واقع أسواق النفط في الأشهر المقبلة
د. نعمت أبو الصوف ..
في الوقت الحاضر، يهيمن عدم اليقين على أسواق النفط العالمية، حيث إن اتفاق خفض الإنتاج، تضخم مخزونات النفط العالمية، وارتفاع عدد منصات الحفر العاملة تزيد من تقلبات أسعار النفط. مع اقتراب موسم القيادة الصيفية في الولايات المتحدة وعودة شركات النفط إلى الاستثمار في مشاريع جديدة، يتعين على الأسواق مراقبة أربعة عوامل رئيسة من كثب.
المخزون النفطي وعدد منصات الحفر: أدى الارتفاع الكبير في مخزونات النفط في بداية الشهر الماضي إلى تراجع كبير في أسعار النفط، وإنهاء فترة من الاستقرار النسبي كانت تعيشها أسواق النفط. ارتفاع مخزونات النفط في مركز التخزين في كوشينج، في ولاية أوكلاهوما بنحو 8.5 مليون برميل في اليوم، مثلا، أدى إلى انخفاض أسعار خام تكساس الوسيط إلى ما دون 50 دولارا للبرميل. في حين شهد الأسبوع الثاني من الشهر الماضي تراجعا طفيفا في المخزون بلغ نحو 237 ألف برميل في اليوم، ما وفر للمتعاملين في الأسواق بعض المتنفس.
وبين التقرير الأخير لمخزونات النفط في الولايات المتحدة ارتفاعا بنحو خمسة ملايين برميل، ما أضاف مزيدا من الضغوط الهبوطية لأسعار النفط. يبلغ مخزون النفط في الولايات المتحدة حاليا نحو 534 مليون برميل، وهو الأعلى تاريخيا. وفي الوقت نفسه، شهدنا زيادة سريعة في عدد منصات الحفر العاملة في الولايات المتحدة، حيث يبلغ العدد الإجمالي الآن نحو 652 بزيادة 21 حفارة على التقرير السابق وفقا لنشرة "بيكر هيوز" الأسبوعية. وهذا هو أعلى مستوى لها منذ أيلول (سبتمبر) 2015. ونظرا للقدرة الكبيرة لمنتجي النفط الصخري على التكيف مع أسعار منخفضة، فمن المرجح أن تستمر هذه الاتجاهات في العرض، ما يضيف أيضا مزيدا من الضغوط الهبوطية على أسعار النفط.
اتفاق "أوبك" لخفض الإنتاج ـــ تمديد أو دون تمديد: التساؤلات حول احتمالية قيام المنظمة بتمديد اتفاق خفض الإنتاج الحالي نسمع صداها في جميع محافل أسواق النفط العالمية. ولكن محاولة فهم الإشارات المتباينة القادمة من مختلف أعضاء المنظمة يضيف إلى عدم اليقين هذا. في هذا الجانب، يتوقع بعض المحللين أن نتائج أي من هذين السيناريوهين، تمديد أو دون تمديد، سيسفر عن النتائج نفسها. حيث يرى هؤلاء أنه إذا ما قامت "أوبك" بتمديد خفض الإنتاج ستتحرك الأسواق في الحلقة المفرغة نفسها: سترتفع الأسعار في البداية، وسيضاف مزيد من منصات الحفر خصوصا في الولايات المتحدة، وسيزداد الإنتاج وتعود الضغوط على الأسعار. على النقيض من ذلك، إذا لم تتوصل الدول الأعضاء في "أوبك" والمنتجون من خارج المنظمة إلى اتفاق، ستشهد الأسواق ما رأيناه في الفترة 2014 ـــ 2016، وسيقوم جميع المنتجين برفع الإنتاج للحصول على حصة في السوق.
وهذا سيؤدي أما إلى انخفاض الأسعار أو أنها تبقى عالقة مرة أخرى في عدم يقين. واحتمال أن نرى سيناريو ثالثا يتضمن موافقة أعضاء "أوبك" على خفض الإنتاج، في حين أن الدول غير الأعضاء في المنظمة تغادر طاولة المفاوضات. بالفعل تستعد روسيا لأسعار نفط في حدود 40 دولارا للبرميل. وأوضح عديد من المحللين كيفية ارتفاع الإنتاج الأمريكي من 8.7 مليون برميل في اليوم إلى أكثر من 9.1 مليون برميل في اليوم، وأنهم يتوقعون أن يزداد هذا الارتفاع. لذلك يرى بعض المحللين أن الاستجابة لن تكون واعدة باستثناء ارتفاع الأسعار المؤقت. وحتى لو وافق أعضاء "أوبك" على التمديد، فإن الأسواق ستنتظر النتائج على أرض الواقع. في الوقت الحاضر ليس على الأسواق سوى الانتظار حتى أيار (مايو) لمعرفة ماذا ستؤول إليه النقاشات بخصوص تمديد الاتفاق.
موسم القيادة الصيفي القادم قد يوفر بعض الدعم لأسعار النفط. وفقا لبعض المحللين، حيث من المتوقع أن يكون ارتفاع الطلب الموسمي في هذا العام أكبر من المعتاد. مع انخفاض معدلات البطالة في الولايات المتحدة منذ فترة ما قبل الركود في عام 2008، وسنتين متتاليتين من ارتفاع مبيعات سيارات الدفع الرباعي والشاحنات الخفيفة في عامي 2015 و2016، من المرجح أن يسجل موسم القيادة الصيفي القادم ارتفاعا في معدلات نمو الطلب على وقود النقل. في الواقع، منذ كانون الأول (ديسمبر) 2014 كان هناك ارتفاع مطرد في عدد الأميال المقطوعة كل شهر. من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه طوال عام 2017. وفقا لتقرير نشر في "رويترز"، مبيعات السيارات في الولايات المتحدة ستبقى قوية في عام 2017، وقد تصل إلى نحو 17.6 مليون مركبة.
مشاريع الاستكشاف والتطوير الجديدة: على الرغم من أن وكالة الطاقة الدولية أعلنت أخيرا مخاوفها بشأن عدم وجود مشاريع جديدة كافية قد يوجد نقصا في الإمدادات، إلا أن ارتفاع أسعار النفط الأخير أدى إلى قيام شركات النفط العالمية بإعادة النظر في مشاريعهم المتوقفة. في الوقت الحاضر، ليس فقط عدد المشاريع التي ستبدأ في الإنتاج في تزايد، وإنما وقت التنفيذ قد انخفض أيضا بشكل ملحوظ. في هذا الجانب بين تقرير صدر عن «جولدمان ساكس» أن ارتفاع إنتاج النفط الصخري وتزايد عدد المشاريع النفطية الجديدة قد يؤديان إلى زيادة العرض في العامين المقبلين. ويتوقع "وود ماكنزي" أن يتضاعف عدد المشاريع الجديدة في عام 2017، مشيرا إلى أن الإنفاق من المتوقع أن يرتفع بمعدل 3 في المائة هذا العام.
من المؤكد أن هذه هي أبرز العوامل التي ستؤثر في أسواق النفط في المستقبل القريب، لذلك ينبغي مراقبتها من كثب من قبل المحللين الحريصين على فهم اتجاهات الأسعار في الأشهر المقبلة.
صحيفة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/04/05