تحرير الغوطة يفتح الطريق لإنهاء العدوان على سورية؟
العميد د. أمين محمد حطيط
ستحتلّ عمليات تحرير الغوطة مكاناً مميزاً في تاريخ الحرب الدفاعية التي خاضتها سورية في وجه العدوان الكوني الذي استهدفها، لا بل قد تنفرد عملية تحرير الغوطة بطبيعتها وخصائصها عما سبقها وعما سيليها على طريق التحرير الشامل للأرض السورية من الإرهاب والاحتلال.
نقول هذا ونحن نقارب تحرير الغوطة من زاويتين: عملانية واستراتيجية ثم ربطاً بالتداعيات والمفاعيل على كامل المشهد الميداني والاستراتيجي والعلاقات الدولية القائمة حول سورية.
ففي الجانب العملاني دارت حرب تحرير الغوطة الشرقية في ميدان بالغ التعقيد، حيث اجتمعت فيه كل خصائص عمليات القتال الخاصة، من عمليات داخل الأماكن المأهولة حيث تعيش نسبة تتعدّى نصف مليون شخص اتخذهم الإرهابيون رهائن أو دروعاً بشرية أو منجماً لرفد جماعاتهم باليد العاملة وعلى سبيل السخرة. يعطف على ذلك وقوع العمليات على أراض زراعية أو مشجرة وممارسة القتال على أرض فائقة التحصين وغريبة في تهيئة الميدان، حيث أقيمت في الغوطة تحت كل مدينة أو قرية أو بلدة من البلدات الـ 32 التي تتنشر على مساحة 120 كلم2 هي مجمل مساحة الغوطة، بلدة تماثلها تحت الأرض ثم ربطت المواقع تلك بأنفاق بلغ طولها الإجمالي بين نفق رئيسي يمكن أن تسلكه الشاحنات الضخمة ونفق فرعي مساعد، ما يقارب الـ 35 كلم حُفرت وجُهزت بإتقان بالغ قلّ أن سبق إليه أحد في تاريخ الحروب.
وفوق ما تقدم وضعت الغوطة وميدانها الذي تجمع فيه ما يزيد عن 25 ألف مسلح، من قبل قيادة العدوان في إطار المسؤولية الإسرائيلية المباشرة لتقديم الدعم الناري الجوي، باعتبار المنطقة هي القاعدة المتقدمة على كتف دمشق للمنطقة الأمنية الإسرائيلية المفترض إنشاؤها، وعُززت الجماعات الإرهابية بخبراء من الحلف الأطلسي ومجلس التعاون الخليجي بلغ مجموعُهم، كما تداولت وسائل إعلام الغرب 300 ضابط وخبير في الحد الأدنى وهناك مَن يقول بـ 700 ، قاموا بإدارة العمليات العسكرية ضد سورية وحلفائها انطلاقاً من منطقة بالغة الأهمية في موقعها وطبيعتها خاصة أنها متداخلة في بعض أجزائها مع أحياء من العاصمة دمشق مركز الثقل النوعي الاستراتيجي الأول في الدولة.
لقد اتخذت قيادة العدوان من الغوطة ورقة إستراتيجية رئيسية هامة يؤدي استعمالها عند الاقتضاء إلى تحقيق هدف أو أكثر من الأهداف العملانية والاستراتيجية الكبرى التي تتصل مباشرة بمسار العدوان على سورية ونتائجه. فقد رأت أميركا أن من الغوطة يمكن رسم المشهد الأمني غير المستقر للعاصمة عبر سيل القذائف التي تُمطر بها في كل مرة تحتاج أميركا إلى جرائم تستعملها للضغط على الحكومة السورية، ومن الغوطة يمكن لأميركا أن تنفذ استراتيجية إطالة أمد الصراع التي طالما هدّدت بها وهي مطمئنة إلى أن أحداً لن يستطيع الدخول إلى الغوطة، وهي في الحالة التي ذكرت من التهيئة والتحصين. ومن الغوطة يمكن الهجوم على دمشق كما حاولت تلك الجماعات الإرهابية المنتشرة فيها، هجوماً يتوخى منه العدوان احتلال أقسام من العاصمة أن لم يكن كلها، فعلى الأقل نصفها لإحداث توازن ميداني مع الحكومة.
ومن أجل تحقيق واحد أو أكثر من تلك الأهداف، ورغم أن الغوطة دخلت مباشرة أو مداورة في منظومة مناطق خفض التوتر وفقاً لمخرجات استانة، ما كان يفرض التزام الهدوء وعدم الغدر والاعتداء على العاصمة، رغم ذلك تلقت الجماعات الإرهابية أوامر من مشغليها الأطلسيين والخليجيين لتفجير معركة دمشق للانتقام من انتصارات الجيش العربي السوري في المنطقة الشرقية وللضغط عليه لمنعه من الانطلاق إلى معركة تحرير إدلب. واستجاب الإرهابيون بعد أن تلقوا ضمانات من مشغليهم ثلاثية الوجوه، ضمان منع الجيش العربي السوري من اقتحام الغوطة، وضمان تقديم الإسناد والدعم الناري الجوي بصورة خاصة من «إسرائيل»، وضمان تعزيز قدراتهم البشرية بمسلحين تنقلهم أميركا من خارج الغوطة عبر التنف مع التحضير لإقامة قاعدة عسكرية أميركية تمنح الغوطة نوعاً من «حصانة أميركية» تمنع دخولها من قبل الدولة كما تظنّ أميركا.
لقد أسهبت بعض الشيء في توصيف واقع المشهد العسكري في الغوطة قبل انطلاق المعركة، من أجل الدلالة على أهمية المعركة في موازين قيادة العدوان، خاصة أن هذه المنطقة تعتبر بطبيعتها وخصوصيتها تلك الورقة الاستراتيجية الفريدة من نوعها والأخيرة من طبيعتها بيد العدوان. ولأجل ذلك صحّ أن نربط مسار العدوان على سورية بنتائج هذه المعركة سلباً أو إيجاباً. ومن أجل ذلك أيضاً كانت الأنفاس محبوسة لدى معسكر العدوان التي تعلم جيداً قيادته مصير المواجهة برمّتها في حال الخسارة.
ومن أجل ذلك لم توفر أميركا ومعها الأدوات والتابعون من دول وكيانات سياسية وعسكرية محلية أو إقليمية أو دولية جهداً إلا وبذلته في المواجهة من أجل الحؤول دون خسارة الغوطة. وهنا نذكر فقط بعناوين بعض السلوكيات المعادية ربطاً أو تزامناً مع معركة الغوطة.
ونبدأ بما قاموا به من تلفيق استعمال السلاح الكيماوي ثم التهديد بالحرب الأطلسية على سورية تهديداً بلغ التهويل فيه حد تعيين الساعة صفر لبدء الحرب خلال 48 ساعة على حد قول بعض الأبواق، ثم حركة طيران التحالف متزامنة مع المناورات في مجلس الأمن سعياً لإصدار قرار يلزم الجيش العربي السوري بوقف العملية العسكرية ضد الإرهاب في الغوطة الشرقية مناورات حصلت بعد أن اتضح لقيادة العدوان اتجاه الوضع العسكري شرق دمشق.
لكن هذه الإجراءات كلها لم تفلح في تحقيق مبتغى العدوان ولم تثن سورية وحلفاءها عن تنفيذ العمل التطهيري للغوطة. وبالفعل بدأت العملية بعد التحشيد العسكري السوري الذي استغلّ في خدمة الحرب النفسية بشكل رائع، وحققت العمليات الهجومية السورية في ساعاتها الأولى نتائج فوق المتوقع، وبخسائر ومهل أقل بكثير مما كان متوقعاً، وأثبتت النتائج الأولية تلك بأن النتيجة النهائية ستكون باهرة للمهاجم وصادمة لقوى العدوان. وهذا الذي حصل بالفعل وأدت مفاعيله السريعة التي نستطيع إحصاء بعضها وتحليله وتركيبه لننتج صورة للمشهد السوري تقول إن نهاية الحرب بدأت وإن السطور الأولى في صفحة خاتمة الحرب كتبت في الغوطة. وبهذا يجب ان نقرأ ونفهم ماذا تعني مواقف أركان العدوان وقراراته واعتراف بعضهم وتسليم آخرين بالواقع المتشكل.
نعم بهذا التصور نفهم قرار ترامب الخروج قريباً من سورية، وقرار فرنسا الامتناع عن عمل عسكري منفرد في الشمال السوري بعد أن كانت تتحضّر له، وقرار إسرائيل العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك ونشر مراقبي الاندوف على خط وقف إطلاق النار، واعتراف السعودية بأن الرئيس بشار الأسد ثابت في موقعه وأحد لا يستطيع المس به، ودعوة الأمم المتحدة للعمل بجدية وإلحاح على المسار السياسي لحل الأزمة.
هذه المواقف والوقائع وسواها ما كانت لتقع أو يُلجأ إليها لو كانت نتائج حرب الغوطة غير ما انتهت إليه، أو لو كان متوفراً بعد الغوطة ورقة تشبهها عملانياً أو استراتيجياً تعوّض عنها، فبعد الغوطة فرغت خزائن العدوان من الأوراق الاستراتيجية الكبرى التي تمكن من التأثير على المشهد العام والمسار الرئيس للعدوان على سورية، ولذلك سيؤرخ برأينا لنهاية العدوان على سورية اعتباراً من آذار 2018 كما كان تاريخ بدئه في آذار 2011.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/04/03