آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

اقتحام ’منبج’ أخر معاقل “الدولة الإسلامية” وأقواها في جوار حلب نقطة تحول رئيسية في المشهد السوري

 

عبد الباري عطوان ..

يتبادل الجانبان الأمريكي والروسي الاتهامات باختراق اتفاق الهدنة في سورية، والتفاهمات بين الجانبين حول التسوية السياسية، ويقول كل طرف أن “كيله طفح”، لكن الأمر المؤكد أن كيل “الدولة الإسلامية” هو الذي طفح فعلا، بعد خسارتها مدينتين إستراتيجيتين في أقل من أسبوع، الأولى هي مدينة الفلوجة، في العراق، والثانية مدينة منبج الإستراتيجية في جوار حلب.

 

صحيح أن مدينة الفلوجة تشكل أهمية خاصة لـ”الدولة الإسلامية” لأنها لا تبعد أكثر من ستين كيلومترا من العاصمة بغداد، وتشكل حاضنة سنية قوية ومتشددة، ولكن خسارة “الدولة” لها لا تقارن بخسارتها لمدينة منبج، التي دخلتها قوات سورية الديمقراطية أمس، لكونها تقع على خط الإمداد الرئيسي للتنظيم بين الحدود التركية ومدينة الرقة العاصمة.

 

هذه “الانتصارات” المتواصلة التي تحققها قوات سورية الديمقراطية بغطاء جوي أمريكي في منطقة حلب، بالتوازي مع أخر روسي في الرقة، وقوات خاصة أمريكية وفرنسية وروسية، تحولها إلى الرقم الأهم في المعادلة العسكرية على الأرض السورية، مما يعني أن هذه القوات، التي يشكل الأكراد عمودها الفقري، ستكون قوة موازية للجيش العربي السوري، وربما منافسة له في المستقبل المنظور.

 

مهمة هذه القوات في الوقت الراهن معروفة ومعلنه، وتنحصر في قتال “الدولة الإسلامية”، وإنهاء سيطرتها على مناطق رئيسية في شرق سورية وشمالها، بدعم أمريكي روسي مشترك جوا وبرا، ولكن السؤال الملح هو عن أدوارها ومهامها المستقبلية في سورية والمنطقة بأسرها، في إطار ما يتم تداوله من سيناريوهات يجري إعدادها في غرف سرية مغلقة.

***

هناك أمران مهمان في هذا الصدد لا بد من وضعهما في عين الاعتبار، الأول أن حلّ هذه القوات في حال انتهاء مهمتها يبدو مستبعدا، أن لم يكن غير وارد أصلا، الأمر الذي يستنبط سؤالا آخر حول دورها المستقبلي، والمكافأة التي ستحصل عليها من القوتين العظميين بعد انجاز مهامها كاملة؟

 

لا نستبعد أن تصبح قوات سورية الديمقراطية هذه إلى الجيش الرسمي المعتمد لأي كيان كردي تخطط الدولتان العظميان لإقامته على طول الحدود السورية الشمالية بمحاذاة نظيرتها التركية، وما يدفعنا للوصول إلى هذا الاحتمال، حجم التسليح والتدريب، وحال التهميش التي تعيشها تركيا، وبشكل متصاعد، تجاه الملف السوري بشقيه السياسي والعسكري، وامتداد الحالة التهميشية نفسها إلى شركائها العرب مثل المملكة العربية السعودية وقطر.

 

المخطط الروسي الأمريكي للقضاء على “الدولة الإسلامية” يحقق تقدما ملموسا يوما بعد يوم، والأراضي التي تسيطر عليها هذه الدولة، والفصائل الإسلامية الأخرى المشابهة مثل “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” تتآكل بشكل مضطرد، وهذا لا يعني أن هذه “الدولة” سترفع الراية البيضاء استسلاما، فهذا تكهن سابق لأوانه، وما يمكن حدوثه ربما يكون العكس تماما، أي نزولها تحت الأرض، وتغيير تكتيكاتها العسكرية من حيث اللجوء إلى العمل السري والعمليات الانتحارية الانتقامية، سواء بالأحزمة الناسفة أو السيارات المفخخة، ولعل عملية التفجير التي استهدفت حاجزا عسكريا أردنيا في منطقة الركبان على الحدود السورية قبل ثلاثة أيام، وأسفرت عن مقتل ثمانية جنود، أحد المؤشرات في هذا الصدد.

 

سيطرة قوات سورية الديمقراطية على الحدود السورية التركية، والمعابر الرئيسية فيها، هو واحد من أهم التطورات في ملف الأزمة السورية منذ انفجارها مطلع العام 2011، لأن هذه المعابر التي كانت شريان الحياة الرئيسي، ماليا وتسليحيا لفصائل المعارضة السورية المسلحة، والجماعات الإسلامية المتشددة، هي التي أطالت من عمر الحرب أكثر من خمس سنوات، وفتحت الباب على مصراعيه أمام التدخلات العسكرية الخارجية، والروسي منها على وجه الخصوص.

***

سقوط مدينة منبج بعد هجوم قوات جيش سورية الديمقراطية بدعم أمريكي فرنسي جوي وأرضي، علامة فارقة في مسيرة الأزمة السورية، ربما تمهد الطريق في اتجاهين متوازين، الأول استئناف العملية السياسية التفاوضية وفق التفاهمات الروسية الأمريكية بعد نهاية هذا الصيف وأوائل الخريف، وبلاعبين جدد، والثاني وضع خريطة طريق لـ”الفدرلة” أو التقسيم الطائفي والعرقي لسورية، وربما المنطقة بأسرها، وتبلور حدود الدولة الكردية الجديدة، وعمادها قوات سورية الديمقراطية، فالجيوش هي التي تصنع الدول في منطقة الشرق الأوسط، وليس العكس حاليا.

 

هل سينجح هذا المخطط، أو بالأحرى سيسير في اتجاهه المرسوم دون عقبات؟ احتمالات النجاح تبدو أكبر من احتمالات الفشل وفق المؤشرات الحالية، ونقولها بكل ألم، نحن الذين نعارض التقسيم والتفتيت، ولكن كم تغيرت خريطة التحالفات والوقائع على الأرض على مدى السنوات الخمس الماضية، ومن كان يتوقع صمود الجيش والدولة السورية طوال هذه السنوات، وانهيار منظومات مثل المجلس الوطني، والائتلاف الوطني، وأصدقاء سورية، وجامعة نبيل العربي واختفاء فرسانها من وزراء الخارجية العرب من المسرح كليا لأسباب عديدة.

 

المتغيرات متواصلة وقائمتها تطول، والثابت الوحيد حتى الآن هو “الدولة السورية” بعض النظر عن شكلها وقوتها وهيكلتها.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/06/24

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد