تفاهمات ترامب - بوتين خدعة هذه خطة أميركا السورية...!
محمد صادق الحسيني ..
لا مداهنة مع الأميركيين حتى وهم يسيرون القهقرى، فالذئب الجريح لم يستسلم بعد…!
ومحور المقاومة المنتصر رغم تفوّقه في الميادين كلّها لا يزال في أوج مواجهاته، ولا تسويات أو صفقات قريبة، وأميركا لا تزال الشيطان الأكبر في سورية أيضاً، وإليكم الوقائع والأدلة:
أولاً: إن المقياس الدقيق لسياسات أي دولة كانت، سواء دولة عظمى أم دولة صغرى، هو اُسلوب النظرة الموضوعية المجرّدة لطبيعة النظام الحاكم في تلك الدولة والذي يشكّل دائماً انعكاساً للنظام الاقتصادي السائد في تلك الدولة.
ثانياً: إن النظام الرأسمالي العدواني التوسعي هو الذي أفرز ويفرز النظام السياسي الأميركي وأدواته التنفيذية، المالية والسياسية والعسكرية والأمنية…، إن هذا النظام لا يرتبط بشخص الرئيس أو طاقمه أو غير ذلك، وإنما الذي يحدّد سياسات واستراتيجيات ودينامية الأجهزة التنفيذية الأميركية، إن ما يحدّد ذلك هو الطبيعة العدوانية الاستعمارية للسياسة الأميركية التي هي تعبير أو انعكاس لطبيعة البنية الاقتصادية في هذا البلد.
ثالثاً: وهذا يعني أن السياسة الأميركية لا يمكن لها أن تكون معادية لإيران وصديقة لروسيا في آن معاً، كما أن من غير الممكن أن تقدم هذه السياسة أنواع الدعم كافة لـ«إسرائيل» لتشجيعها على التوسّع والعدوان وأن تكون عكس ذلك في سورية مثلاً..
أو أن تكون في حالة توافق مع السياسة الروسية العامة والاستراتيجيات الروسية المنبثقة عنها، سواء على الصعيد العالمي أو على صعيد بؤر التوتر في العالم، ومناقضة لها في تفاصيلها كلها بدءاً من أوكرانيا مروراً بممارسات الولايات المتحدة في أوروبا الشرقية ودول البلطيق وصولاً إلى الملف النووي الإيراني وحرب الإبادة الصهيوسعوأميركية في اليمن وصولاً إلى الحرب العالمية التي تشنّ ضد سورية الدولة، وليس فقط ضد الحكم في سورية.
رابعاً: إن أية تفاهمات بين رئيسَيْ روسيا والولايات المتحدة ستكون بالضرورة محكومة بعوامل التأثير والتفاعل التي تنتج السياسات الأميركية التوسعية…
فمن يقوم بإجراء بعض التفاهمات التكتيكية مع الرئيس الروسي حول سورية لا يمكنه أن يكون قد أقدم على ذلك نتيجة لتغير في قناعاته أو مصالحه الإستراتيجية، بل إن هدف هذه التحرّكات يكمن في مكان آخر…
خامساً: إن استمرار سياسات ترامب المعادية لإيران وموقفه من الاتفاق النووي معها واستمرار الحشد العسكري الاستراتيجي لـ«الناتو»، بقيادة الولايات المتحدة، على حدود روسيا الغربية بولندا والشمالية الغربية البلطيق مضافاً إليها تكثيف الوجود البحري والجوي الأميركي والناتوي في البحر الأسود، لا يدلّ لا على تغير في أهداف السياسة التوسعية الأميركية ولا في أهدافها على الصعيد الدولي.
سادساً: أما إذا أضفنا إلى كلّ ما سبق قيام الولايات المتحدة بإقرار نشر منظومة صواريخ ثاد Thad في كوريا الجنوبية، وما يعنيه ذلك من تهديد مباشر للأمن القومي لكل من الصين وروسيا، وغيرهما من الدول المجاورة، فإن ذلك يسلّط مزيداً من الضوء على عدوانية السياسة الأميركية وطبيعتها التوسعية.
سابعاً: وإذا ما نظرنا إلى هذه العوامل بطريقة موضوعية علمية تحليلية مبنية على القياس المنطقي، فلن يقودنا ذلك إلا إلى النتائج التالية:
أ- إن التفاهمات التي يدور الحديث حولها أن وجدت بين الرئيسين بوتين وترامب لا تتعدى كونها تفاهمات لحظية «نقطية» تكتيكية لا يختلف دورها عن دور التخدير الموضعي في العمليات الجراحية. إذ لا يعقل أن تكون هناك تفاهمات ذات معنى ولها وزنها ودورها في تنفيذ الاستراتيجيات الدولية، طالما أن أحد طرفي هذه التفاهمات يواصل فرض العقوبات الاقتصادية الولايات المتحدة على الطرف الآخر ويواصل إجراءات التطويق العسكري الاستراتيجي لهذا الطرف روسيا .
ب- إن الهدف الأميركي من سياسة التفاهمات «النقطية» والصورية مع روسيا يتمثل أساساً في العمل على استيعاب بمعنى تخفيف ، ردّة الفعل الروسية على السياسات العدوانية الأميركية ضدها وضد حليفها.
ج- إن أحد أهداف هذه السياسة هو تقديم الإغراءات لروسيا، في نقاط محدّدة لا تؤثر في موازين القوى الدولية، بهدف منع تطوّر العلاقات الصينيّة الروسيّة إلى مستوى الحلف، وذلك كسباً للوقت اللازم لبناء الحضور العسكري الأميركي الاستراتيجي في بحر الصين والمحيط الهادئ، وبذلك تكون الولايات المتحدة قد ضربت عصفورين بحجر واحد:
– منع قيام التحالف الاستراتيجي بين الصين وروسيا.
– بِنَاء القوة الإستراتيجية الأميركية في ساحة المواجهة المستقبلية بين القوى العظمى في ظل ظروف أفضل بالنسبة للمؤسسة العسكرية الأميركيه. أي أن الإدارة الأميركية تعمل على تأمين انسحاب تدريجي بطيء وهادئ من غرب آسيا بدلاً من انسحاب تحت النار كي تتمكن من تأمين مصالحها الإستراتيجية في هذا الجزء من العالم بعد أن تنسحب منه، وكذلك تبني إمكانيات المواجهة مع الصين في ظل ظروف غير عاصفة.
ثامناً: وإذا ما واصلنا التعامل مع عناصر سياسة ترامب في مواجهة دول حلف المقاومة وحماية القاعدة العسكرية الغربية على اليابسة الفلسطينية أي الكيان الصهيوني، فإن من الضروري أن نأخذ التناقضات الكبيرة في السياسة الأميركية الحالية بين كافة مراكز القوى في الولايات المتحدة، من البنتاغون إلى C I A إلى البيت الأبيض إلى عناصر الدولة العميقة إلى غير ذلك، بعين الاعتبار. بمعنى أنه لا يمكن الوثوق بالسياسات الأميركية ولا بأهدافها ولا باستمراريتها ولا بكونها سياسة إستراتيجية لدولة عظمى وإنما يجب التعامل معها طبقاً لطبيعتها أي بكونها مجموعة سياسات تبدو أحياناً متناقضة، ولكنها تهدف في العمق لخدمة الهدف الاستعماري العدواني التوسعي لمجموعة مكوّنات الدولة الأميركية بقاعدتها الاقتصادية التوسعية.
تاسعاً: وفي هذا الإطار فإنني أرى في ما يُقال عن «تفاهمات» بين بوتين وترامب بشأن سورية، ليس أكثر من خدعة صهيوأميركية آمل أن لا يكون الطرف الروسي قد سقط في شباكها…!
إذ إنني لا أرى أي تناقض بين ما يعلنه ترامب من نيته في هزيمة داعش وبين ما ترنو إليه عناصر إدارته الأخرى، الأكثر تشدداً. تلك العناصر التي لا زالت مكلفة بهدف إسقاط الدولة الوطنية السورية والرئيس السوري وضرب محور المقاومة من بيروت وحتى طهران…!
فإذا ما نظرنا إلى الميدان السوري، فإننا نلحظ غياباً تاماً للبيت الأبيض الأميركي ولوزارة خارجيته، بينما نرى البنتاغون والـ CIA هما من ينفذان السياسة الأميركية القديمة المتجددة في الميدان السوري وبأدوات فيها المزج بين القديم والجديد.
ولمزيد من التأكيد على ما ذكرناه أعلاه، فهذه هي خطة ترامب السورية، حسب تقارير خاصة تتداولها أوساط ميدانية متابعة.
عاشراً: حيث إن المزاوجة التي أجرتها الإدارة الأميركية نهاية عهد أوباما وبداية عهد ترامب بين أدوات الحرب على الدولة السورية تؤمّن لهذه الإدارة وربيبها الكيان الصهيوني، استمرار عمليات تدمير سورية مع مراعاة المتغيرات الدولية خاصة عنصر عدم استفزاز الطرف الروسي بشكل قد يتسبّب بنتائج سلبية على السياسة الأميركية العامة.
أي أن الإدارة الأميركية قد بدأت بتغيير أدوار ومسميات بعض أدواتها في المنطقة وفي داخل سورية لا أكثر. فبدلاً من أن تقوم تركيا أردوغان مثلاً بمواصلة سياستها الرعناء والفاشلة في سورية فقد أسند إليه دوراً جديداً، في إطار تنفيذ المخطط الصهيوأميركي في سورية وضد حلف المقاومة، وذلك:
– بتكليفه بإنشاء ما يطلق عليه «قوات درع الفرات»، والتي هي ليست سوى عصابات من المرتزقة الذين جمعتهم تركيا والعدو الصهيوني وقامتا بتدريبهم في معسكر بعشيقة في العراق، وتقوم بتمويلهم كلٌ من مشيخة قطر ومملكة آل سعود.
علماً أن القوات التركية تقوم بتدريب بين ثمانمئة وألف عنصر في معسكر بعشيقة وتلحقهم بتشكيلاتها العسكرية في سورية.
– تهدف الخطة الصهيو أميركية بالتعاون مع أداة الناتو أردوغان إلى رفع عديد «قوات درع الفرات» إلى ثمانية عشر ألف مسلح بحلول شهر حزيران المقبل على أن يتم تسليحهم من خلال الإدارات العسكرية التركية وبشكل غير سري على اعتبار أنها قوات متوافق عليها بين الروسي والأميركي إضافة إلى أذناب أميركا من أردوغان إلى العدو الصهيوني إلى السعودية وقطر.
– تقوم تركيا أردوغان بتدريب وتجهيز حوالي ألف ومئتي شرطي غير الذين تم نشرهم في منطقة اعزاز/ جرابلس/ في معسكرات تركية في منطقة عنتاب السورية المحتلة وسيتمّ نشرها في المناطق التي تسيطر عليها مرتزقة أردوغان مستقبلا. وسيتم تجهيزهم بالكامل من قبل الاستخبارات العسكرية التركية وبتمويل سعودي كامل.
كما ستكون هذه القوة تابعة إدارياً لوالي عنتاب المحتلة بينما تتولى المخابرات التركية إدارتها ميدانياً داخل مناطق انتشارها على الأراضي السورية الخارجة عن سيطرة الدولة الوطنية السورية. أي أن أردوغان لا يواصل سياسة دعم العصابات المسلحة في سورية عسكرياً ومادياً وإدارياً وعلى صعيد الإمداد بالذخيرة والسلاح فحسب، بل إنه يقوم بتغيير الواقع الإداري في المناطق السورية المختلط من قبله تحت مسمّى درع الفرات…!
حادي عشر: وفي خطوة موازية لما كلّف به أردوغان فقد تم تكليف النظام الأردني بتنفيذ مخطط شبيه وفي الإطار نفسه:
– إذ يقوم الأردن ومن خلال غرفة الموك، والتي لم يتم حلها إطلاقاً، وهي لا زالت تعمل كالمعتاد، رغم كل ما أشيع عن حلها وإغلاقها، بتدريب عناصر ما يطلق عليه اسم «جيش سورية الجديد»، في معسكر الموقّر في الأردن وبالاشتراك مع ضباط أميركيين وبريطانيين.
وقد تم حتى الآن تدريب كتيبتي قوات خاصة قوامها تسعمئة فرد تدريب قوات خاصة أو صاعقة في هذا المعسكر وأدخلت إلى الأراضي السورية منطقة درعا على دفعات كان آخرها بتاريخ 18/2/2017.
– كما يقوم فصيل من المدربين الأردنيين حوالي ثلاثين عنصراً وبالمشاركة مع ضباط أميركيين وبريطانيين و«إسرائيليين» بتدريب ستمئة عنصر من «جيش سورية الجديد» في معسكر التنف الذي تديره غرفة الموك من قاعدة قيادة خلفية في الرمثا الأردنية.
– كذلك يشارك عدد من الضباط الأردنيين ١٤ ضابطاً في تدريب حوالي أربعمئة عنصر بين عرب وأكراد في معسكر الرميلان في الشرق السوري على أن يتمّ إلحاقهم بقوات «جيش سورية الجديد»، علماً ان هذه الدورة ستنتهي بتاريخ 24/3/2017
ثاني عشر: ترمي الخطة الأميركية إلى حشد خليط من المرتزقة يصل عددهم إلى أربعين ألف رجل خلال الأشهر الستة المقبلة، وذلك في قواطع العمليات في ريف حلب الشمالي الشرقي وريف حلب الشرقي، بالإضافة إلى أرياف دير الزُّور الجنوبية الشرقية وصولاً إلى قواطع البوكمال على الحدود مع العراق.
ثالث عشر: ترمي الخطة الأميركية إلى تحشيد القوة العسكرية اللازمة لشن هجوم واسع على مواقع الجيش السوري على المحاور التالية في حدود بداية شهر حزيران 2017:
– المحور الأول: الغارية/ ديبين/ بصرة الشام/ ريف السويداء الجنوبي الغربي.
علماً أنه يجري العمل على تحديد قوام هذه القوة التي ستكلف بالتنفيذ على هذا المحور. هذا التحرك الذي سيتم بالتزامن مع تحرك آخر على محاور درعا الشمالية الغربية تهدف إلى قطع طريق درعا/ دمشق وتطويق وحصار وحدات الجيش السوري في درعا تمهيداً للسيطرة على المدينة.
كما تتضمن الخطة:
– قيام سلاح الجو الإسرائيلي بتقديم الإسناد الجوي للمسلحين من خلال قصف مواقع الجيش السوري والقوات الحليفة بهدف تحييد سلاحَي المدفعية والصواريخ لتسهيل تقدم المسلحين في مناطق العمليات.
– قيام كتيبة من لواء هاغولاني بعمليات إنزال على مواقع الجيش السوري في ريف القنيطرة وكذلك مواقع حزب الله ومواقع المستشارين الإيرانيين.
– قيام وحدة من قوة هامتكال قوة العمليات الخاصة التي تعمل خلف خطوط العدو بعملية إنزال في منطقة خان ارنبة، ويعتقد أن مهمة هذه الوحدة هي تنفيذ عملية اغتيال لضباط قياديين من ضباط الميدان لقوات الحلفاء هناك.
– قيام سلاح المدرعات الأردني، بواقع كتيبتين من كتائب اللواء المدرّع الأربعين في الجيش الأردني بالتحرك إلى داخل الأراضي السورية بحجة تأمين الحدود الأردنية. وسيتم دخول هذه القوة المدرعة من محيط معبر نصيب. بالإضافة إلى تكليف كتيبة من القوات الخاصة الأردنية بالقيام بعمليات إغارة على أهداف محددة مواقع للجيش السوري والقوات الحليفة داخل الأراضي السورية.
– وفي هذا الإطار فقد تم إسناد مهمة تقديم الإسناد المدفعي للقوة المدرعة الأردنية ولوحدات القوات الخاصة إلى كتيبة المدفعية السادسة في الجيش الأردني.
ما تقدم لا يعني مطلقاً أن ترامب سينجح في أي من مخططاته، بل إننا نعتقد بقوة بأن ثمة مفاجآت تنتظره ستجعل مخططاته كافة تذروها الرياح، لأن غرفة عمليات المشهد الدمشقي المصغر لن تخدع بمقولة «التفاهمات» ولن تسمح لجنود الشيطان الأكبر استعادة اليد العليا، بعد أن تمّ جعلها تأكل حصاد الهزيمة المرّة في ميادين غرب آسيا المقاومة كلها ولم يبق لترامب سوى السراب…!
بعدنا طيّبين قولوا الله.
جريدة البناء
أضيف بتاريخ :2017/03/09