الانتخابات الأميركيّة ودعم العدو الصهيونيّ!
د. محمد سيد أحمد
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن العلاقة العضوية بين الولايات المتحدة الأميركية والعدو الصهيونيّ، وليست المرة الأولى أيضاً التي نتحدّث فيها عن العلاقة التاريخية بين مجتمعاتنا العربية والعدو الصهيوني، تلك العلاقة التي اتسمت بالعداء التام حتى نصر أكتوبر/ تشرين الأول 1973 حيث بدأ الأميركان في صياغة منظومة قيم جديدة داخل مجتمعاتنا العربية يحاولون من خلالها إنهاء حالة العداء مع الصهاينة ونسج علاقة جديدة على أقلّ تقدير تقبل بالتعايش معهم وتقوم بتطبيع العلاقات. وقد كانت خطة الأميركان تعتمد على قدرتهم في التأثير على دوائر صنع القرار داخل مجتمعاتنا العربية، وقد نجحت الخطة الأميركية ذات النفس الطويل في تحقيق ما خططت له على مدار ما يقرب من نصف قرن من الزمان.
والعلاقة بين مجتمعاتنا العربية والعدو الصهيوني علاقة تاريخية تجاوزت قرناً من الزمان، وارتبطت تلك العلاقة بمنظومة القيم التي تشكلت عبر التفاعلات الاجتماعية بين الطرفين، ففي الوقت الذي نشأت فيه فكرة قيام وطن قومي لليهود وتمّ الاستقرار على أن يكون هذا الوطن هو فلسطين العربية، بدأت العلاقة تتكوّن وبدأت منظومة القيَم تتشكل، وإذا كانت الفكرة الصهيونية الأساسية ترتكز على اقتلاع شعب من أرضه حتى يتمكّن اليهود من جمع شتاتهم عبر الاستيطان في هذه الأرض الجديدة فهذا يعني أنّ القيمة الناتجة عن عملية الاقتلاع ستكون هي العداء المطلق.
وبالفعل بدأت عملية التهجير القسريّ للشعب الفلسطيني وبشكل ممنهج منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتعدّ هذه العملية من أكثر عمليات انتهاك حقوق الإنسان في تاريخ البشرية، لذلك لا عجب أن تتشكل منظومة قيم عدائية تجاه الصهاينة المغتصبين للأرض والتي تعرف في الثقافة العربية التقليدية بأنها عرض، وبالطبع وجد العدو الصهيوني في القوى الاستعمارية ضالته المفقودة، حيث ساعدته ومكّنته من عمليات التهجير القسريّ مما مكّنه من إعلان دولته المزعومة قرب منتصف القرن العشرين.
وفي أعقاب إعلان الدولة المزعومة للعدو الصهيوني كان الصراع العربي معه قد بدأ، حيث تحرّكت ستة جيوش عربية للدفاع عن الأرض الفلسطينية المغتصبة في عام 1948 وكانت هزيمة الجيوش العربيّة بداية جديدة لترسيخ قيّم العداء لهؤلاء الصهاينة ليس فقط على مستوى الشعب الفلسطيني بل على مستوى الشعب العربي بكامله من المحيط إلى الخليج، ومما زاد ووسع رقعة العداء هو مشاركة العدو الصهيوني في العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956.
ثم كان التحرك الأكبر لتوسيع رقعة العداء وترسيخه داخل منظومة القيم العربية بالعدوان الجديد في 5 يونيو/ حزيران 1967 حيث نالت الأمة العربية هزيمة جديدة في مواجهة العدو الصهيوني، وتمّ اغتصاب أرض عربية جديدة في فلسطين ومصر وسورية والأردن ولبنان وهي دول المواجهة مع العدو الصهيوني، وبذلك تأكدت الفكرة الصهيونية التاريخية والتي تتجسّد في مقولة «دولتك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل»، وهي العبارة المسجّلة فوق باب الكنيست والتي تجسّد الأطماع الصهيونيّة في الأرض العربية.
وتحت ضغط الشعب العربي الغاضب خاضت مصر وسورية وبدعم عربي شبه كامل حرب أكتوبر/ تشرين 1973 حيث تمكّنت من هزيمة العدو الصهيوني، الذي قرّر بعدها اتباع سياسة جديدة برعاية أميركية يسعى من خلالها لإنهاء الصراع العربي معه، وإحلال سلام مزعوم عبر تسويات عربية منفردة، وهنا جاءت كامب ديفيد والتي شكلت بداية الخلل في منظومة القيم العربية التقليدية في مواجهة العدو الصهيوني، حيث بدأ التطبيع الرسميّ مع العدو، ورغم المقاومة الشعبية إلا أنه مع الوقت بدأت تتسع دائرة المطبّعين سراً ثم جهراً.
ولم تعُد المسألة تطبيعاً رسمياً فقط بل بدأت بعض الأصوات داخل النخبة السياسية والثقافية العربية تنادي بالتطبيع مع العدو الصهيوني وهو ما ألقى بظلاله على منظومة القيّم العربية تجاه هذا العدو، حيث تأثر العقل الجمعي بشكل كبير فعندما حاول ترامب خلال فترة ولايته الأولى تقديم الدعم للعدو الصهيونيّ من أجل نيل رضا اللوبي الصهيوني بالداخل الأميركي وأعلن عن نقل سفارة بلاده إلى القدس، ثم إعلان القدس عاصمة أبدية للعدو الصهيوني، وأخيراً ضمّ الجولان واعتبارها جزءاً من دولة العدو الصهيوني المزعومة، لم نشهد تلك التحركات الشعبية الغاضبة التي كانت تنفجر في مواجهة أيّ فعل عدائي يقوم به العدو الصهيوني ضدّ مجتمعاتنا العربية، بل أصبح هناك من يرى زيارات ومقابلات المسؤولين الصهاينة أمراً عادياً لا يستدعي الغضب.
ولم تتوقف الولايات المتحدة الأميركية عند ذلك الحدّ بل لا تزال تمارس خطتها الجهنمية في تغيير منظومة القيم المطبعة مع العدو الصهيوني، حيث استغلّ ترامب قرب الانتخابات الرئاسية وقام بإقناع بعض الدول العربية بتوقيع اتفاقيات سلام مزعومة جديدة في محاولة أخيرة منه لحسم سباق الرئاسة لمصلحته عبر كسب أصوات ودعم اللوبي الصهيوني له في المجمع الانتخابي الفيصل في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
لذلك يجب علينا أن ندعم قيَم العداء في مواجهة العدو الصهيوني، ونعيد ترسيخها داخل العقل والضمير الجمعي العربي، ونكشف زيف ادّعاءات تيار التطبيع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي مع العدو الصهيوني والذي يرفع راية السلام المزعوم، وهو التيار الذي ترسّخ منذ كامب ديفيد وحتى اليوم واستطاع عبر السنوات الأخيرة أن يكسب أرضيّة واسعة لدى الأجيال الجديدة التي تحصل على معارفها ومعلوماتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي يسيطر عليها الأميركان والصهاينة وأعوانهم داخل مجتمعاتنا العربية.
اللهم بلغت اللهم فاشهد.
جريدة البناء
أضيف بتاريخ :2020/10/22