السباق بين بايدن وترامب «على المنخار»
ناصر قنديل
محاولة استقراء مسار السباق الانتخابي بين المرشحين الرئاسيين في الانتخابات الأميركية الثلاثاء المقبل، ليست تحبيذاً لمرشح ولا رهاناً على وصول مرشح، ولا مشاركة في لعبة الترجيح، بل هي محاولة مجردة على قاعدة البحث بالمعطيات المتوافرة لتسهيل فهم المشهد الانتخابي في دولة بحجم تأثير أميركا على العالم كله عموماً، وعلى منطقتنا خصوصاً، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لأن الفرق كبير بين عدم الوقوع في عبودية الرهانات واستلاب الانتظار، وبين السعي للفهم وامتلاك المعرفة.
النقطة الأولى التي لا بد من تثبيتها ولو كانت تحصيل حاصل في معرفة السياق الانتخابي الرئاسي الأميركي عند المتابعين، هي عدم كفاية الأخذ بنتائج استطلاعات الرأي لتوزع نسب الناخبين بين المرشحين، حيث يمكن لمن يفوز بأغلبية أصوات الناخبين أن يفشل بالفوز الرئاسي كما حدث مع المرشح آل غور عام 2000 عندما خسر أمام الرئيس جورج بوش، رغم فوزه بأغلبية أصوات الناخبين، بثورة تنبأت به وأصابت استطلاعات الرأي، وتكرر الأمر ذاته عام 2016 مع المرشحة هيلاري كلينتون التي خسرت السابق الرئاسي أمام الرئيس دونالد ترامب رغم فوزها بأغلبية أصوات الناخبين وفقاً لما توقعت استطلاعات الرأي وأصابت، والسبب كما هو معلوم يعود لطبيعة النظام الانتخابي الأميركي القائم على ترجمة نتائج الانتخابات في كل من الولايات الأميركية باختيار ممثلين للولاية في المجمع الانتخابي بعدد من الأصوات بوازي حجم الولاية السكاني ونسبة تمثيلها في الكونغرس، يناله من ينال أغلبية اصوات الولاية عموماً، باستثناء ولايتين فقط تتوزّع فيهما مقاعد الممثلين نسبياً بين المرشحين الرئاسيين بحجم ما يناله كل منهما من أصوات ناخبي الولاية، وهناك ست ولايات تملك وحدها أكثر من ثلث أعضاء المجمع الانتخابي (191 من أصل 538) هي ولايات كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا ونيويورك وبنسلفانيا والينوي، ويمكن ببساطة أن تتركز أصوات الناخبين الذين يمنحون تصويتهم للمرشح الحاصل على غالبية كاسحة تزيد عن الحاجة لنيل تمثيلها في المجمع الانتخابي بينما يخسر تمثيل ولايات أخرى بفارق بضعة أصوات.
في الانتخابات الحالية تشكل انتخابات 2016 نقطة انطلاق لاستقراء المسار الانتخابي، ورغم استطلاعات الرأي التي تقول بتفوق وتقدم المرشح جو بايدن على الرئيس دونالد ترامب يبدو كلام ترامب الواثق من الفوز خارج السياق ظاهرياً، لكن التدقيق بتفاصيل معركة كسب أصوات المجمع الانتخابي تمنح لتفاؤله أسباباً موجبة، حيث فاز ترامب عام 2016 بمجموع 306 مندوبين مقابل 232 لهيلاري كلينتون، رغم فوز كلينتون بفارق يقارب ثلاثة ملايين صوت على ترامب في مجموع تصويت الناخبين، الذين توزعوا بنسبة 48% لحساب كلينتون و46% لترامب، وتسهيلا لفهم المشهد الانتخابي الراهن ننطلق من الولايات الـ14 المتنازع على تمثلها بين المرشحين وتصويتها السابق والمتوقع، وفقاً لاستطلاعات الرأي، والتي تملك بمجموعها 212 صوتاً في المجمع الانتخابي والولايات هي: أريزونا (11 مندوباً) وفلوريدا (29) وجورجيا (16) وايوا (6) وميشيغين (16) ومينسوتا (10) ونيفادا (6) ونيوهامشير (4) وكارولينا الشمالية (15) وأوهايو (18) وبنسلفانيا (20) وتكساس (38) وفرجينيا (13) ووسكنسون (10)، ووفقاً لنتائج عام 2016، حازت كلينتون منها على تصويت 33 مندوباً يمثلون 4 ولايات هي مينسوتا ونيوهامشير ونيفادا وفرجينيا، بينما حاز ترامب على سائر مندوبي الولايات الـ10 الأخرى البالغ 179 مندوباً.
– يحافظ الحزبان الجمهوري والديمقراطي على أغلبيات كافية للفوز بسائر الولايات التي فاز كل منهما بها في انتخابات 2016، والتي تمنح بايدن في هذه الانتخابات 2020 199 مندوباً وتمنح ترامب 127 مندوباً، وفيما تقول استطلاعات الرأي في الولايات أن بايدن سيحافظ بقوة على الولايات التي فاز بها حزبه من الولايات المتنازع عليها، ضامناً فوارق بين 6% و9% عن الأصوات التي سينالها ترامب في هذه الولايات، بحيث يضمن بايدن الـ 232 مندوباً الذين حققتهم كلينتون، بينما يفشل ترامب في حسم أي من الولايات التي فاز بها عام 2016 وفق استطلاعات الرأي، باستثناء أوهايو وتكساس (56 مندوباً) بفوارق 2-3% بينما كان قد فاز بها بفوارق 8-9% عام 2016، ويصير مجموعه 183 مندوباً.
– يتنافس بايدن وترامب على 8 ولايات منها 3 ولايات هي وسكنسون وبنسلفانيا وميتشيغن، فاز بها ترامب بفوارق بين 0.7 و1.5% فقط، وتشير استطلاعات الرأي فيها الى تفوق حملة بايدن بنسب تتراوح بين 5-7%، وهذه الولايات تؤمن لحملة بايدن 46 مندوباً، فيصل الى رقم 278 مندوباً، مقابل 183 مندوباً لترامب، والمطلوب للفوز تجميع 270 مندوباً يمثلون أغلبية المجمع الانتخابي البالغ 538 مندوباً، لينحصر التنافس في ولايات أريزونا (11) وفلوريدا (29) وجورجيا (16) وأيوا (6) وكارولينا الشمالية (15)، فإذا كرر ترامب حسم تمثيلها بنيل 77 مندوباً سيحصل على مجموع 260 مندوباً فقط.
وفقاً لحملة ترامب الفوز مضمون في الولايات الخمسة رغم استطلاعات الراي التي تمنح الفوز لبايدن، مستندة الى ان الفارق لا يتعدى الـ 2% في كل من هذه الولايات، وهي فوارق تقع ضمن هوامش الخطأ العلمي في الاستطلاعات، وتتيح فرصة فوز ترامب بالقدرة على تخطيها، ووفقاً للقيمين على الحملة تشكيك بقدرة حملة بايدن على حسم مشيغين، رغم فارق الـ 7% في استطلاعات الرأي لصالح بايدن، وهذا يطرح مصير 16 مندوباً فاز بهم ترامب عام 2016 بفارق 0.2%، ويعيد بايدن الى رقم الـ 262 مندوباً، فيخسر الانتخابات كلها، وبالمقابل تراهن حملة بايدن على تعزيز فرصها بالفوز بمندوبي فلوريدا (29) في ظل تفوق بفارق 2% في استطلاعات الراي، مقابل فوز ترامب بها عام 2016 بفارق 1.2% وهو الأدنى بالقياس لسائر الولايات التي يسعى ترامب للفوز بها، واذا صحت تقديرات حملة بايدن سيفوز بالرئاسة بـ 307 مندوبين أي بزيادة مندوب عن فوز ترامب عام 2016، بينما اذا اصابت حملة ترامب بتقديراتها فسيفوز بـ 276 مندوباً.
السباق على المنخار هو تعبير يستخدمه متابعو سباقات الخيل، وبين ترامب وبايدن حيث التسليم بفوز بايدن بأغلبية الأصوات بات محسوماً، يدور التنافس على مصير ميشيغين التي يكفي أن يخسرها بايدن من دون أن يكسب فلوريدا لتترجح حظوظ ترامب الذي يحتاج فوزاً بست ولايات ليضمن فوزاً رئاسياً على الحافة بتفوق بـ6 مندوبين فوق الغالبية المطلوبة وفارق 14 مندوباً عن المنافس بايدن.
جريدة البناء
أضيف بتاريخ :2020/10/28