يا وزارة التجارة: استفيدوا من المعلمين والطلاب!
أحمد الهلالي
حين روّجت أرامكو لمنتجها الجديد الخالي من الرصاص بنزين أوكتين 91، شرحت للمواطنين بإعلاناتها وملصقاتها عن هذا النوع، وأبقت على البنزين أوكتين 95؛ لأن هناك سيارات لا يصلح لها استخدام المنتج الجديد، وأتذكر أن الشركة ألزمت محطات الوقود بتركيب كاشف شفاف يبين لون البنزين المتدفق إلى خزانات سياراتنا، لكن المؤسف أن هذا الكاشف ذا العشرة سنتيمترات على صغره اختفى من معظم محطات الوقود، وبقيت عتمة الليّات السود تخبئ ضمير صاحب المحطة، ذلك الضمير المسكين المتذبذب بين الخوف من الله واحترام أنظمة الوطن، وبين فجور وجشع بعض التجار، ثم ظهرت أخبار كثيرة تنبئ عن تأجير محطات الوقود على وافدين بمبالغ عالية تجبرهم على امتهان الغش، وإتلاف سياراتنا، وإهدار أموالنا، فتجد عامل المحطة يلجأ إلى إهداء المناديل للترويج، أو المياه المبردة، وحتى بيع شرائح الاتصالات باختلاف أنواعها.
هل يرضينا أن يوزّع معلم المدرسة أوراق اختبار مادته على الطلاب، ثم يقول لا تغشوا يا شباب، ويغلق عليهم الباب ويعود في نهاية الحصة؟ هذا تماما ما يحدث في كثير من الأنشطة التجارية في بلادنا، فلا يمر يوم دون أن تخرج صحيفة أو موقع الكتروني بقضية غش أو تهاون بالأنظمة والمقاييس القانونية أو الصحية، وصار تطبيق القانون مستغربا ومستهجنا، وليست عنا ببعيد تلك الدعاوى المرفوعة من ملاك مطاعم جدة الفاخرة، بعدما كشفت أمانة جدة تلاعباتها وعدم اكتراثها بصحة الآكلين، ومثلها القضايا المرفوعة ضد وزارة التجارة في تحركها المحمود مع وزيرها النشط الدكتور توفيق الربيعة، لكن ذلك التحرك لا يزال في بدايته، ويجب أن ترفع الوزارة والأمانات من وتيرته.
ما زلت أصرُّ على ضعف الرقابة، وقلة المراقبين، وضعف التدابير النظامية في مواجهة الغش والتحايلات والجشع وخرق الأنظمة بجميع أنواعها، فلو علم صاحب محطة الوقود الذي يزوّر نوع الوقود لجني أرباح طائلة بأن خرقه للأنظمة سيعرضه إلى خسائر فادحة تصل إلى حرمانه من النشاط؛ لتورّع وقال للكريم (يا كريم)، ولم يخرج عن فلك الكسب المشروع، ولو علم كل من يستغفل المواطن والأجهزة الحكومية ما ينتظره حينما يفعل؛ لأحجم وانشغل بتطوير مشاريعه وجودة خدماته، لكنها الحال المائلة، وكل تجار الوطن إلا من رحم الله ـ وهم نادرون جدا كندرة الغراب الأعصم ـ يريدون أن يجنوا ثروات طائلة بأسرع وأقصر طريق ممكنة، متناسين أنهم في أكرم وطن، ينالون من حكومته الدعم اللامحدود، ومساواتهم بالمواطنين في وقود سياراتهم وإعاشة عمالهم، وانعدام الضرائب على الدخل، عدا الزكاة (الركن الثاني من أركان الإسلام)، والكثير مما لا أعلمه ربما.
المؤسف أن معظم تجارنا أول كافر بالوطنية، وأكثر الناس جسارة على نكران المعروف، فما إن تعن لأحدهم فرصة لمضاعفة أرباحه تجده ينقض عليها انقضاض النسر على عصفور صغير، وربما تجده في الجانب الديني حفّار آبار، وعمّار مساجد، وداعما للجمعيات الخيرية، لكنه لا يرى أهمية لتدخل الوازع الديني في العمل التجاري؛ لأن مفهوم (التجارة شطارة) هو المهيمن على تفكيره، فإقصاء المنافسين واستغلال فرص الاحتكار ورفع الأسعار، والتحايل على الأنظمة، والتستر، من أهم ركائز تعامله، وتأتي الطامة بتسليط هؤلاء للعمالة الوافدة، وتوريط بعضهم في إيجارات باهظة، تعلمون ما تفرزه.
أناشد وزارة التجارة بمضاعفة مكافحة الغش وحماية الوطن وأبنائه من جشع التجار وفسادهم، ومحاربة وكشف كل وسائلهم وطرقهم في خرق الأنظمة، ثم تشديد العقوبات دون هوادة ولا مواربة، مع التشهير بكل مخالف، فمن يغشُّ في أتفه الأشياء، لن يتورع عن الغش في أكبر، فمن السهل فرض الشفافية وتجفيف بيئة الغش في مثل إلزام صاحب المطعم بكشف مطبخه وكيفية إعداد الوجبات، وإلزام صاحب محطة الوقود بليّات شفافة وغيرها، لكن هذا كله لا يتأتى دون الرقابة الصارمة، ولذا أناشد معاليه بزيادة عدد المراقبين، وتفعيل الرقابة بشدة، فالموارد البشرية الوطنية متوفرة في هذا الجانب ويمكن الاستعانة بموظفين بمكافآت مسائية، ولدى معلمينا وطلاب وطالبات الجامعات في شتى أنحاء الوطن، الوقت والقدرة على ذلك بعد تدريبهم وتزويدهم بوسائل الرقابة اللازمة، وصياغة منظومة عملهم بما يحقق العائد المأمول، المهم أن نحاصر هذا الوحش الفتاك، ولنا في استفادة التعداد السكاني والانتخابات البلدية خير دليل.
ولا أستثني دور الأمانات والبلديات في هذا المجال، فهي تعمل كوزارة التجارة بجهد، لكن وطننا قارة، وكثرة المتاجر والأسواق ومحطات الوقود والمطاعم والمشاغل والورش والمصانع وغيرها يستوجب مضاعفة الجهد والأدوات، فلا تقل أهمية أمننا الغذائي والصحي والاقتصادي البيئي عن الأمن العام، والإرادة الجادة والصادقة والغيرة الوطنية قادرة على خلق الأدوات اللازمة وتسخيرها لخدمة هذا الغرض، وأجزم أنها هاجس كل مسؤولينا وموظفي القطاعات المختصة.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2015/12/19