أسلحة الدمار الشامل تنتقل من الدول إلى المجموعات المسلحة
د. سعيد الشهابي ..
أسلحة الدمار الشامل كان العنوان الأساسي الذي استخدمته الولايات المتحدة وبريطانيا لشن الهجوم على العراق في 2003 الذي اسقط نظام صدام حسين. ولكن ثبت لاحقا أن العراق لم يكن يمتلك تلك الأسلحة وأنه قام بتدميرها بإشراف فرق التفتيش التابعة للأمم المتحدة ابتداء من العام 1993. هذه الأسلحة تشمل وسائل القتل الجماعي التي لا تميز بين البشر وتقتل من المدنيين عادة إضعاف ما تصيب من العسكريين. وفي الحرب العالمية الأولى كانت الأسلحة الكيماوية من أبشع ما استخدم فيها، ولم تمنع الخنادق التي حفرها الجنود على طرفي الصراع من قتل الآلاف بغازات السارين والخردل وسواها.
وفي الحرب العالمية الثانية استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية القنبلة الذرية لتدمير هيروشيما وناغازاكي في صيف 1945. تلك التجارب المريرة دفعت الأمم المتحدة للإصرار على منع انتشار تلك الأسلحة، ولكن ما تزال الدول الخمس الكبرى تحتفظ ببعضها خصوصا الأسلحة النووية. وليس خافيا عمق ظاهرة النفاق في التعامل الدولي الذي يضع المصلحة قبل المبادىء، الأمر الذي أدى لانتشار أسلحة الدمار الشامل بين أطراف عديدة. بل أن المجموعات الإرهابية ربما حصلت على بعضها وقد تستخدمها في أي وقت وفي أي مكان. ويشير المحللون إلى النتائج السلبية لما سمي «الحرب على الإرهاب» الذي أعلنته واشنطن قبل 15 عاما، وأنها أدت إلى تفاقم المشكلة أضعافا. فلم تعد المجموعات المتطرفة والإرهابية معتمدة على البنادق والمتفجرات، بل أن بعضها أصبح لديه أسلحة دمار شامل.
في الأسبوع الماضي قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، النقيب جيف ديفيس في موجز صحافي للبنتاغون بواشنطن: «نحن نعلم أن المسألة جدية، وأنهم مصرون عليها، وأنهم يودون أن يتمكنوا من استخدام الأسلحة الكيماوية ضدنا، وضد القوات العراقية، أثناء تقدمهم». وكشف أن واشنطن زوّدت القوات الأمنية العراقية بأكثر من 50 ألف قناع غاز، بينها 9000 للبيشمركه، و1500 لقوة مكافحة الإرهاب. وشدد ديفيس على أن القنابل التي سقطت في القيارة بمحافظة نينوى العراقية قبل أسبوعين كانت تحوي آثاراً لمادة الخردل، «ولكنها ليست بصيغتها الغازية، فالغاز مركب أكثر فتكاً». ولفت إلى أن الخردل المستخدم في قذائف تنظيم داعش «أقل مستوى من السلاح الكيماوي المستخدم في الحرب العالمية الأولى».ومن الضروري استحضار ما ذكره السيد جون برينان، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في حديث متلفز في منتصف شهر آذار/مارس الماضي. فقد قال إن داعش قد استخدم أسلحة كيمياوية في ساحات الحرب في العديد من معاركه في العراق و سوريا. وقبله بأيام ذكر السيد جيمس كلابر، مدير الامن الوطني الأمريكي أثناء الإدلاء بشهادته أمام لجنة من الكونغرس الأمريكي استخدام داعش مواد كيمياوية سامة. ففي أغسطس 2015 استخدم غاز الخردل في كل من العراق و سوريا، ضد المقاتلين الأكراد في كوباني على الرغم من عدم توفر مصادر موثوقة حول عدد الضحايا و حجم الضرر الذي أصاب المقاتلين الأكراد. وفي بدايات العام 2015، أفاد الصحافي آدم ويذنال في تقرير وجهه إلى الاستخبارات الاسترالية بان داعش تمكنت من الحصول و الاستيلاء على مواد كيمياوية من المنشآت الحكومية في العراق و سوريا تكفي لصنع قنابل كيمياوية كبيرة و مدمرة.
الأمر المؤكد أن داعش لديها أسلحة كيماوية، وأنها تقوم بتصنيعها. ولا يستبعد السياسيون استخدام تلك الأسلحة في معركة تحرير الموصل التي تجري الاستعدادات لها على قدم وساق. وعندها ستتضاعف الخسائر في صفوف القوات العراقية بشكل خاص. ولا يستبعد الخبراء استخدامها أيضا فيما لو استهدفت منطقة الرقة في سوريا.
فداعش والمجموعات الإرهابية الأخرى التي تمارس أساليب بشعة في القتل، أدخلت العمليات الانتحارية سلاحا فاعلا يستخدم يوميا ضد الخصوم، وهي أحد أنواع أسلحة الدمار الشامل لأنها لا تميز بين الضحايا بل تهدف لأحداث أكبر دمار للطرف الآخر. وليس معلوما بعد ما إذا كانت هذه المجموعات تمتلك أسلحة نووية، الأمر الذي لا يستبعده المحللون. فالسوق السوداء تكتظ بكافة الأسلحة، وسقوط الاتحاد السوفياتي أدى لفقد بعض الرؤوس النووية. كما ان سقوط نظام القذافي أغرق الأسواق السوداء بكافة أنواع السلاح ومنها الأسلحة الكيماوية.
وكان القذافي قد تخلى عن مشروعه النووي في العام 2003، وذلك بعد أن رأى ما حدث لنظام صدام حسين بدعوى امتلاكه أسلحة دمار شامل. كما أن إيران، هي الأخرى، تخلت عن قطاع واسع من برنامجها النووي بتوقيع اتفاقها مع دول 5+1 وذلك في الثاني من نيسان/أبريل 2015. وأبرز ما تم التوافق عليه في الاتفاق الإطاري يتمثل في موافقة طهران بموجب الاتفاق المبدئي على تقليص مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب البالغ 10000 كيلوغرام إلى 300 كيلوغرام. كما تضمن موافقتها على عدم تخصيب اليورانيوم فوق معدل 3.67 بالمائة لمدة 15 عاما على الأقل، على أن يتواصل التخصيب بموقع نطنز وليس في فوردو.
قبل بضعة أعوام تخلى النظام السوري عن أسلحته الكيماوية بموجب اتفاق دولي صوت عليه بمجلس الأمن عام 2013 قبل الانتهاء من اتلاف الترسانة الكيماوية بسوريا العام الماضي. جاء ذلك بعد فترة قصيرة من استهداف «إسرائيل» موقعا تقول إنه جزء من مشروع نووي.
وكانت «إسرائيل» قد استهدفت مفاعل «اوسيراك» العراقي في ذروة الحرب العراقية ـ الإيرانية في 1982. واستهدفت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المشروع النووي الإيراني باختراق أجهزته الالكترونية ونشر فيروس في أجهزة الكومبيوتر المرتبطة بالمشروع. كما استهدفت علماء الذرة الإيرانيين واغتالت العديد منهم. أسلحة الدمار الشامل أصبحت مصدر قلق واسع لدى الحكومات الغربية، بعد أن اتضحت أمور عديدة: أولها أن سياسة احتوائها ليست كفيلة بالقضاء عليها. ففيما تشدد الغربيون في استهداف المشروع النووي الإيراني، قامت كوريا الشمالية بالعديد من التفجيرات النووية وبدأت تكديس الرؤوس النووية ضمن ترسانتها. ثانيها: أن الغربيين ساهموا في تدمير البنى التحتية لأنظمة كانت تمتلك شيئا من هذه الأسلحة، واسقطوا بعضها، الأمر الذي ساهم في انتشارها ووقوعها بإيدي المجموعات الإرهابية.
ثالثها: أن الغربيين يعتقدون أن امتلاك هذه المجموعات بعض أسلحة الدمار الشامل ليس مشكلة في ذاتها ما دامت تحت مجهر الاستخبارات الدولية، بل قد يكون ذلك مفيدا للاستخدام ضد الدول غير الصديقة عند الحاجة. وليس مستبعدا استخدامها في سوريا. فالاتهامات متبادلة بين النظام وخصومه حول استخدامها، ولكن لا يبدو هناك إرادة للوقوف على حقيقة الأمر، من يملكها، ما هي مواقع مخازنها، كيف يمكن استعادتها أو القضاء عليها؟ رابعها: أن الازدواجية السياسية لدى الغربيين لا تساهم في القضاء الكامل على أسلحة الدمار الشامل. فهي تقوم ببناء المفاعلات النووية للدول الصديقة، مع علمها باحتمال وقوع بعض هذه المنشآت بأيدي مجموعات التطرف والإرهاب. كما تعلم أن بعض هذه الدول يرعى الإرهاب ويموله ويغذيه بالفكر والتوجيه، ولكنها تواصل سياساتها بدون اكتراث. خامسها: أن الغربيين يتحكمون في بث الأخبار المرتبطة بأسلحة الدمار الشامل. فحين استخدمت تلك الأسلحة ضد الأكراد بمنطقة حلبجة في 1988 لم تبد الدوائر الغربية اهتماما بذلك، ولم تحظ أخبارها باهتمام إعلامي يذكر. ولكن عندما قرر الغربيون التخلص من صدام حسين فتحوا ملف الأسلحة الكيماوية وكتبت التقارير الإعلامية الموسعة حول ما حدث في حلبجة. ولم يشر الغربيون إلى معاناة الجنود الإيرانيين من الأسلحة الكيماوية إلا بعد استهداف صدام حسين في التسعينات. أن «نسبية» القيم وازدواجية المعايير من بين أهم عوامل غياب الأمن والاستقرار الدوليين، وهو ما يجب أن تتوجه الأنظار إليه خصوصا من قبل المفكرين والاستراتيجيين.
في الأسبوع الماضي أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا ادعت فيه «إن حكومة السودان نفذت على الأرجح 30 هجوما على الأقل بأسلحة كيماوية في منطقة جبل مرة بدارفور منذ يناير كانون الثاني مستخدمة ما خلص خبيران إلى أنه غاز يتسبب في الإصابة ببثور وتقرحات فيما يبدو». وقدرت المنظمة أن زهاء 250 شخصا لقوا حتفهم جراء التعرض للمواد الكيماوية. ووفقا لتقرير المنظمة فان أحدث هجوم بالأسلحة الكيماوية وقع يوم التاسع من سبتمبر (أيلول) وقالت إن تحقيقها اعتمد على صور بالأقمار الصناعية وأكثر من 200 مقابلة وتحليل خبراء لصور تظهر إصابات.
لقد أصبح العالم أقل أمنا، بل يزداد توجهه نحو العنف. هذه المرة أصبح العنف شاملا، بدون وازع من ضمير أو رادع من أخلاق أو مواثيق أو تشريعات دولية. ومنذ حوادث 11 أيلول/سبتمبر يكاد العنف يكون محصورا ببلدان المسلمين، ولذلك تزداد قسوته وأساليبه. ويعتبر إضافة أسلحة الدمار الشامل لترسانة وسائل القتل بين المسلمين من أبشع التطورات وأبعدها عن الضمير والإنسانية. ومع أن من المنطقي الحد من انتشار هذه الأسلحة، ولكن من غير المنطقي أن تسحب من الدول وتمتلكها المنظمات الإرهابية. ومن المحزن جدا أن يصل الاقتتال البيني في ما بين المسلمين إلى هذا المستوى من الهبوط، فتصبح الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا أدوات لتصفية الحسابات برغم بشاعتها. ألم يحن الوقت لشيء من العقل والمنطق لدى عقلاء الأمة وحكامها؟
جريدة القدس العربي
أضيف بتاريخ :2016/10/03