لماذا تستغرق أسواق النفط وقتا طويلا لإعادة التوازن؟
د. نعمت أبو الصوف
إذا كان امتثال منظمة أوبك لاتفاق خفض الإنتاج جيدا جدا، وهو ما تؤكده أيضا التقييمات المستقلة، لماذا إذن تستغرق أسواق النفط وقتا طويلا لإعادة التوازن؟ في النصف الثاني من عام 2016 تجاوز الطلب العرض، حيث انخفضت مخزونات دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD والدول غير الأعضاء non-OECD بمقدار 200 مليون برميل بين نهاية تموز (يوليو) وكانون الأول (ديسمبر)، حتى قبل أن تقرر منظمة أوبك تسريع العملية بخفض 1.2 مليون برميل يوميا من إنتاجها اعتبارا من كانون الثاني (يناير) 2017.المشكلة ليست في عدم الالتزام بالصفقة، ولكن في الصفقة نفسها، التي لم تأخذ في عين الاعتبار الزيادة الكبيرة التي حصلت في إنتاج المنظمة، روسيا والنفط الصخري في نهاية العام الماضي، الأمر الذي قوض الفعالية الكاملة للتخفيضات.
لقد اعتمد اتفاق خفض الإنتاج بين منظمة أوبك والمنتجين من خارجها في الغالب على مستويات إنتاج تشرين الأول (أكتوبر) كخط أساس، إلا أن معدلات الإنتاج في ذلك الشهر كانت أعلى بكثير تقريبا لجميع المنتجين من معدل إنتاجهم في النصف الأول من عام 2016. وهذا الارتفاع الكبير في الإنتاج، الذي كان مدفوعا بمزيج من الظروف والرغبة في اعتماد خط أساس عال لخفض الإنتاج، ضرب الأسواق في أواخر عام 2016 وفي بداية عام 2017، وتحديدا عندما دخل اتفاق خفض الإنتاج حيز التنفيذ.
في الوقت نفسه لم يقدم نمو الطلب على النفط سوى القليل من المساعدة لعملية إعادة التوازن، حيث إن مستوى الاستهلاك في النصف الأول من عام 2017 كان تقريبا مستوى النصف الثاني نفسه من عام 2016. في هذا الجانب، اعترفت منظمة أوبك في شباط (فبراير) بأن عملية إعادة التوازن كانت أبطأ مما كان متوقعا، ولكنها لم تتطرق إلى الأسباب. وبعد فترة قصيرة من الحديث عن احتمال تمديد صفقة الأشهر الستة الحالية التي تستمر حتى حزيران (يونيو)، اختارت المنظمة في الشهر الماضي تمديدها تسعة أشهر أخرى حتى آذار (مارس) 2018.
في بداية هذا العام، كانت أسواق النفط متحمسة لأول اتفاق لمنظمة أوبك منذ عام 2008، وأسهم المضاربون في دفع الأسعار بقوة إلى أكثر من 50 دولارا للبرميل. ولكن التأثير الصافي لهذا الإجراء ـــ التخفيضات ناقص الزيادة في النصف الثاني ـــ لم يكن مفهوما بشكل كامل. ومع توافر مزيد من البيانات، أصبح من الواضح الآن أن منظمة أوبك قد أضافت نحو 420 ألف برميل يوميا في الربع الثالث من العام الماضي مقارنة بالربع الثاني، ثم دفعت الإنتاج إلى أعلى إلى ما يقرب من 600 ألف برميل يوميا في الربع الرابع.
لقد جاء معظم الزيادة في الإنتاج في الربعين الثالث والرابع من إيران، التي رفعت عنها العقوبات في كانون الثاني (يناير) 2016، وأضافت ما يقرب من 400 ألف برميل في اليوم في النصف الثاني من العام، وليبيا، التي عانت من أجل إعادة مستويات الإنتاج إلى ما كانت عليه قبل 2011، لكنها أضافت نحو 300 ألف برميل في اليوم في النصف الثاني. بموجب الاتفاق، لم يكن يتعين على أي من البلدين أن يخفض نظرا لظروفه الجيوسياسية الخاصة. وجاءت الزيادة الكبيرة الأخرى من العراق، الذي أضاف نحو 500 ألف برميل في اليوم في النصف الثاني، بما في ذلك 300 ألف برميل في اليوم في الربع الرابع.
من جانب آخر، لم تقم روسيا بتنفيذ كامل تخفيضاتها حسب الاتفاق، ولكنها خفضت إنتاجها هذا العام ــــ في بادرة فريدة في التنسيق مع منظمة أوبك. ولكن كما هو الحال مع الدول الأعضاء في منظمة أوبك، فإن موافقة روسيا على خفض إنتاجها بمقدار 300 ألف برميل في اليوم كان أقل فعالية لأنها أضافت نحو 400 ألف برميل في اليوم في الربع الأخير من عام 2016. في حين أنها خفضت فقط 63 ألف برميل في اليوم في الربع الأول من هذا العام مقارنة بمستويات تشرين الثاني (أكتوبر). في هذا الصدد، قال وزير الطاقة الروسي أن بلاده ستصل إلى تخفيضاتها المتفق عليها في الربع الثاني، بيد أن مصادر منظمة أوبك تعترف بأن روسيا بعيدة عن تحقيق هدفها. لكن لا أحد ينتقد روسيا علنا بسبب العلاقات السياسية المهمة بين موسكو وبعض دول أوبك التي تدعم اتفاق خفض الإنتاج بين منظمة أوبك والمنتجين من خارج المنظمة.
في الوقت نفسه، استفاد منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة من ارتفاع أسعار النفط، أولا بسبب الحديث عن تجميد إنتاج منظمة أوبك في وقت مبكر من العام الماضي، ومن ثم تزايد الزخم وراء التخفيض الذي بدا وكأنه احتمال حقيقي بحلول أيلول (سبتمبر). توقف تراجع إنتاج الولايات المتحدة عند 8.6 مليون برميل في اليوم في أيلول (سبتمبر) 2016 ـــ أي في وقت أبكر مما كان يتوقع كثيرون - حيث إن التصريحات الإيجابية من جانب منظمة أوبك بخصوص الاتفاق ومؤشرات إعادة التوازن إلى الأسواق أعطت ثقة للمنتجين لبدء الاستثمار مرة أخرى. في الوقت الحاضر، إنتاج النفط الأمريكي بالفعل أعلى بنحو 600 ألف برميل في اليوم، ومن الممكن أن يرتفع بــ 600 ألف برميل أخرى في اليوم بحلول نهاية العام، وفقا لمعظم التوقعات. ومن المتوقع أن تضيف البرازيل ـــ أحد المنتجين الكبار خارج منظمة أوبك ـــ نحو500 ألف برميل في اليوم بحلول نهاية العام الحالي. وبحلول ذلك الوقت، من المتوقع أن تضيف كل من كازاخستان وبحر الشمال نحو 100 ألف برميل في اليوم. جميع هذه التطورات تفسر السبب الحقيقي وراء تأخر إعادة توازن أسواق النفط حتى الآن، واستمرار ضعف أسعار النفط.
صحيفة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/06/14