لغز إسقاط الطائرة المصرية ما زال مستمرا..
عبد الباري عطوان ..
أن يسخر السيد شريف فتحي وزير الطيران المصري من تعدد الافتراضات والتكهنات حول أسباب سقوط الطائرة المصرية، التي كانت في طريقها من باريس إلى القاهرة، قائلا إن “كائنات فضائية ضربت الطائرة”، فإن هذه السخرية في محلها تماما، ويتحمل مسؤوليتها الوزير نفسه وبعض مساعديه، لأن معظم التسريبات المتناقضة حول الطائرة المنكوبة تصدر عنهم.
ندرك جيدا حجم المأساة التي نتجت عن سقوط الطائرة، والوضع السياسي والتقني المحرج للسلطات المصرية من جراء ذلك، فهذه ثاني طائرة يتم إسقاطها بعمل إرهابي في الأجواء المصرية، الأولى كانت تقل سياحا من الروس، أقلعت لتوها من مطار شرم الشيخ، ولكن غياب الشفافية، وإعطاء المعلومات غير الدقيقة لرأي عام مصري ودولي متلهف، هو الذي يفتح الباب على مصراعيه أمام التكهنات من هذا الطرف أو ذاك.
السيد فتحي كان من أوائل المسؤولين المصريين الذين أكدوا احتمالية تعرض الطائرة لتفجير في الجو، وقلل كليا من جميع الاحتمالات الأخرى، بما في ذلك حدوث خلل فني، وغضب غضبا شديدا لأن محطة “سي ان ان” الأمريكية نقلت، رواية من مصادر لم تسمها، عن فرضية إقدام الطيار على الانتحار بحرف طائرته عن مسارها وتحويلها إلى صاروخ يرتطم بالبحر.
***
اليوم نقلت وكالة “رويترز″ العالمية عن طبيب شرعي مصري فحص بقايا أشلاء بعض الضحايا التي تم انتشالها من البحر قوله، إن التحقيقات تشير إلى حدوث انفجار داخل الطائرة على الأرجح، ليخرج علينا السيد فتحي مرة أخرى لينفي نفيا قاطعا هذه المعلومة، وأوعز للدكتور هشام عبد الحميد رئيس قطاع الطب الشرعي المصري، وكبير الأطباء الشرعيين إصدار بيان رسمي يؤكد فيه عدم صحة المعلومات حول احتمالية التفجير، وقال “إن كل ما نشر في هذا الشأن ليس له أي أساس من الصحة، ومجرد افتراضات لم تصدر عن مصلحة الطب الشرعي، أو أي طبيب من العاملين فيها”.
الشيء نفسه تقريبا تكرر أثناء سقوط الطائرة الروسية نتيجة انفجار قنبلة داخلها فوق سيناء بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ، فقد ظلت السلطات المصرية تنفي فرضية التفجير حتى بعد أن أكدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنفسه، وأمر بوقف جميع رحلات الطائرات الروسية إلى المطارات المصرية.
المصادر المصرية التي نقلت عنها وكالات الأنباء العالمية، أكدت على أن الفحص الأولي للطب الشرعي المصري اثبت حدوث انفجار “لأن الطائرة لو سقطت سليمة ستكون الجثث في حالتها أشلاء كبيرة جدا، أو العثور على الجثامين كاملة، وحدوث انفجار في الرأس فقط نتيجة فرق الضغط، ولكن فرق البحث، وهي فرنسية ومصرية وايطالية، عثرت على مجموعة من أشلاء الضحايا، وتم تسليمها إلى مصلحة الطب الشرعي، وكانت عبارة عن قطع صغيرة في حجم كف اليد أو أصغر”.
نحن لسنا خبراء في التفجيرات فهذا الأمر متروك لأصحابه، ولكن ما يهمنا بالدرجة الأولى هو حالة الارتباك والتضارب في المعلومات الصادرة عن سلطات الطيران المصرية، الأمر الذي أحدث حالة من البلبلة، وفتح الميدان واسعا أمام الافتراضات والتكهنات.
مصدر مسؤول في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي كان أول من أكد سقوط طائرة شرم الشيخ من جراء انفجار قنبلة بعد يوم واحد من الحادث، وأكد يوم أمس أن الطائرة المصرية الأخيرة أسقطت بالطريقة نفسها، وقال خبير فرنسي آخر يدعى جان بول ترواداك إن فرضية التفجير هي الأكثر ترجيحا، وأضاف، وهو المدير السابق للمكتب الفرنسي للتحقيقات والتحاليل، “أن الذي يدعم فرضية التفجير عدم صدور نداء استغاثة يشير إلى عطل فني مفاجيء”، فلماذا التشكيك بهذه النظرية بمثل هذه الطريقة غير المقنعة؟
السؤال الأهم ليس ما إذا كانت الطائرة سقطت بانفجار قنبلة، وأنما من الذي وضع هذه القنبلة في داخلها، وفي أي محطة، هل في مطار باريس، أو في مطار أسمرة الاريتري، الذي توقفت فيه قبل إقلاعها إلى باريس؟
***
حتى كتابة هذه السطور لم تعلن أي جهة إرهابية مسؤوليتها عن هذا التفجير، وخاصة “الدولة الإسلامية” التي سارعت بإعلان مسؤوليتها عن تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء، الأمر الذي يضيف لغزا جديدا إلى مجموعة أخرى من الألغاز حول هذه الجريمة البشعة.
السلطات المصرية يجب أن تعلم جيدا أننا في عالم مفتوح، يعيش ثورة في المعلومات، ويعج بوسائل الاتصال التقليدية أو الالكترونية، وبات من الصعب استخدام الأساليب القديمة في إخفاء المعلومات، أو حجبها عن “الرأي العام”.
التأكد من المعلومات قبل إطلاقها أمر ضروري، ولكن تناقضها وتضارب مصادرها يكشف عن خلل كبير، خاصة إذا كانت تتبع جهة رسمية واحدة.
نتعاطف كليا مع مصر في هذا المصاب الأليم، مثلما نتعاطف مع أهالي الضحايا، ونؤمن بأن هناك جهات إرهابية عدة تريد زعزعة استقرارها وأمنها، وضرب اقتصادها، وزيادة معاناة شعبها الطيب الصبور، وتدمير أحد أبرز مصادر الرزق، وهو القطاع السياحي، ومعه واحدة من أعرق شركات الطيران في العالم، وهي شركة مصر للطيران، وندين بشدة أي محاولة للشماتة من أي جهة كانت، ففي هذا المصاب يجب أن يقف الجميع مع مصر، ويضع الخلافات جانبا.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/05/25