#أوباما في #المملكة: على وقع الاتهامات باعتداءات ’11 سبتمبر’.. العلاقة المتأزمة!!
يبدو أن في المملكة السعودية من يشعر بالخوف جراء التسريبات الأميركية عن مشروع قانون يعده الكونغرس يجيز مقاضاة هذه المملكة ومسؤوليها أمام المحاكم الأميركية حول اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2011، وهذا ما يفسره التهديد السعودي الذي نُسب إلى وزير الخارجية عادل الجبير بأن الرياض على استعداد لبيع سندات خزينة أميركية وأصول تملكها في الولايات المتحدة بمليارات الدولارات، إذا ما أقر مشروع القانون الأميركي.
التهديد بردة الفعل السعودية هذه تنذر بمزيد من التدهور في العلاقات المتوترة أصلا بين واشنطن وحليفتها التاريخية، رغم أن مشروع القانون الذي قدمه "الجمهوريون والديمقراطيون" في الكونغرس لم يصل إلى مرحلة التصويت بعد، كما أن "البيت الأبيض" حاول "إرسال تطمينات" إلى كل المتخوفين أو ربما "المتورطين المفترضين" في المملكة بدعم منفذي اعتداءات "11 سبتمبر"، عبر الإعلان أن الرئيس باراك أوباما يعارض مشروع القانون وسيستخدم "الفيتو" ضده إذا أقره الكونغرس.
ومشروع القانون المسمى "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" يتيح لعائلات ضحايا اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 أن تلاحق أمام القضاء الأميركي "السعودية ومسؤوليها" لمطالبتهم بتعويضات عن فقد أقربائهم في الهجمات، ومن هذه النقطة بالتحديد يؤسس "البيت الأبيض" رفضه لمشروع القانون حيث يقول المتحدث باسم الرئاسة الأميركية جوش ارنست إن "مبعث قلقنا من هذا القانون لا يتعلق بتداعياته على علاقاتنا مع دولة محددة بل لارتباطه بمبدأ مهم من مبادئ القانون الدولي إلا وهو حصانة الدول"، وبحسب ارنست فإنه إذا تم المس بهذا المبدأ "يمكن لدول أخرى أن تقر قوانين مماثلة الأمر الذي قد يشكل خطرا كبيرا على الولايات المتحدة وعلى جنودنا وعلى دبلوماسيينا".
ويعد مبدأ حصانة الدول ذات السيادة من المبادئ المسلم بها في القانون الدولي العام فهو يعني حرية الدولة في تسيير شؤونها الداخلية والخارجية دون تدخل من أي دولة أخرى، فبحسب القانون تعتبر هذه الحصانة ضمانة حقيقية لتكريس مفهوم سيادة الدولة في المجتمع الدولي وهي الركيزة الأساس في تنظيم العلاقات بين الدول.
وحصانة الدولة تعني عدم خضوع قراراتها أو ممارساتها لاختصاص القضاء الأجنبي، على أن يقتصر ذلك على الأعمال والقرارات السيادية فقط دون باقي الأعمال، هذا يعني أن الأعمال التي لا تصنف سيادية لا تخضع لهذا المبدأ، كما لو كانت هذه الأعمال أعمال تجارية أو اقتصادية أو حتى أعمال تصنف إرهابية أو تضر بدون وجه حق بالدول الأخرى، فمن غير المنطقي ومن غير المسموح قانونا أن يكون لأحد حصانة في مثل هذه الأعمال، وانطلاقا من مبدأ حصانة الدول تأتي حصانات ممثلي هذه الدول سواء من رؤساء أو وزراء أو سفراء أو أفراد البعثات الدبلوماسية والقنصلية، باعتبار أن الدولة هي شخص معنوي ولا تتصرف ولا تنفذ سياساتها وقراراتها إلا من خلال ممثليها، فلذلك لا تتم مقاضاة هؤلاء عن الأعمال التي يقومون بها بصفتهم ممثلين عن الدولة.
ولكن ماذا لو كان هؤلاء الأشخاص يقومون بهذه الأعمال بغير صفتهم الرسمية أو ليس باعتبارهم ممثلين عن الدولة هل تبقى لهم هذه الحصانة؟ وماذا لو كان هؤلاء الذي يقومون بتصرفات تضر الغير في دولة أجنبية ليسوا ممثلين للدولة أصلا أو كانوا مسؤولين سابقين وليس لهم لحظة ارتكاب "الأفعال المضرة أو الإرهابية" الصفة الرسمية؟ فهل من يقوم بأعمال إرهابية أو يدعم من يقوم بذلك (سواء كانت لهم الصفة الرسمية أو لا وسواء كان موظفا في الدولة أم لا لحظة ارتكابه الفعل) يكون له الحصانة أمام محاكم دولة أخرى؟ أم أنه يكون مسؤولا عن تمويل أو دعم أو حتى القيام بالأعمال الإرهابية على أراضي دولة أخرى كما يكون مسؤولا عن الأضرار التي تنتج عنها؟
والإجابة عن هذا السؤال هو ما يقلق كما يبدو بعض الجهات سواء في المملكة السعودية أو حتى في الولايات المتحدة الأميركية، لأن أصابع الاتهام عن أحداث "11 سبتمبر" ستفتح الباب أمام اتهامات غير محددة سلفا وقد تطال من هم باتوا خارج إطار المسؤولية الرسمية اليوم أو حتى قد تطال من لم يكن لهم في يوم من الأيام هذه الصفة وإنما كانوا يتحركون بوصفهم جهات قريبة من مراكز المسؤولية أو القرار في المملكة، والأمر نفسه ينطبق على الأميركيين الذي قد يجدوا أنفسهم في المستقبل محل مساءلة عن حروب أو أحداث افتعلوها في غير مكان من العالم، وهذا ما قد يجعل الإدارة الأميركية "تعد إلى العشرة" قبل فتح هذا الباب عليها وعلى حلفائها أمام القضاء.
وهذا ما يرجح أن الأميركيين ربما كانوا على علم بكثير من التجاوزات التي قام بها بعض المسؤولين السعوديين أو غيرهم، سواء فيما يتعلق باعتداءات "11 سبتمبر" أو غيرها، وأن الأميركيين قد يكونوا متورطين كما المنفذين أو الداعمين للاعتداءات، من خلال تورط بعض الضباط الكبار أو المسؤولين بالرشوة أو بصفقات كفيلة بجعلهم يغضون أبصارهم عما حصل، وهذا ما يثبت أن طبيعة العلاقة التاريخية بين المملكة وواشنطن لا يحكمها كما يبدو السقف القانوني أو السيادي للدول بقدر ما تحكمها المصالح والمنافع المتبادلة، فهل ستستمر هذه العلاقة بينهما على هذا المنوال أم سنشهد انقلابا في المشهد بحيث يتحول التوتر إلى شرخ حقيقي بين الرياض وواشنطن.
انطلاقا من ذلك قد يسأل البعض، هل سيتطرق الرئيس باراك أوباما إلى كل هذه الأمور خلال زيارته للمملكة السعودية التي يصلها الأربعاء حيث من المفترض أن يشارك في قمة "دول مجلس التعاون الخليجي" التي تنعقد في الرياض الخميس، وهل سيبلغ أوباما الملك سلمان تطمينات مباشرة حول عدم صدور أي قانون يزيد من "تعكير" العلاقة بينهما؟ وهل سيطلب التراجع عن التهديدات السعودية ببيع أصولها باعتبار أن لها آثارا خطيرة على الاقتصاد العالمي برمته ما سيؤثر سلبا على اقتصاد السعودية ودول "مجلس التعاون الخليجي"؟ وهل تجرؤ المملكة بـ"هدم المعبد" على رؤوس الجميع؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه رد في السياسة على التهديد السياسي الذي أوجدته واشنطن للسعوديين بفضح التقرير السري حول اعتداءات "11 سبتمبر"؟ ومن قال إن المملكة تستطيع فعلا إتمام مثل هذه العملية المعقدة لـ"بيع الأصول" إن ذهبت بعيدا في تهديداتها؟ وأليس لواشنطن الكلمة الفصل في هذا المجال باعتبار أنها تتحكم في الكثير من مفاصل الاقتصاد العالمي فكيف باقتصادها الداخلي؟
في النهاية سيدرك من يصدر التهديدات في المملكة أنه يمكنه مخاصمة بعض الدول الإقليمية والاعتداء على بعض الجيران والإخوة، إلا أنه لن يكون باستطاعته التخلي عن الغطاء والدعم الذي تقدمه له الإدارة الأميركية، لأن ذلك يعني أن المملكة ستكشف أمام الداخل والخارج في كثير من الملفات، ليس أولها الحروب المكلفة من اليمن إلى سوريا وليس آخرها الأوضاع الحياتية والمعيشية والحريات وحقوق الإنسان في الداخل.
أضيف بتاريخ :2016/04/20