صواريخ الردع السوري تُذهل «إسرائيل»... فماذا بعدها؟
العميد د. أمين محمد حطيط ..
تساءل البعض في بداية ما أُسمي «ثورة» في سورية عن سبب استهداف المجموعات المسلحة الإرهابية التي تدّعي أنها تقوم بثورة شعبية من أجل الحرية والعدالة وفي سورية، تساءل هذا البعض عن سبب تركيز هذه الجماعات على منظومة الدفاع الجوي السوري بكلّ أركانها سواء منظومة الكشف والإنذار أو منظومة المواجهة والتعقب من رادارات وقواعد صواريخ او حتى مدارس جوية فضلاً عن المطارات والمدارج، أما مَن كان يعرف حقيقة ما يجري ويسمّي الأشياء بأسمائها فقد كان يدرك انّ ما انفجر في سورية لم يكن ثورة شعبية ولا يمتّ إلى الثورة بصلة، إنما هو عدوان خارجي استغلّ الدين واستغلّ فئات شعبية وضلّلها وسخّرها وجنّدها لمصلحة المشروع الصهيو ـ أميركي الذي يستهدف المنطقة من بوابة استهداف محور المقاومة والدفاع عنها والذي تشكل سورية القلعة الوسطى فيه.
لقد تمكّنت أدوات العدوان على سورية وفي الأشهر الأولى للعدوان أن تنال من منظومة الدفاع الجوي السوري بشكل بليغ، حتى ظنّ أركان العدوان أنّ مصدر القوة السورية في مجال الدفاع الجوي قد شطب من المعادلة وأنّ الطيران المعادي، خاصة «الإسرائيلي» بات طليق اليدين في التحرك في السماء السورية. وعلى هذا الظنّ بَنَتْ «إسرائيل» حساباتها في دعمها وإسنادها واحتضانها للجماعات الإرهابية في الجنوب السوري عامة وبشكل خاص لجبهة النصرة التي غيّرت اسمها إلى «جبهة فتح الشام» جفش .
وعندما توصل الطرفان الأميركي والروسي إلى تفاهم عسكري ميداني حول سورية حدّدت بموجبه هدنة في الشمال قابلة لأن تشمل كلّ سورية في حال نجاحها هناك، قرأت إسرائيل التفاهم بشكل سلبي على مصالحها، خاصة انّ التفاهم خلا من أيّ بند سياسي يطمئن أركان العدوان إلى تحقيق شيء مما ابتغوه في سورية، كما أنّ التفاهم استثنى من الهدنة كلّاً من داعش وجبهة النصرة أيّ «فتح الشام» بالاسم الجديد، مع التزام أميركي بالتعاون العسكري مع روسيا في مجال المعلومات والاستخبار، أو في مجال توجيه الضربات الجوية النارية لمراكز هاتين الجهتين الإرهابيتين، ومَن يعرف حقيقة خريطة الجماعات الإرهابية في سورية يعرف أنّ هاتين الجهتين تشكلان نسبة لا تقلّ عن 65 من مجمل الجماعات المسلحة شاملة من يسمّى بالتصنيف الأميركي إرهابياً او «معارضة معتدلة».
لقد هال «إسرائيل» أن يتشكل تفاهم دولي حول استهداف جبهة النصرة العصابات الإرهابية المعتمدة لديها -، وبعد أن فشلت في محاولتها مع السعودية وقطر وغيرها أن تخرج جبهة النصرة من التفاهم حتى الآن، قرّرت ان تتولى هي بنفسها القيام بعمل يفرض امراً واقعاً في الجنوب السوري في محاذاة الجولان المحتل يؤدّي الى منحها جائزة ترضية في سورية بعد ان أخفقت في الحصول على الغنيمة الكبرى كلّ سورية، وذلك عبر إقامة حزام أمني لها على غرار ما أقامت في لبنان قبل العام 2000، ويكون بمثابة المنطقة الآمنة لجبهة النصرة على غرار ما تسعى اليه تركيا في شمال حلب.
ولتنفيذ مخططها او مشروعها أطلقت «إسرائيل» ما أُسمي «قادسية الجنوب»، العملية التي توزعت المهمات فيها بين العصابات الإرهابية التي تشكل جبهة النصرة عمودها الفقري ومعها «أحرار الشام» وآخرون، و»إسرائيل» التي أخذت على عاتقها تقديم الدعم الناري المباشر لهذه الجماعات فضلاً عن الدعم اللوجستي المستمرّ والمستدام. وفي سياق تنفيذ «قادسية الجنوب» المزعومة قامت «إسرائيل» باستهداف المواقع العسكرية السورية في الجولان، لتفتح الطريق أمام إرهابيّي جبهة النصرة لتوسيع منطقة الاحتلال فيها وإقامة المنطقة الأمنية «الإسرائيلية» المبتغاة.
انطلقت «إسرائيل» في عمليتها وعدوانها من ظنّ أنّ سورية المشغولة في الداخل لن تتخذ قراراً بالردّ على العدوان، وأنها حتى إذا قرّرت فإنّ منظومة الدفاع الجوي التي كانت لديها فاعلة، قد شطبت من المعادلة بفعل الأعمال الإرهابية الموجّهة «إسرائيلياً»، ولكن الصواريخ السورية الثلاثة حملت الى «إسرائيل» رداً لم تكن تنتظره، وشكل إطلاقها مفاجأة إستراتيجية فضلاً عن كونها صدمة تكتية، فالصواريخ السورية التي أطلقت ضدّ الطائرات «الإسرائيلية» أسقطت اثنتين منها واحدة من غير طيار وأخرى نفاثة، في تصدّ أتبع بإعلان سوري يفاخر بالردّ ويتباهى به ويظهر الاستعداد لكلّ احتمال. هذه الصواريخ شكلت صدمة «إسرائيلية» كبرى لجهة فهم «إسرائيل» بأنّ لدى سورية قراراً حاسماً وصارماً بالردّ على عدوانها، وأنها تمتلك القدرة المادية على تنفيذ القرار، ما يشكل إشارة إلى بداية مرحلة جديدة من مراحل المواجهة مع العدوان على الأرض السورية مرحلة في عناصرها ما يلي:
1 ـ إنّ سورية التي صمدت وأسقطت المشروع الأساسي للعدوان الذي استهدفها، ماضية قدماً في ملاحقة المعتدين، وكما أنها لم تستسلم للعدوان كلياً أو جزئياً، فإنها لن تسمح للعدوان بالحصول على جوائز ترضية مهما كان حجمها.
2 ـ إنّ قبول سورية بالهدنة التي أنتجها التفاهم الأميركي الروسي هو قبول مشروط أبلغ إلى الروسي ليعلم به الأميركي ويكون التصرف على أساسه. وفي طليعة الشروط هذه رفض سورية لأيّ عدوان عليها وقرارها بالتصدّي له سواء أكان «إسرائيلياً» أم تركياً، وثاني الشروط استمرار سورية في ممارسة حقها وواجبها في ملاحقة الإرهاب الذي تشكله جبهة النصرة وداعش وكلّ تنظيم مسلح آخر لا يلتزم بالهدنة التي أعلنتها سورية لسبعة أيام تنتهي السبت المقبل في 17/9 /2016، والثالث رفض استغلال المساعدات الإنسانية من أجل إعادة تسليح الجماعات الإرهابية وتجهيزها.
3 ـ إنّ سورية التي لديها كامل الثقة بنفسها وبمحور المقاومة وبحلفائها، مقتنعة بأنّ العدوان عليها فشل وأنه دخل مرحلة التصفية التي يرجو قادة العدوان أن تكون طويلة وتعمل سورية وحلفاؤها على تقصير أمدها إلى الحدّ الأدنى الممكن. وفي هذا الإطار تأتي زيارة الرئيس الأسد إلى داريا ليوجّه حديث الطمأنينة للنصر الأكيد، ويؤكد لمن يعنيه الأمر من الأعداء أنّ سورية شامخة ثابتة في موقعها الاستراتيجي الذي استهدفه العدوان وفشل.
4 ـ إنّ العملية السياسية أو إطلاق العمل على المسار السياسي سيكون منعزلاً عن مواجهة الإرهاب، أيّ كما أرادت سورية منذ اللحظات الأولى للعدوان، ولا يمكن للجماعة الواحدة أن تمارس إرهاباً في الميدان، وأن تكون شريكاً في العملية السياسية التي لن تتخطى في أيّ حال إرادة الشعب السوري المستقلّ وقراره.
وعليه نقول إنّ الصواريخ السورية في الجولان ضدّ الطيران الصهيوني جاءت لتتكامل مع زيارة الرئيس الأسد الى داريا وحديثه الهامّ فيها الذي وجّه عبره الرسائل من بين الركام، ولتخرج مشهداً مفاده أنّ سورية عصيّة على الانكسار، وأنها تخطو بثبات لامتلاك زمام الأمور بما فيها القوة الردعية في مواجهة «إسرائيل»، وهذا الذي صدم «إسرائيل» استراتيجياً وأربك إعلامها الذي ظنَّ شيئاً فشهد عكسه في الميدان السوري.
وأخيراً لا بدّ من فهم النفي «الإسرائيلي» لإسقاط الطائرتين على أنه رغبة في عدم التصعيد، وقبول النتائج ودرسها لاتخاذ القرار الذي لن يكون باعتقادنا مواجهة أو انزلاقاً إلى الحرب.
جريدة البناء
أضيف بتاريخ :2016/09/15