ما الحلّ لترسيم الحدود البحريّة ومواجهة التهويل الأميركيّ؟
العميد د. أمين محمد حطيط
بات واضحاً أنّ الموقف الأميركيّ من مسألة ترسيم الحدود البحرية للبنان مع فلسطين المحتلة، متوقف عند السقف الذي أعلن في العام 2014 والذي ترجم بما أُسمي “خط هوف” وهو الخط الذي يعتبر أنّ منطقة النزاع حول الضلع الجنوبي للمنطقة الاقتصاديّة البحرية للبنان، محصورة بـ 860 كلم2 هي المساحة الواقعة بين خط النقطة (1) التي أنتجها وفد السنيورة بمفاوضاته في قبرص وغر المستندة إلى علم أو قانون، وخط النقطة (23) التي اعتمدتها حكومة نجيب ميقاتي في العام 2011 وترجمته في المرسوم 6433 الذي أودعته الأمم المتحدة بعد أن نظمته على أساس دراسة لجنة لبنانية شكك بدقتها حيث أهملت الأخذ بتقرير المركز الهيدروغرافي البريطاني المتطابق مع دراسة لبنانيّة عسكريّة مرتكزة على قانون البحار واتفاقية بوليه نيوكمب، وهو التقرير الذي يتخطى النقطتين السابقتين ويعتمد النقطة (29) بما يرفع المساحة المتنازع عليها إلى 2290 كلم2 وهو ما يتمسك به الوفد اللبناني المشارك في مفاوضات الناقورة غير المباشرة مع “إسرائيل”…
ويبدو أنّ سبب إصرار أميركا على حصر التفاوض بمساحة 860 كلم2 واعتبار خط هوف هو الحل، عائد إلى أنّ هذا الحلّ من شأنه أن يحرّر “حقل كاريش” الذي تزعم “إسرائيل” بأنه لها بكامله، ويجعل حقل “قانا” للبنان مشتركاً بين لبنان والعدو “الإسرائيلي” بمساحة تتعدّى الـ 40 % للعدو و60% للبنان، الأمر الذي يفقد لبنان أيّ حق في استثمار منفرد لحقل نفطيّ في جنوبي المنطقة الاقتصادية ويضطره إلى الاختيار بين حلين: إما تجميد التنقيب في جنوبي البلوك 9 أو القبول بالاستثمار المشترك مع العدو “الإسرائيلي” وفتح باب للتطبيع الاقتصاديّ يكون المدخل لتطبيع أوسع!
ولذلك تتمسك أميركا بطرحها لا بل “إملائها” هذا مستفيدة من انقسام لبنانيّ حول الموضوع، انقسام يظهر في موقفين رئيسيين موقف يتمسك بالمرسوم 6433 ويرفض فكرة التعديل ويحاكي بهذا الموقف الأميركي ويأخذ بالتهويل ويحذر من أنّ التعديل سيوقف المفاوضات، ويفوّت فرصة الترسيم ما سيتسبّب بوقف التنقيب كلياً وضياع الثروة المأمولة، وفريق يرى أنه لا يجوز أن ندخل التفاوض ولدينا خط رسميّ مودع لدى الأمم المتحدة يقزم مطالب لبنان ويهدر حقوقنا وخط تفاوضيّ يطرحه الوفد اللبناني في الناقورة يتمسك بالحقوق اللبنانيّة وفقاً للتفسير الحديث لقانون البحار ولاجتهادات محكمة العدل الدوليّة واتفاقية الحدود البرية، فهذه الازدواجية مثيرة للسخرية ويجب حسم الأمر والخروج بخط واحد يستند إلى العلم والقانون وهو ما يمثله خط (29).
إنّ عدم تعديل المرسوم 6433/ 2011 والخضوع للضغط الأميركي والاكتفاء بالتفاوض حول الـ 860 كلم2، تمهيداً للقبول أخيراً بخط هوف كما هو محضر ومعدّ سلفاً وكما توحي التصرفات “الإسرائيلية” بأنّ هناك اتفاقاً مسبقاً مع الأميركيين عليها، وإلا لما كانت جاءت إلى المفاوضات أصلاً، أنّ هذا الأمر من شأنه تنازل لبنان عن مساحة 1430 كلم2 قبل البدء بالتفاوض، ثم التنازل عن 400 كلم2 نتيجة التفاوض والاكتفاء بمساحة 470 كلم2 من أصل 2290 كلم2 أيّ الحصول على 20% فقط من مجمل المساحة التي هي حقّ له حسب القانون.
إنّ المصلحة الوطنيّة العليا تفرض درء هذه الخسارة والتصدي بشجاعة وصدق ومسؤولية عالية للموقف من اجل حماية الحقوق اللبنانية ما يفرض المسارعة إلى اتخاذ موقف مما يلي:
1 ـ الحلّ الأول وهو الأقوى والأمثل ويتضمّن تعديل المرسوم 6433 بقرار من مجلس الوزراء، وإسقاط كلّ الخطوط الخطأ من 1 إلى 23 إلى خط هوف واعتماد خط واحد هو خط 29. وإذا تذرّع البعض بأنّ الحكومة مستقيلة فيردّ عليه بأنّ الدستور ينص على تصريف الأعال من قبل الحكومة المستقيلة وتصريف الأعمال لا ينحصر بعمل الوزير منفرداً في وزارته فقط، بل يعني وبكلّ تأكيد عمل مجلس وزراء أيضاً الذي هو السلطة التنفيذية، وكما أنّ الوزير يقوم منفرداً بمهامه في إطار ضيّق لتصريف الأعمال، فعلى مجلس الوزراء أيضاً أن يقوم بتصريف الأعمال في الإطار الضيّق. وهنا يدخل حتماً في هذا الإطار من تصريف الأعمال موضوع تعديل المرسوم 6433 المتعلق بحماية مصلحة وطنية عليا عرضة للضياع ونعتبر أنّ الاستنكاف عنه هدر لحقوق وطنية يحدق بها الخطر إذا تأخر البتّ بالموضوع.
2 ـ الحلّ الثاني: إبقاء المرسوم 6433 حيث هو وإرسال تعديل لإحداثيات النقطة 29 لتحلّ محلّ إحداثيات النقطة 23، وأن المادة 3 من المرسوم تعطي لبنان الحق بإجراء مثل هذا التعديل والمادة 4 تنيط برئيس الحكومة الإبلاغ عن هذه التعديلات الجهات المعنيّة، وبالتالي أنّ هذا الحلّ يتطلب فقط توافقاً بين رئيسي الجمهورية والحكومة وإرسال رئيس الحكومة عبر الخارجية كتاب تعديل الإحداثيات. وهذا مؤكد على حق لبنان به قبل البدء بالمفاوضات وخلالها وأثناء توقفها.
3 ـ الحلّ الثالث سحب المرسوم 6433 من الأمم المتحدة عند العودة إلى المفاوضات وتمسّك الوفد المفاوض بخط 29 وإعلان هذا رسمياً. ويكون السحب والعودة متزامنان في الآن نفسه وعندها يتحرّر الوفد المفاوض من الخط 23 وتنتهي الازدواجيّة في الخطوط، وهذا الحلّ يتطلب رسالة من وزارة الخارجية اللبنانية إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة يشعرها فيها بأنّ هناك معطيات جديدة توجب مراجعة المرسوم 6433 وتقتضي إعادته، على أن يكون ذلك متزامناً كما ذكرنا مع العودة إلى طاولة التفاوض.
إنّ مصلحة لبنان لا بل من واجبه الملحّ جداً أن يسارع إلى إعلان منطقة الـ 2290 كلم2 هي منطقة نزاع ولا يتحقق ذلك إلا بسلوك حلّ من الحلول الثلاثة أعلاه، وأنّ هذا الإعلان من شأنه أن يغلّ يد “إسرائيل” عن التنقيب في تلك المنطقة ما سيضطرها للعودة إلى طاولة التفاوض أو التنقيب خارج المنطقة، كما أنّ لبنان في حال عدم العودة إلى التفاوض يستطيع أيضاً أن يبتعد عن المنطقة المتنازع عليها وينقب خارجها. بمعنى أنّ منطقة النزاع ستقفل على الطرفين حتى يتمّ بتّ أمرها وتفتح عندها للطرفين بالمقدار الذي تفضي المفاوضات إليه. وعليه نرى بأنّ كلّ ما تهوّل به “إسرائيل” وأميركا على لبنان به إذ عدل المرسوم أو راجع الإحداثيات هو كلام بكلام وتهويل فارغ يسقطه لبنان بصلابة موقفه المعبّر عنه من قبل رئيس الجمهورية والوفد المفاوض.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2021/04/16