كم عدد اللهجات السعودية؟
أحمد الهلالي ..
صحوت قبل أيام على هذا السؤال: كم عدد لهجاتنا السعودية؟ وفي غمرة أيامي ظل السؤال يطاردني، فأحلق مع تعداد اللهجات داخل نطاقي الضيق، ثم أخرج إلى أوسع منه، فيما يشبه المخروط المقلوب، حتى خرجت من حدود اللهجات إلى فضاءات أخرى.
لكل قبيلة لهجة، ثم لكل بطن من القبيلة لهجة مغايرة عن بقية البطون، ثم تجد للقبيلة المجاورة لهجة مختلفة، لكن هناك مشترك أكبر للمنطقة، بمعنى أن منطقة جغرافية كبرى تشترك في خصائص لهجية عامة، لكن هناك تباينات لهجية واختلافات ومميزات للمكونات الاجتماعية لهذه المنطقة الجغرافية الكبرى لا يعرفها أحيانا إلا أبناء المنطقة، وكلما صغر المكون انحسر عدد العارفين بلهجته، ما يوحي بارتباط وثيق بين اللهجة والجغرافيا، لا أعلم أيهما يفرض ذاته على الآخر، ولا شك أن نقطة جوهرية كهذه لن تفوت على علماء اللغة.
بعيدا عن اللهجة واللكنة وطريقة النطق، لو سمعنا (نغمة الصوت) مجردة من الصوائت والكلمات، لاهتدينا إلى المنطقة التي ينتمي إليها المتحدث، فنغمة صوت الجنوبي تختلف عن الحجازي، ونغمة النجدي لا تشبه نغمة الينبعاوي، ولأهل الشرقية نغمة مميزة عن أهل الشمال، وهكذا تظل هذه التباينات حاضرة تبعا للتوزيع الجغرافي.
مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية، وعشرات كليات الآداب وكليات اللغة العربية وأقسامها في جامعاتنا، ومجامع لغوية مختلفة، لو تبنت كلها أو بعضها أو إحداها مشروعا تقنيا حديثا يتخذ الجغرافيا منطلقا للفهرسة، يجمع كل هذه اللهجات عن طريق (التسجيل الصوتي أو المرئي) لحفظها وتوثيقها، ثم دراستها وإتاحتها للباحثين اللغويين والاجتماعيين وغيرهم، فهذه اللهجات لها أصول ممتدة في أعماق التاريخ، بعضها لا تزال محافظة على أصولها القديمة، وبعضها تحورت، أو تطورت، ولا أستبعد اندثار بعض اللهجات، خاصة ومجتمعنا اليوم يتحول إلى المدنية معتمدا على اللهجة الموحدة (المزيج)، التي باتت تلقي بظلالها على الكثير من اللهجات، وربما يأتي زمن تندثر فيه أغلب اللهجات المتاحة اليوم.
الهدف من جمع اللهجات ليس لحفظها فقط، بل لربطها باللهجات العربية القديمة، وتسليط الضوء على ما بقي منها، وكشف الجوانب التي لا تزال معتمة في اللغة الفصحى ولهجاتها، ويجدر ألا نتهيب خوض المشروع خوفا من تأثيره على اللغة الفصحى كما يدعي المتخوفون؛ فالمشروع كله يصب في مصلحة اللغة العربية الفصحى.
وكما جمع الأولون اللغة من أعماق الجزيرة العربية بأدواتهم البدائية، آن أن يتحرك اللغويون من جديد لجمع اللغة واللهجات بتقنيات حديثة (تعتمد على التسجيل الصوتي والمرئي)، وتعتمد آلية لا تشعر المجتمعات المستهدفة بدخول غريب إليها، فالإنسان بطبيعته ينزع إلى اللغة الأقرب لفهم الغريب بغية التواصل معه بوضوح، فالطريقة الأسلم أن تعتمد المؤسسات على أبناء كل منطقة لتنفيذ مثل هذا البرنامج العملاق الحساس.
توصيف اللغة كتابيا لا يفي بالغرض كالتسجيل الصوتي، أو التسجيل المرئي الذي يبين حركة الشفتين والفك وما يرتبط بالفعل الكلامي، فهل يفعلها مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية، ويجمع شتات المؤسسات، ويفتح حقلا خصبا وواسعا للدراسات اللغوية والاجتماعية تقنيا؟
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/04/12