سيناريوهات العدوان لوقف عملية تحرير ادلب؟!...والرد؟
العميد د. أمين محمد حطيط
بات واضحاً أن عملية تحرير إدلب ستكون العمل الميداني الاستراتيجي الأخير بهذا الحجم وبتلك التداعيات، وأن إنجاز هذه العملية بنجاح على يد القوات العربية السورية وحلفائها يعني وضع حدّ نهائي للحرب العدوانية على سورية التي تجاوزت السنين السبع ببضعة أشهر. ولأن لعملية تحرير إدلب هذه الأهمية والخصوصية التي تتجاوز كل ما سبقها من معارك تحرير مناطق سورية أخرى على أهميتها، فإن معسكر العدوان على سورية يلقي بثقله الآن في المواجهة مستبيحاً كل المحرمات من اجل منع سورية من تحقيق الأهداف الوطنية الاستراتيجية من هذه العملية.
وفي سياق أعمال التحضير العدواني لمواجهة الموقف المرتقب في إدلب فقد سجلت في الساعات الأخيرة المواقف السياسية التهديدية الحادة التي انطلقت من أكثر من موقع من مواقع معسكر العدوان على سورية، وترافقت تلك المواقف مع أعمال عسكرية ميدانية توحي وبشكل واضح أن هذا المعسكر العدواني عازم ويحضر بشكل أكيد لفعل شيء كبير يتصل بسورية انطلاقاً من إدلب وما يتعلق بمعركة تحريرها حيث سجل حتى الآن:
توجه مدمرة أميركية مع قطعة بحرية أخرى إلى الخليج على متنها 45 صاروخ كروز لتجهز للاستعمال لقصف مناطق في سورية.
نشر 3 قطع حربية من الأسطول الأميركي السادس مقابل الشاطئ السوري والتحضير لقصف في أهداف في سورية.
نقل جبهة النصرة الإرهابية 8 حاويات من الكلور إلى جسر الشغور لتكون جاهزة في تمثيل مسرحية استخدام الأسلحة الكيماوية واتهام الحكومة السورية به.
انتشار عدد من فرق جماعات الخوذ البيضاء الإرهابية في مثلث إدلب سهل الغاب جسر الشغور تمهيداً للمشاركة في تمثيل وتلفيق مسرحية الكيماوي في مهمة «الإنقاذ» المزعوم والتوثيق المطلوب.
تحذير فرنسي أميركي بريطاني منفرد وجماعي بالتدخل العسكري في سورية «إذا» استعملت الحكومة السورية الأسلحة الكيماوية. وكان التصريح الأخير لجون بولتون واضحاً بأن أميركا تحضر لعمل عسكري عنيف ضد سورية «إذا« استعملت السلاح الكيماوي.
التهويل من قبل الأمم المتحدة وآخرين يدورون في الفلك الأميركي بوقوع كارثة إنسانية بين المدنيين إذا نفذت عملية تحرير إدلب عسكرياً. ويدّعي المهولون كذباً بأن في إدلب 3 ملايين شخص وهو رقم غير صحيح. ويناشدون القوى «المحبة للسلام» لمنع العمل العسكري في المنطقة لحماية المدنيين هؤلاء.
التدخل العدواني الفظ لمنع أي نوع من المصالحات تجريه بعض الفصائل المسلحة مع الدولة السورية، كما وقمع الشرائح الشعبية التي تعمل للعودة إلى حضن الدولة والوطن.
إن تصرّفات معسكر العدوان على سورية بقيادة أميركا توحي بأن هذا المعسكر عازم على فعل شيء ما قبل انطلاق عملية تحرير إدلب لمنع الانطلاق بها، أو بعد انطلاقها لوقفها خاصة إذا تبين له أن الجماعات الإرهابية لن تكون قادرة على الثبات في مواقعها، ولن تكون قادرة على منع العملية بذاتها، وأنها بحاجة لدعم عسكري مؤثر يحول دون سقوطها ويمنع الحكومة السورية من استعادة المنطقة. وعليه فإننا نرى أن المسالك الممكنة أو المحتمل أن تقوم بها قوى معسكر العدوان هي واحد من السيناريوات الأربعة التالية التي نرى أن لكل منها قدراً من الاحتمال يجعلها قابلاً للتنفيذ:
السيناريو الأول: شنّ الحرب نفسية الصاخبة لمنع العملية. قد يكتفي معسكر العدوان بالإعلان عن المواقف السياسية والتحضيرات والاستعداد الميدانية العسكرية لاتخاذها عوامل ضغط على الحكومة السورية للتراجع عن عملية تحرير إدلب وفقاً لاستراتيجيتها المركبة من عمل تصالحي وعمل ميداني. وهو يعول على الحرب النفسية هذه من أجل الحؤول دون تنفيذ التحرير لإبقاء ورقة إدلب مع تضخيم وزنها وأهميتها، بيد القوى المناهضة للدولة لاستعمالها في البحث في الحل سياسي المرتقب.
السيناريو الثاني: ارتكاب جريمة استعمال الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في إدلب واتهام الجيش العربي السوري بها والمبادرة إلى تنفيذ التهديدات الغربية السابقة بقصف تحشيدات الجيش والحلفاء مع تحييد المواقع الروسية على أن تكون الضربة ذات وظيفتين رئيستين، وظيفة تحذيرية إنذارية تتوخى منها أميركا والغرب إظهار الجدية في المواجهة العسكرية إذا استمرت سورية في قرارها بالعمل على تحرير إدلب ميدانياً، ووظيفة عسكرية لتدمير بعض القطعات والتشكيلات التي حشدتها سورية للانطلاق في معركة إدلب ما يؤثر على انطلاقها ويعرقله ويؤخر ساعة الصفر.
السيناريو الثالث: يبدأ كالثاني ولكن يتقدّم عليه بحيث أن المجموعات الإرهابية البالغ حجمها ما يصل إلى 65 ألف مسلح، وبتخطيط وتنسيق مع قوى العدوان، تستفيد من الضربة العسكرية التي يشنها العدوان ضد الجيش العربي السوري والحلفاء وتنفذ هجوماً واسعاً باتجاه حماه وحلب. وهنا تستفيد تركيا من الوضع الميداني المستجدّ وتظن هي والقوى الأخرى بأنهم قادرون على تحقيق شيء من توازن في الميدان يمكنهم من كسب مواقع متقدمة في الحل السياسي بصيغة جنيف الأولى.
السيناريو الربع: انتظار العدوان لانطلاق عملية التحرير وتقدير الموقف وفقاً لأيامها الأولى، مع تقديم الدعم غير المنظور للمجموعات الإرهابية، فإذا تبين للعدوان قدرة الإرهاب على الصمود بوجه سورية استفادت منه للقول بوجود التوازن الذي يحيي مواقعها في الحل السياسي الذي تريد، وإذا انهارت هذه المجموعات الإرهابية، تقوم قوى العدوان سريعاً بلعب مسرحية الكيماوي ثم التدخل عسكرياً على أحد مستويين: الأول منخفض الشدة والتأثير ويكون من قبيل تنفيذ التهديد والإيذاء دون أن يحقق وقفاً للعملية ويترجم بقصف أهداف مختارة بعناية. والثاني عالي التأثير والشدة ويكون أوسع وأشمل ويستهدف التشكيلات العسكرية المشاركة بالعملية ويرمي إلى منعها من متابعة التقدم.
على ضوء ما يمكن للعدوان القيام به، يبدو أن سورية وحلفاءها ماضون قدماً في العمل لتنفيذ القرار الاستراتيجي الكبير الذي أعلنه بنفسه الرئيس الأسد لجهة تحرير إدلب ومنطقتها وهم مع مراقبتهم ما يحضره معسكر العدوان من تحشيد وتلفيق ويمارسه من حرب نفسية، ماضون قدماً أيضاً في التحشيد والتحضير للانطلاق في عملية التحرير، وكما أن في أحد السيناريوات حرباً نفسية فإن معسكر الدفاع لا يفوّت فرصة هذه الحرب، ويدخل فيها باحتراف عالي كما يظهر حتى الآن. وفي هذا الإطار يسجل ما تقوم به الأجهزة المختصة في سورية وروسيا خاصة من فضح ما يخطط وما يحضر له معسكر العدوان والتحذير من مغبة الحماقات التي قد يرتكبها. أما الرد العسكري والميداني على العمل المسرحي والتحشيد القتالي فإن له عند معسكر الدفاع من الردود والمواجهة التي تبقى خططها أوراقاً مستورة لا تظهر إلا وقت الاستعمال حتى لا تفقد عنصر المفاجأة.
إن ما يحيط بإدلب وما يحتمل من مواجهة بين معسكري العدوان والدفاع عن سورية هو جدي وهام نظراً لخطورة ملف إدلب وتداعياته على مجمل نتائج الحرب العدوان على سورية. وليس بإمكان معسكر الدفاع أن يتراجع. أما معسكر العدوان فعليه أن يعرف أن من صمد وانتصر طيلة ما يزيد عن 90 شهراً بإمكانه أن يخوض معارك قاسية لتثبيت إنجازاته حتى ولو تطلّب ذلك تسعين يوماً أو تسعين أسبوعاً إضافياً من القتال، وهو لن يتراخى ولن يضيّع مكتسباته وأن معظم ما في المشهد الميداني يشهد لصالح انتصار سورية وحلفائها.
جريدة البناء اللبنانية
أضيف بتاريخ :2018/08/28