولاً: انّ إيران وسورية والعراق (كما روسيا) لديهم الكثير من النفط والغاز وليسوا تالياً في صدد منافسة تركيا في سعيها الحثيث للحصول على المزيد منهما في منطقة شرق المتوسط.
ثانياً: ليس من مصلحة تركيا ان تنشر الولايات المتحدة قوات لها في شرق الفرات لتمكين حلفائها الكرد من السيطرة على آبار النفط هناك واستثمارها لأنّ ذلك قد يؤدّي الى إقامة كيان كردي مستقلّ في شمال شرق سورية على مقربة من منطقة الكثافة الكردية في ديار بكر جنوبي شرقي تركيا ما يهدّد على المدى الطويل وحدة تركيا الجغرافية والسياسية.
ثالثاً: لا مصلحة لروسيا في إقامة وتشغيل أنبوب نقل الغاز والنفط من منشآت «إسرائيل» البحرية في شمالي غربي فلسطين المحتلة الى أوروبا عبر قبرص واليونان، كما لا مصلحة لها في تدخل فرنسا في ليبيا للاستحصال على حصة من نفطها وغازها ذلك لأنّ روسيا ومصر تتعاونان مع حكومة خليفة حفتر في شرق ليبيا ومن المنطقي تالياً ألاّ تكونا سعيدتين بتدخل فرنسا لمنافستهما على النفط والغاز الليبيين.
رابعاً: لإيران وروسيا مصلحة في التعاون مع الصين في مسار «الحزام والطريق»، لا سيما لجهة مصبّه البحري على الساحلين السوري واللبناني، كما على الساحل التركي.
خامساً: إزاء هذا الوئام في المصالح بين روسيا وإيران وروسيا وسورية، فإنّ من المنطقي بل من الضروري ان تقوم روسيا، بما لها من ثقل سياسي واقتصادي ومكانة استراتيجية، بوساطة فاعلة للتوفيق بين اللاعبين الإقليميين سالفي الذكر لا سيما بين سورية والعراق من جهة وتركيا من جهة أخرى.
من الواضح انّ جميع اللاعبين الإقليميين لهم مصلحة مشتركة في إنجاح وساطة روسيا في هذا المجال، خصوصاً في امرين استراتيجيين:
الأول، حلّ «المشكلة الكردية» التي تواجه تركيا وسورية والعراق وذلك بإكراه الولايات المتحدة على سحب قواتها من سورية والعراق ما يجعل سحب القوات التركية من شرق الفرات ومن محافظة إدلب ممكناً ومتاحاً بعد التوصل الى إعطاء الكرد السوريين حقوقهم بالتساوي مع سائر المواطنين السوريين وذلك في إطار حلّ سياسي ودستوري يتيح اعتماد اللامركزية الإدارية، ويحفظ سيادة سورية على جميع أراضيها.
الأمر الثاني، التوافق بين سورية والعراق وتركيا على التعاون الوثيق في استئصال ما يسمّى «تنظيمات الجهاد الإسلامي» الإرهابية التي باتت أدوات بيد الولايات المتحدة للنيل من العراق ووحدته في محافظات ديالي وصلاح الدين والأنبار، ومن سورية في محافظتي إدلب وحماة.
أما الصين فلها دور تلعبه مباشرةً (أو مداورةً من خلال روسيا) للتوفيق بين سورية والعراق من جهة وتركيا من جهة أخرى لضمان مسار «الحزام والطريق» في غرب آسيا.
بترسيخ الوئام بين دول غرب آسيا، يصبح لسياسة التوجّه شرقاً معنى وفاعلية.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2020/09/07