السمك في حياة أهل الكويت قديماً وحديثاً
د. سعود محمد العصفور
عوداً على بدء، فإن لسوق السمك والأسماك التي تباع فيه مكانة كبيرة في حياة أهل الكويت والمطبخ الكويتي، ذلك أن كثيراً من الأكلات قد ارتبطت به، ومثلت اشتياقاً دائماً في نفوسهم، خصوصاً لكبار السن من الرجال والنساء الذين عايشوا الزمن الجميل.
فالمطبّق يتطلب ذائقة خاصة، ومهارة ممن يقوم بإعداده، والأسماك المفضلة له الزبيدي، والبالول، والهامور، والمزيزي، والسبيطي، والشيم الذي يردد كبار السن والعارفون بحلاوة مذاقه «الشيم ما يأكله إلا الحشيم». والسمك في عرف الطباخين الكويتيين يحتاج عناية فائقة، ويعبّرون عن ذلك بقولهم بالعامية: «السمك يبيله حوف».
ومرقة السمك أيضاً تتطلب هي الأخرى عناية بكثرة وضع الكزبرة والشبنت (الشبت) مع قطع البصل الصغيرة التي تتمازج وتذوب مع خلطة البهارات اللازمة، خصوصاً الكركم، لتكون المرقة خاثرة تصعب مقاومة طعمها اللذيذ، ويصاحب مرقة السمك الأرز المشخول مع البصل المحمص والمشقر الذي يسمى «فرقاعة». أما أنواع السمك التي توضع في المرقة، فهي غالب أسماك الكويت آنفة الذكر وغيرها، لأن المرقة تطيب كل سمكة فيها.
وعلى ذكر المرقة الخاثرة، هناك خثرة السمك التي تتنوّع فيها الخضار الورقية؛ كالشبت والكزبرة والبقدونس والنعناع والكرفس وغيرها، مع البصل الأبيض والأخضر، وتشكل وقطع السمك مزيجاً خاثراً رائعاً ومذاقاً يصعب على النفوس تجاوزه إلى غيره.
والسمك في قاع القدر من الأكلات المفضلة لأهل الكويت قديماً وحديثاً، خاصة إن كان السمك زبيديا، فيقولون «زبيدي بقاعة الجدر»، أو غيره من الأسماك كالبالول والهامور والسبيطي، والأمر يزداد تشويقاً إن تكونت «الحكوكة، وهي ما يتماسك من الأرز نتيجة لتخفيف قوة اللهب لفترة طويلة» فلاصقت السمكة من الأسفل، وللحكوكة عشاقها، وتكون عادة فاتحة أكل السمك.
والسمك المشوي هو الآخر لذيذ المذاق، والأسماك التي تشوى كثيرة، وعادة أهل الكويت إن كان السمك زبيديا أو صبورا أن تعمل له خلطة، إما من الماء والتمر وإما يضاف التمر الهندي (الصبار)، ويتم مسح السمك به من الخارج، ثم تشوى، أمّا الأسماك الكبيرة فالبعض يطبّق عليها الطريقة نفسها، لكن الأغلب من دون تلك الخلطة، وذلك لسماكة جلودها وكثرة الحراشف (السفط) التي تحميها أثناء الشواء؛ كالنقرور والسبيطي والشعم، وكانت تشوى في التنور المصنوع من الطين المحروق. ومن الأسماك التي تشوى أيضاً ولها في حياة أهل الكويت مكانة «الميد»، يشوى بالتقليب على صفيح يسمى «التاوة».
وهناك أيضاً «الميَدَّم» يستخدم فيه سمك القرش (الجرجور)، ويشترط أن يكون الجرجور صغير العمر والحجم، ويقطع لحمه قطعاً صغيرة ثم يبهر مع خلطة مناسبة من البهارات ويُطَيَّب أيضاً بالكزبرة والشبت وقطع البصل الصغيرة، ثم يوضع في المقلاة كحميسة (وهي كلمة عربية فصحى) ويفتت، ثم يوضع على الأرز.
و«المحمر» له أجمل الذكريات في نفوس الكبار، وله رواده من المتذوقين، وغرابة المحمر في وضع السكر مذاباً ومشقراً في الأرز ليعطيه حلاوة، ويزداد جمالاً إن طابت مرقة السمك المصاحبة له.
ويعتقد أهل الكويت أن السمك لا يصاحبه شرب اللبن، لأنهم يعتقدون أن من يفعل ذلك يصاب بالبرص، وهم يطبّقون المثل العربي القائل: «لا تأكل السمك وتشرب اللبن». والمعلومة في ما يتعلق بالإصابة بالبرص أظنها مغلوطة ولا أساس لصحتها طبيّاً.
يبقى السمك في حياة أهل الكويت حديثاً لا ينقطع عن مجالسهم، يسألون دوماً عن أسعاره وعن أيام الرخاء في وفرته ورخص أسعاره.
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2018/04/14