قانون الإقصاء «الإسرائيلي»
عبدالحسين شعبان ..
تبنّى الكنيست «الإسرائيلي» مشروع قانون يقضي بإقصاء النواب في حالة تحريضهم على «العنصرية» وتأييدهم «الكفاح المسلح» ضد «إسرائيل». والهدف الحقيقي من هذا القانون هو إقصاء الأعضاء العرب من المعارضين لسياسة «إسرائيل» العنصرية من البرلمان، ومنعهم من الانتصار للضحايا، والدفاع عن الفلسطينيين الذين يعانون من السياسات التمييزية والعنصرية وعدم المساواة في جميع مجالات الحياة.
ويأتي هذا القانون على خلفية جدل واسع أثارته زيارة 3 نواب عرب في الكنيست إلى أقرباء منفذي هجمات فلسطينيين قتلتهم القوات «الإسرائيلية»، ورفضت تسليم جثامينهم إلى أهاليهم. وكان النواب الثلاثة وهم: حنين الزعبي وباسل غطاس وجمال زحالقة، قد تعرّضوا لضغوط مختلفة، وشنّت عليهم أجهزة الدعاية الصهيونية حملة شعواء، ومُنعت حينها الزعبي من المشاركة في نقاشات الكنيست واللجان المنبثقة عنه لأربعة أشهر، ومُنع غطاس وزحالقة من المناقشة لمدة شهرين.
واشترط القانون، إقصاء النواب بعد الحصول على دعم 90 نائباً من أصل 120، أي ثلاثة أرباع أعضاء الكنيست. ولمن يعرف حقيقة تركيبة الكنيست والقوى المتنفذة فيه، يدرك أن الحصول على هذا العدد ليس أمراً صعباً، وخصوصاً في ظل ارتفاع حرارة الجو العنصري ضد العرب، لدرجة أن مجرد بث الإذاعة «الإسرائيلية»، قصائد لمحمود درويش، وهو نادر الحدوث بسبب الهيمنة الصهيونية على توجهاتها، كان قد أثار ردود فعل رسمية وغير رسمية، ندّدت بتلك الخطوة، فما بالك حين يتعلّق الموضوع بإقصاء نواب يتم اتهامهم بالدفاع عن «إرهابيين» في أعراف وقوانين الدولة العنصرية، وهم مقاومون يستخدمون جميع الأساليب للدفاع عن حقهم في البقاء في وطنهم وفي إلغاء الطابع العنصري التمييزي للدولة حيث يعيشون، كما لا يمكن حرمانهم من أحلامهم في وطن حر ومستقل ودولة فلسطينية عاصمتها القدس، وحق أخواتهم وإخوانهم في العودة إلى وطنهم، وتعويضهم عما لحق بهم من غبن وأضرار.
وكان أول تعليق لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو على القانون قوله: إنه يضع حدّاً للسخافة، وأضاف: إن أولئك الذين يدعمون الإرهاب ضد دولة «إسرائيل» ومواطنيها لا يمكنهم أن يكونوا أعضاء في الكنيست، واعتبر من حق الديمقراطية «الإسرائيلية»، بل إن من واجبها الدفاع عن نفسها، وهكذا تتحوّل الديمقراطية في الفكر الصهيوني والممارسة الفعلية إلى إقصاء وإلغاء وتهميش، بدلاً من المشاركة والمساواة والإقرار بالحقوق.
يذكر أن إقصاء النواب يستهدف إقصاء شعب بكامله، إذْ يبلغ عدد السكان الفلسطينيين ما يقارب مليون ونصف مليون نسمة، وهم يشكّلون أكثر من 17.5 في المئة من مجموع السكان، وهؤلاء يشكون من التمييز أساساً بأشكاله المختلفة: في المواطنة بجوانبها السياسية والمدنية والحقوقية والقانونية، وفي الجانب الاجتماعي والاقتصادي: العمل والسكن والتعليم والصحة والخدمات، وفي الجانب الثقافي والتربوي، حيث الثقافة الصهيونية العنصرية هي السائدة بصورة رسمية، إضافة إلى التمييز القانوني.
واستهدف الإقصاء الناخبين أساساً؛ لأنهم من يصوّت للنواب العرب، وبالتالي، فإنه استهدف حقهم في التعبير والاختيار وحقهم في المشاركة، وهي حقوق أساسية للإنسان وفقاً للشرائع الدولية. وكانت الأحزاب العربية قد حصلت على 13 مقعداً في البرلمان في انتخابات (مارس/ آذار 2015)، وهي تمثل القوة الثالثة في الكنيست، فكيف يتم تبرير الإقصاء إن لم يكن محاولة للتمييز والعنصرية؟.
ولهذه الأسباب يمكن القول إن القانون يندرج في إطار القوانين العنصرية التي تستهدف قمع الحريات والتجاوز على حقوق الإنسان، وإسكات المعارضة المناهضة لسياسات الصهيونية والجرائم التي ترتكبها، والتي ترفض وجود هويّات أخرى بجوارها، حتى وإن كان أصحابها من سكان البلاد الأصليين. ويتزامن ذلك مع ارتفاع وتيرة القتل وأعمال العنف بشكل عام من جانب المستوطنين ضد الفلسطينيين وزيادة نسب التطرّف والتعصّب في مؤسسات «الحكم الإسرائيلي» وخارجه، الأمر الذي سيشكل خطراً حقيقيّاً على التمثيل السياسي، وسيكون عاملاً من عوامل كبت المعارضة، في ظل طغيان التوجه الصهيوني.
وإذا كانت ثمّة قناعات لدى بعض الأوساط الغربية، بخصوص «ديمقراطية إسرائيل» أو ثمّة أوهام لدى بعض العرب، من إمكانية تسوية سلمية شاملة مع «إسرائيل»، فإن مثل ذلك القانون وقبله «قانون الولاء لدولة إسرائيل» وسواهما من القوانين والممارسات العنصرية، يبدّد من تلك الاحتمالات التي تبدو أقرب إلى الأوهام.
وبعد وصول اتفاقيات أوسلو إلى طريق مسدود، وبدلاً من إنجاز المرحلة النهائية كما هو مقرّر، لجأ «الإسرائيليون» إلى المزيد من أعمال القمع والإرهاب، سواء بالتنكّر لفكرة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، أو لتغييب حق العودة أو تحديد الحدود أو إنهاء الاستيطان، بل زاد الأمر تعقيداً العدوان المتكرر على قطاع غزة المحاصرة منذ العام 2007 وإلى الآن، ورفض المبادرة العربية الصادرة عن مؤتمر القمة العربية في بيروت العام 2002، والتعامل مع قيادة الدولة الفلسطينية بنوع من الاستهتار والاستخفاف، ومؤخراً رفض المبادرة الفرنسية، وليس ذلك سوى الوجه الآخر لحقيقة الديمقراطية ذات الوجه العنصري، إذ كيف تستقيم الديمقراطية مع العنصرية؟.
ويجسّد هذا القانون محاولة لإملاء رأي ما يسمى «بالأغلبية» السياسية على «الأقلّية»، داخل الكنيست لما يمثّل من انتهاكات فظّة لأسس التشريعات البرلمانية ولمبادئ المساواة، وهو ما تفتقده «إسرائيل»، التي لا تمتلك دستوراً، حتى الآن، لأن أي دستور عصري وديمقراطي يفترض أن يقرّ مبادئ المساواة، كما يفترض تحديد حدودها طبقاً للدستور، وهذا سيمنعها بالطبع من التوسّع وشنّ الحروب والعدوان، فالدستور سيحدّد ذلك طبقاً للقواعد العامة في القانون الدولي التي لا تجيز الاحتلال أو العدوان أو ضم الأراضي أو طرد سكانها أو إجراء أي تعديلات من شأنها أن تؤدي إلى تغيير طبيعتها طبقاً لاتفاقيات جنيف للعام 1949 وملحقيها للعام 1977.
إنَّ تشريع قانون الإقصاء يمثّل درجة عليا من العنصرية المنهجية التي تعتمدها «إسرائيل» على نحو مبرمج ليس ضد النواب، بل ضد الجمهور الذي انتخبهم، وهو موجّه ضد عرب فلسطين وحقوقهم الثابتة والمشروعة التي يطالبون بها كجزء من شعبهم الموزع في الداخل الفلسطيني وفي الضفة والقطاع، إضافة إلى نحو 6 ملايين فلسطيني في الشتات، من الذين يعملون ليل نهار من أجل حقهم في العودة وتقرير المصير، ومعهم أوساط واسعة من المجتمع الدولي، الذي بات اليوم يعرف حقيقة عنصرية الممارسات «الإسرائيلية»، ذلك أن قوانين الإقصاء والتمييز ذات الصفة الجماعية لم يعد لها وجود في العالم أجمع باستثناء «إسرائيل»، وفي حين أخذ العالم يميل إلى تعديل ما تبقى منها أو إلغائه، تقوم «إسرائيل» بإصدار تشريعات جديدة.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/08/10