الدرس الأهم في “هبة الأقصى.. فلسطينيو الداخل هم حجر الزاوية
عُمر الردّاد
على مدى أسبوعين رابط الفلسطينيون حول باحات المسجد الأقصى، رفضا لإجراءات إسرائيلية جديدة عنوانها التضييق على دخول المصلين إلى المسجد من خلال بوابات الكترونية ولاحقا كاميرات،بحجة ضبط دخول متطرفين يهود أو مسلمين للمسجد ،في أعقاب “عملية “نفذها ثلاثة من شبان بلدة أم الفحم من عرب إسرائيل في القدس،وشكل الفلسطينيون برد فعلهم صورة مشابهة لصورة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987،في فصلها الأول حينذاك، قبل عسكرتها،باعتبارها ثورة مدنية شعبية سلمية ضد احتلال، ُمدان دوليا لم يبق إلا في فلسطين .
ومن المرجح أن فصول “هبة” الأقصى لم تصل إلى نهاياتها،، حيث إن احتمالات انتفاضة ثالثة جديدة ومختلفة هو احتمال وارد، إذ كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 اثر دخول شارون حينذاك المصلى المرواني قرب المسجد الأقصى،وربما الظروف ذاتها متشابهة ،إذ بعد 17 عاما على تلك الانتفاضة لم يحدث على الأرض ما يحول دون وقوع انتفاضة، وهو ما يجعل احتمال انتفاضة جديدة، ليس بالضرورة لأسباب مرتبطة بالأماكن المقدسة فقط قائما، ورغم تراجع إسرائيل عن إجراءاتها ، إلا أن الفلسطينيين في القدس والداخل ، ودون تهويل أو تهوين،سطروا في ” هبة” الأقصى، فصلا جديدا في التاريخ الفلسطيني، عنوانه ” فلسطينيو الداخل هم حجر الزاوية” بكافة اتجاهاتهم وأطيافهم ، وهم أصحاب القرار في تحديد مستقبلهم، رغم بقاء الأقصى والقدس تحت الاحتلال.
هبة الأقصى ،ورغم البعد الديني لمكانة المسجد الأقصى ، إلا أنها تعكس حجم انسداد الأفق لدى فلسطينيي الداخل ،إذ ورغم قبول الفصائل المشكلة لمنظمة التحرير منذ أوسلو بالسلام ،والاعتراف بإسرائيل والتعاون معها تحت عناوين كسرت الكثير من المحرمات،ومفاوضات سرية وأخرى علنية ولاحقا وثيقة حركة حماس التي اعترفت بإسرائيل أيضا، إلا إن إسرائيل لم تقدم ما يقنع الفلسطينيين بجديتها في السلام، وما زال القبول بدولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية موضع شكوك ، فيما يستمر الاستيطان وتغيير الوقائع على الأرض ،ورغم عدم وضوح حجم مشاركة فصائل منظمة التحرير وحتى حركة حماس في هذه الهبة ،إلا إن المرجح أنها فوق كافة الفصائل والتكتلات السياسية والسلطة الفلسطينية، وضد إجراءات إسرائيل ، أي أنها “ثورة بلا قيادات”وليست عدمية،إنما ضد كل المشهد السياسي الفلسطيني والإسرائيلي، وما يتردد حول حلول إقليمية ودولية ، وخاصة أنها تتزامن مع طروحات حول نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وما يوصف ب “صفقة القرن” ومشهد انقسام فلسطيني بين حركتي فتح وحماس يتفاقم في الضفة الغربية وغزة، يعكس صورة مصغرة لمشهد انقسام وتشظي عربي وإسلامي ، في الخليج العربي والعراق وسوريا وليبيا،ووعي جمعي فلسطيني بان أقصى ما يمكن أن يقدمه هذا الواقع البائس، بيانات شجب واستنكار وإدانة لإجراءات إسرائيل ، واستخدامها القوة المفرطة.
ومن المؤكد أن الهبة نجحت في إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام العربي والدولي ، بعد سيطرة تطورات الربيع العربي ومسارات الثورات في سوريا وليبيا، وصور القتل الوحشي التي مارستها داعش خلال ثلاث سنوات ،غيران الأهم من كل هذا أن هذه الهبة جاءت سلمية”حتى الآن” من قبل الفلسطينيين ، وهو ما حرم إسرائيل من الادعاء بأنها إرهاب،في إطار حرب دينية، في ظل رأي عام دولي أكثر ميلا لإسرائيل،رغم التغييرات التي طرأت في المزاج الدولي باتجاه التفهم أكثر للقضية الفلسطينية ،والذي تجلى باعترافات لبرلمانات أوروبية بالدولة الفلسطينية، ونجاحات لاتقل أهمية في اليونسكو،الأمر الذي يؤكد أن النجاحات بالنضال السلمي والمدني، تحقق نتائج أسرع واكبر من “عسكرة ” الانتفاضات، في ظل موازين قوى معروفة سلفا.
إن حجم الانتقادات الموجهة للحكومة الإسرائيلية ، من قبل الإعلام الإسرائيلي والدولي والتغيير في الرأي العام الإسرائيلي(يعتقد 77 بالمائة من الإسرائيليين بفشل إجراءات نتنياهو ) باتجاه رفض الإجراءات الإسرائيلية ،أكد نجاح هبة الأقصى ، وهو ما لم يكن ليتحقق لولا سلميتها،وربما “انقلب السحر على الساحر” بالنسبة للحكومة الإسرائيلية ،اذ من المؤكد إن نتنياهو المحاصر بقضايا فساد والمحكوم لائتلاف حزبي يميني ،حاول استثمار عملية الشبان الثلاثة ،بما يقوي مراكزه لدى حلفائه في الانتخابات القادمة ،غيران خضوعه “مكرها “على التنازلات اللاحقة بفتح أبواب الأقصى ، والتراجع عن كافة إجراءاته ،أظهره الطرف الأكثر خسارة من هذه الهبة،و ولم يجد ما يقدمه لإثبات مزاعم انتصار واهم، إلا في صورة عناقه الدبلوماسي الإسرائيلي ، الذي اقترف جريمة بشعة في عمان، وكأنه أسير محرر، وهو ما نتج عنه تدهورا في علاقاته مع الأردن،بما يزيد من قوائم خسائره.
ورغم كل ما يمكن إن يقال من استنتاجات ودروس من هبة الأقصى،وهي كثيرة إلا أنها تطرح مجددا ما هو أكبر من ذلك بكثير، وهو قضية الاحتلال برمته،وأنه لا يمكن لإسرائيل إن تواصل إخضاع الأقصى لحسابات حزبية وانتخابية ،ولا يمكن أن يتواصل الاحتلال إلى مالا نهاية ، في الوقت الذي اعترف فيه الفلسطينيون والعرب بدولة إسرائيل ، مقابل دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية فقط، لكن الدرس الأبرز والأهم كان “أن فلسطينيّي الداخل هم كل الزوايا، وليس حجر الزاوية فقط”.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2017/08/01