آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الحسين شعبان
عن الكاتب :
كاتب عراقي وحقوقي عربي

بعض دلالات ماحدث في القدس


عبد الحسين شعبان

حين أقدمت السلطات “الإسرائيلية” على منع المسلمين من إقامة صلاة الجمعة (14 تموز/ يوليو/ 2017) في المسجد الأقصى لم تنتهك حقوق نحو مليار ونصف المليار مسلم فحسب، بل تجاوزتها لانتهاك حقوق جميع المؤمنين من أتباع الديانات المختلفة، لاسيّما بتجاوزها على المقدسات والشعائر الدينية.

وقد جاء الإجراء “الإسرائيلي” عنيفاً وقاسياً بحجة مقتل جنديين “إسرائيليين”. ومع أنه لم يكن الأول من نوعه، إلّا أن إغلاق المسجد الأقصى يعتبر حدثاً جديداً لم يسبق لـ “إسرائيل” أن تجرأت وأقدمت عليه، فعلى مدى نصف قرن من احتلالها القدس الشرقية العام 1967 أقدمت على ممارسات منكرة واستفزازية بما فيها حرق المسجد الأقصى العام 1969.

ولم تكتفي السلطات “الإسرائيلية” بقتل ثلاثة فلسطينيين، بل قامت بإرهاب السكان المدنيين، وحملة اعتقالات واسعة شملت مفتي القدس الشريف الشيخ محمد حسين، إثر إلقائه خطبة يوم الجمعة عند باب الأسباط بالمسجد الأقصى، الأمر الذي وتّر الأجواء المتوترة أصلاً والمهدّدة بالإنفجار، والتي تنذر باندلاع موجة جديدة من العنف والإرهاب قد لا تحمد عقباها، ومخاطر لا يمكن تداركها.

ولعل الرد “الإسرائيلي” الانفعالي جاء اثر اتخاذ اليونسكو قراراً في 7 يوليو (تموز) 2017 بشأن إدراج مدينة الخليل على قائمة التراث الإسلامي، وقبله كانت قد اتخذت قراراً بخصوص القدس الشريف بمساجده الثلاثة: الأقصى وقبّة الصخرة والمرواني. ومدينة القدس هي أولى القبلتين لدى المسلمين أي قبل (مكّة المكرّمة) وثالث الحرمين بعد مكة والمدينة المنوّرة، وهي تضم الكنائس المسيحية التاريخية الثلاث المترابطة والمتكاملة: المهد والقيامة والبشارة.

أن مثل هذا التصعيد غير المسبوق يتعارض مع قواعد القانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها بروتوكولي جنيف لعام 1977 حول حماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، وحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية، وهي جزء من قواعد القانون الدولي الملزمة باعتبارها “قواعد آمرة”، وكما تسمى باللاتينية Jus Cogens، أي واجبة التنفيذ في الحال أو في المستقبل، ويترتب على مخالفتها مسؤوليات تفترض بمجلس الأمن الدولي اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لمعالجتها بفرض الامتثال لقواعد القانون الدولي، وإلّا فإن من حقه، بل من واجبه استخدام جميع الوسائل المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة لإعادة الشرعية إلى نصابها ووقف العدوان.

إن ما حدث في القدس من انتهاكات لمشاعر المؤمنين يدعو جميع من يعزّ عليه احترام المقدسات والحرّيات والحقوق، لرفع صوته عالياً للضغط على “إسرائيل” ومطالبتها بوقف أعمالها العدوانية، التي تهدّد السلم والأمن الدوليين، وذلك يتطلّب استنهاض جهود جميع القوى لمنعها من الاستمرار في تغيير الوضع التاريخي والقانوني والديموغرافي في القدس والمسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف.

وثمة واجبات على الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو وهيئات حقوق الإنسان الدولية، تقتضي اتخاذ تدابير فورية عاجلة لدرء الكارثة المحدقة والحيلولة دون تعاظم دائرة الإرهاب والعنف، ولاسيّما من جانب مجلس الأمن الدولي الذي سبق وأن اعتبر قرار ضم القدس من جانب الكنيست “الإسرائيلي” العام 1980 باطلاً ولاغياً ، لأنه يتعارض مع قواعد القانون الدولي التي لا تجيز الحصول على مكاسب سياسية أو ضم وإلحاق أراضي  جرّاء الاحتلال والعدوان، مثلما تفرض على القوات المحتلة احترام الطابع الوطني للبلد المحتل وعدم إجراء تغييرات من شأنها تغيير الواقع القومي والإنساني فيه .

إن ما حصل في القدس وفي فلسطين كلّها يؤكد مجدّداً على حيوية الشعب الفلسطيني، بالرغم من محاولات التهجير والاقتلاع والاستئصال التي تمت بصورة منظمة منذ العام 1948 والعام 1967 وما بعدها، وإن هذا الشعب ما يزال متمسكاً بقضيته على الرغم من ويلاته ونكباته وانتكاساته.

كما تؤكد الأحداث يوماً بعد يوم إنه شعب موحد، سواء في الجليل أو المثلث أو النقب أو مدن الساحل المختلطة مع أبناء القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، رغم محاولات التشطير وبناء الجدران العازلة وحجب حق العودة.

كما تؤكد التجربة إن لا حلّ للمسألة الفلسطينية دون الاعتراف بحق تقرير المصير  للشعب الفلسطيني وعودة اللاجئين وتعويضهم وإقامة الدولة المستقلة القابلة للحياة على حدود العام 1967 بعاصمتها القدس.

ولذلك فشلت جميع محاولات التدجين والتطويع التي استهدفت هوّية الشعب العربي الفلسطيني ، ووصلت جميع الاتفاقات التي دون ذلك سواء اتفاقيات أوسلو وقبلها اتفاقيات كامب ديفيد، إضافة إلى جميع المفاوضات التي لحقتها، سواء في كامب ديفيد العام 2000 وأنابوليس العام 2007 وواشنطن العام 2009-2012 والعام 2013- 2014 ولقاءات الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع الرئيس الأمريكي ترامب (العام الجاري 2017- مايو/أيار) لأن جميع هذه الاتفاقيات والمفاوضات لم تعطي للفلسطينيين ما يطمحون إليه ولو بحدّه الأدنى المنصوص عليه في قرارات الأمم المتحدة، ولاسيّما قراري مجلس الأمن 242 و338 التي تشكل أرضية لحل سلمي يجنب المنطقة الإرهاب والعنف.
باحث ومفكر عربي

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2017/07/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد